التوتر بين الصين واليابان يضع التزامات واشنطن تجاه طوكيو على المحك

تصاعدت حدة التوتر بين الصين واليابان إثر تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي عن تايوان، حيث وُصفت من جانب بكين بأنها تجاوزت خطها الأحمر وأدت إلى أزمة دبلوماسية تمثل اختباراً لالتزام واشنطن بدعم طوكيو.
قال وزير الخارجية الصيني وانغ يي في بيان إن من الصادم أن ترسل اليابان إشارة علنية خاطئة بشأن تايوان، وإن طوكيو تجاوزت خطاً أحمر لا يجوز المساس به، واتهم تاكايتشي بالتدخل العسكري في شأن تايوان بعد إشاراتها في 7 نوفمبر التي ألمحت إلى احتمال تدخل عسكري ياباني إذا هاجمت الصين الجزيرة.
واتسعت تداعيات الخلاف لتشمل العلاقات التجارية والثقافية، إذ أثارت الصين القضية مع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش وتعهَّدت بالدفاع عن نفسها في حال استمرار الأزمة.
تايوان في قلب الأزمة
تؤكد بكين أن تايوان جزء من أراضيها وتقول إنها تسعى لإعادة التوحيد سلمياً، لكنها لا تستبعد استخدام كل الوسائل اللازمة لتحقيق ذلك.
وأوضح وانغ يي أن الصين يجب أن «ترد بحزم» على خطوة اليابان، ليس فقط لحماية سيادتها وأراضيها، بل للدفاع عن الإنجازات التي تحققت بعد الحرب العالمية الثانية.
وحذر من أن استمرار طوكيو في «المسار الخاطئ» قد يفتح باباً أمام الدول والشعوب لإعادة النظر في جرائم اليابان ومواجهة عودة الطموحات العسكرية لديها، وهو تحذير يندرج ضمن سياق ذكرى مرور ثمانين عاماً على نهاية الحرب العالمية الثانية.
تمثل الأزمة اختباراً حاسماً لمدى التزام الولايات المتحدة بدعم حليفتها اليابان، ولهل ستشارك الإدارة الأميركية في أي تصعيد محتمل، مع تزايد الشكوك في انخراط واشنطن في النزاع الإقليمي، خاصة في ظل سياسات «أميركا أولاً» الحالية.
وقال السفير الأميركي لدى اليابان جورج غلاس إن طوكيو تحظى بدعم واشنطن، وإن الدبلوماسيين يراقبون التطورات عن كثب في ظل شعور الصين بقوة أكبر بعد تقلص حجم خلافهما التجاري، وفق تقارير الصحف الاقتصادية.
ورغم ذلك، أشارت تقارير إلى أن الصين أشد جرأة عسكرياً في ظل تزايد قدراتها الاقتصادية والعسكرية، وهو ما يعزز قناعة بكين بأن التصعيد المحسوب قد يندلع أسرع مما يتوقعه بعض المحللين، بحسب تحليلات اقتصادية أجريت في إطار تغطية المسألة.
وفي أواخر أكتوبر وخلال منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ APEC في كوريا الجنوبية، التقى شي جينبينغ رئيسة الوزراء اليابانية وتحدث عن خطوط بلاده الحمراء بشأن تايوان، قبل أن تلتقي تاكايتشي بممثل تايوان في المنتدى في اليوم التالي مما أثار احتجاجاً صينياً فورياً.
ثم أدلت تاكايتشي بتصريحات في البرلمان أشارت فيها إلى أن الهجوم الصيني على تايوان يمكن أن يفسر كتهديد وجودي لليابان، ما يسمح لجيشها بالتدخل العسكري وفقاً للدستور، وهو ما وصفه كثيرون بأنه أقوى تصريحات يابانية حتى الآن من شأنها أن تغير مفهوم الغموض الاستراتيجي المتبع بشأن تايوان.
وصرّحت المتحدثة باسم الخارجية اليابانية ماكي كوباياشي بأن مزاعم الصين بتغيير موقف اليابان من تايوان لا أساس لها، ودعت إلى حوار مستمر لوقف تدهور العلاقات، مكرّرة تمسك اليابان بالحوار مع بكين رغم التوتر.
وتبرز الخلافات في فهم تصريحات تاكايتشي، فبينما ترى الصين أن هذه التصريحات تربط بشكل علني أزمة تايوان بإمكانية نشر قوات يابانية وتدخل عسكري، تؤكد طوكيو أنها مجرد سؤال افتراضي لا يغير سياستها، وأنها ملتزمة بالحوار مع الصين.
تخشى طوكيو من أن تكون العواقب العملية لهذا الخلاف على التجارة والاتصالات، كتحذيرات السفر وإلغاء الاجتماعات الوزارية، بداية لتجميد أوسع في العلاقات مع شركاء اقتصاديين مهمين، في حين تراجع الأسهم اليابانية يعكس مخاوف المستثمرين من انعكاسات التصعيد.
ويؤكد الطرفان تمسكهما بمواقعهما، فالمؤيدون لتاكايتشي يرون أن أي تدخل عسكري صيني تجاه تايوان قد يمثل تهديداً وجودياً لليابان بسبب قرب الجزيرة من أرضها، بينما ترى الصين أن تصريحاتها تدخل في شؤونها الداخلية وتستدعي موقفاً حازماً من عدوها القديم، في إطار عام يشارك فيه ذكرى تاريخية حساسة في الصين.
وتشير تحليلات إلى أن قوة الصين وتوسع قدراتها العسكرية والاقتصادية يرفعان احتمال تصعيد سريع، محذرة من أن تاريخ الجوار المضطرب قد يدفع إلى اشتعال سريع في الأوضاع بسبب افتقار الثقة بين الطرفين.




