صحيفة عبرية: تل أبيب تستغل أزمات المياه في الشرق الأوسط من مصر إلى إيران لفتح فرص أمام شركاتها

تفتح الأزمة الإيرانية باباً لإعادة رسم موازين القوة في المنطقة لصالح إسرائيل، وتحويلها إلى قوة تأثير تكنولوجي وبنية تحتية لا غنى عنها.
توضح صحيفة “غلوبس” أن أزمة المياه تبلغ حد الكارثة في إيران، إذ يستيقظ سكان أحياء في طهران على صنابير جافة، وتُقنّن المستشفيات استهلاك المياه، وتُجفّ سدود عملاقة، حتى أن أكبر خزان مياه في طهران قد يفرغ تماماً خلال أسبوعين.
تشير “غلوبس” إلى انخفاض مستويات ثلاثة سدود رئيسية حول العاصمة إلى أقل من 10% من طاقتها، مع عدم توقع هطول أمطار خلال الأسبوعين المقبلين، وتحذر من احتمال إخلاء طهران التي يسكنها نحو 10 ملايين نسمة.
وتؤكد الصحيفة أن الجفاف ليس نتيجة التغير المناخي فحسب، بل إخفاقاً هيكلياً كارثياً: فالأنهار الجوفية تُستنزف بأضعاف قدرتها على التجدد، والبنية التحتية المهترئة تهدر كميات هائلة من المياه، وتُساء استخدام الزراعة بشكل مفرط، بينما تكون الروافد الرئيسية جافة أو ملوثة.
وتؤكد الصحيفة أن ندرة المياه في إيران تهدد الوجود البشري نفسه، وليس الاقتصاد أو الأمن الغذائي فحسب، ما يفتح باباً لاضطرابات اجتماعية عميقة. وتضيف أن النظام الإيراني، رغم قدرته على قمع الاحتجاجات بالعنف، قد يجد نفسه عاجزاً إذا استمرت الأزمة حتى الربيع، خصوصاً مع تآكل قدرته على تمويل الميليشيات وبرامج الصواريخ والنووي بسبب العقوبات وانهيار الاقتصاد.
من طهران إلى عمّان والقاهرة: الاعتماد الإسرائيلي يزداد
تضيف “غلوبس” أن الأزمة الإيرانية ليست وحدها من تغيّر الواقع، ففي الأردن أيضاً يتفاقم الاستهلاك: يستهلك البلد سنويّاً أكثر من 1.2 مليار متر مكعب من المياه، ولا توفر المصادر الطبيعية سوى أقل من نصف هذه الكمية. ومن بين 12 خزاناً جوفيّاً رئيسياً، تسعة منها متهالكة إلى حد الانهيار.
وتشير الصحيفة إلى أن تدفق نهر الأردن الجنوبي تراجع بنسبة 90% مقارنة بسبعينيات القرن الماضي، وأن نصف مياه الشبكة تُهدر بسبب سوء الصيانة. ونتيجة لذلك تصل المياه إلى المدن الأردنية الكبرى يوماً واحداً في الأسبوع، وفي بعض القرى الشمالية أقل من ذلك. وتورد أن إسرائيل تسدّ جزءاً من هذا العجز، حيث تورّد إلى الأردن بموجب اتفاقية السلام عام 1994 نحو 50 مليون متر مكعب سنويّاً، ثم زادت الكمية في 2021.
وتذكر الصحيفة أن مشروع “بروسبيريتي بلو” (الازدهار الأزرق)، المموَّل من الإمارات، والمخطَّط لضخّ 200 مليون متر مكعب من المياه المحلّاة سنويّاً من إسرائيل إلى الأردن، يواجه تأخيرات سياسية، ولكنه قد يُنفَّذ قريباً نظراً لغياب بدائل أمام الأردن الذي يفتقر إلى مصادر مياه طبيعية أو وصول مباشر للبحر أو قدرة مالية على بناء محطات تحلية واسعة النطاق.
