الدنمارك.. حزب رئيسة الوزراء يقترب من تكبّد خسارة تاريخية في انتخابات كوبنهاغن

تشير استطلاعات الرأي إلى احتمال حدوث زلزال سياسي في الانتخابات المحلية العامة الثلاثاء، مع توقع خسارة حزب الديمقراطيين الاشتراكيين لقيادة مدن تاريخياً كبرى، بما في ذلك كوبنهاجن، لأول مرة منذ قرون وفقاً لبوليتيكو.
وتتوقع الاستطلاعات هزيمة قاسية للحزب في المدن التي شكلت قاعدة نفوذه، وتُعد الإهانة الأكبر ربما في العاصمة كوبنهاجن حيث يستعد الديمقراطيون الاشتراكيون لفقدان سيطرتهم على مجلس المدينة للمرة الأولى منذ 122 عاماً.
أسباب الاحتقان وتوزيعة القوى السياسية المحتملة
يقود غضب ارتفاع تكاليف السكن في المناطق الحضرية هذا التمرد، فبعد عقود من تحويل كوبنهاجن من ميناء إلى مدينة ملائمة للعيش ومرتفعة التكلفة، دفعت الازدهار الحزب ثمناً من حيث الأسعار التي أغرت كثيرين من العائلات العاملة ومَن تبقى في المدينة بتحمل أعباء أكبر.
وأظهر استطلاع ميجافون لصالح قناة TV2 في وقت سابق من الشهر أن أحزاب اليسار الأخضر SF والتحالف الأحمر-الأخضر Enhedslisten وحزب البديل Alternativet قد تتمكن من تشكيل أغلبية مائلة لليسار بدون دعم الديمقراطيين الاشتراكيين.
وإن صدقت هذه التوقعات، فستكون سيسي ماري ويلينج من حزب اليسار الأخضر من أبرز المرشحين لتولي منصب عمدة كوبنهاجن المقبل.
أما مرشحة الديمقراطيين الاشتراكيين، بيرنيله روزنكرانتس-تايل، وهي وزيرة سابقة للشؤون الاجتماعية والإسكان، فهي صديقة لفريدريكسن وتملك معها منزلاً صيفياً.
وقالت كارولين ليندجورد، مرشحة حزب البديل لمنصب العمدة: “لقد انحرف الديمقراطيون الاشتراكيون نحو اليمين سياسياً، وأصبحوا حزباً شعبوياً يمينياً في قضايا الاندماج ودعم العاطلين عن العمل والبيئة، وهو ما دفع كثيرين في كوبنهاجن إلى شعور بأن الحزب خذل المدينة.”
أزمة الإسكان والانعكاسات على الصورة الحزبية
لكن أزمة السكن ليست القصة الوحيدة، إذ أصبحت الانتخابات أيضاً استفتاءً على تحول فريدريكسن نحو الوسطية، وهي استراتيجية دفعت الحزب إلى التحالف مع أحزاب ليبرالية اقتصادياً وتبنّي موقفاً أكثر تشدداً في ملف الهجرة.
وقالت بوليتيكو إن هذه الخطوات ربما تكون قد عززت دعم الحزب في المدن الصغيرة، لكنها في كوبنهاجن كلفته وجوده الكلي.
وأضافت المجلة أن قدرة فريدريكسن على البقاء في السلطة منذ 2019 تُعد قصة نجاح لحزب الاشتراكيين الأوروبيين المحاصر، لكن تآكل هيمنة الديمقراطيين الاشتراكيين في العاصمة يعزز أصوات العودة إلى جذوره العمالية والتركيز على قضايا مثل السكن الميسر والعدالة الاقتصادية.
أخطاء القيادة وتداعياتها
فقدان القاعدة الانتخابية ظهر جزئياً بسبب مشكلات مرتبطة بقادة الحزب محلياً، ففي عام 2020 استقال العمدة فرانك ينسن بعد ظهور اتهامات بالتحرش، وخلفته Sophie Hystorp Andersen التي نُقلت لاحقاً إلى منصب وزاري عام 2023 في خطوة يُعتقد أنها جاءت نتيجة ضعف ثقة الحزب في فرص إعادة انتخابها.
وتم استقدام السياسية المخضرمة بيرنيله روزنكرانتس-تايل لإعادة إحياء حظوظ الحزب في العاصمة، لكن حملتها زادت من شعور الناخبين بانفصال الحزب عنهم، وبنتهاجها كوزيرة إسكان بين 2022 و2024 واجهت صعوبات في التخلص من إرث عجزها عن معالجة أزمة السكن المتفاقمة.
تحذير لليسار الأوروبي وتوقعات المستقبل
تعد الدنمارك وإسبانيا الدولتين الوحيدتين من بين الدول الكبرى في الاتحاد الأوروبي اللتين لا تزالان تحكمهما أحزاب من الحزب الاشتراكي الأوروبي، وتختلف النهوج القيادية في البلدين، ففي حين تبنت فريدريكسن نهجاً وسطياً ورفعت الإنفاق الدفاعي وشدت القيود على الهجرة، اتّبع رئيس الوزراء الإسباني Pedro Sánchez مساراً أقرب إلى اليسار التطوعي، وتبنّى الإنفاق الاجتماعي وتسهيل قبول المهاجرين.
ومن المقرر أن تجري الدنمارك انتخابات عامة في السنة المقبلة، وقد تزيد خسائر الحزب في كوبنهاجن ومدن أخرى من الضغوط على فريدريكسن لتغيير مسارها السياسي، وهو ما يفتح باباً أمام جدل حول مستقبل التيار اليميني-الوسط في الحزب والدور الذي قد يلعبه في إعادة تشكيل العدوالي والاقتصادية الاجتماعية في الدنمارك.