أما في مصر، فتواجه أزمة مياه وجودية تتفاقم بسبب سد النهضة الإثيوبي، إذ يوفر النيل نحو 55 مليار متر مكعب سنويّاً، وهو ما يعادل نحو نصف احتياجاتها. وتضيف الصحيفة أن القاهرة تسعى لبناء عشرات محطات التحلية على سواحل البحرين المتوسط والأحمر بتكلفة مليارات الدولارات، لكن التنفيذ يسير ببطء بسبب استهلاك الطاقة الهائل الذي تعانيه مصر.
ولفتت الصحيفة إلى أن مصر تستورد الغاز الطبيعي من إسرائيل بمليارات الشواكل سنويّاً، وهو رقم يتزايد تدريجيّاً مع توسيع برامج التحلية. وتذكر أن محطة تحلية تنتج 300 مليون متر مكعب من المياه سنويّاً تستهلك طاقة تعادل مدينة متوسطة، مما يجعل الاعتماد على الغاز الإسرائيلي مكوناً أساسياً لا مفر منه.
من الغاز إلى الأسهم
وتؤكد الصحيفة أن هذه الديناميكيات ترسم مشهداً اقتصادياً جديداً: فاعتماد الأردن ومصر على إسرائيل في المياه والطاقة يقلل احتمالات التصعيد العسكري، ويعزز الاستقرار الإقليمي، ولكنه في المقابل يفتح فرصاً استثمارية ضخمة.
وتشير إلى أن قطاع الغاز الإسرائيلي سيشهد طلباً ثابتاً ومتزايداً، ما يعزز قيمة احتياطياته كجزء من البنية التحتية الإقليمية للمياه. وتذكر أن شركات مثل “نيو ميد إنيرجي” التي تدير حقل لويتان وتزوّد الأردن ومصر بالغاز، مرشحة لتوسيع صادراتها لدعم محطات التحلية، رغم أن الأثر لا ينعكس بعد بشكل كبير على الإيرادات.
كما قد تستفيد شركة الكهرباء الإسرائيلية (OPC)، لأن محطات توليد الكهرباء تقع في قلب سلسلة إنتاج المياه المحلّاة.
وبخصوص قطاع التحلية ذاته، تشير “غلوبس” إلى أن إسرائيل تمتلك واحداً من أكثر أنظمة التحلية تطوراً عالميّاً، لكن أكبر محطات التحلية ليست مملوكة لشركات مدرجة في البورصة، بل لشركات خاصة أو أجنبية. وتظل الفرص الاستثمارية تتركز في الشركات الداعمة لسلسلة القيمة.
وتضيف الصحيفة أن الرابح الأكبر بين الشركات العامة سيكون على الأرجح “عميعاد” Amiad، وهي شركة صغيرة نسبياً بسوقية نحو 200 مليون شيكل، متخصصة في أنظمة التنقية والترشيح للمياه المحلّاة، ولديها إيرادات كبيرة من هذا المجال، ومن المتوقع أن تنمو بشكل كبير مع توسع المشاريع الإقليمية.
كما قد تستفيد شركة “ARD” (A.R.D)، الرائدة في قياس استهلاك المياه وتقليل الهدر، خاصة في دول مثل الأردن التي تعاني من تسريبات هائلة في شبكاتها. وربما تحصل شركات البنية التحتية الكبرى مثل “أشتروم” و”إلكترا” على عقود لبناء خطوط أنابيب ومحطات ضخّ وأنظمة كهرباء للمحطات الجديدة.
وتختم الصحيفة بأن خريطة القوة في الشرق الأوسط تتغير ليس بسبب الصواريخ أو الطائرات، بل بسبب الماء والطاقة، ما سيظهر تأثيراً مباشراً في الأسواق: انخفاض عوائد سندات الخزينة الإسرائيلية، وتحسن التصنيف الائتماني للدولة، ونمو الناتج المحلي الإجمالي وربما صعود سوق الأسهم.




