اخبار سياسية

المحبوب عبد السلام: الترابي تفاجأ بضلوع نائبه في محاولة اغتيال مبارك (1-3)

تحدث هذه الأحداث فقط في الروايات المثيرة. استدعى زعيم ديني ضابطاً مغموراً، واستقبله للمرة الأولى قبل يومين من موعد الانقلاب، ونصّبه رئيساً بعبارة غير مسبوقة: “تذهب أنت إلى القصر رئيساً، وأذهب أنا إلى السجن حبيساً”. وهذا ما حدث في 30 يونيو 1989. ذهب الضابط عمر حسن البشير إلى قصر الرئاسة، واقتاد الأمن الدكتور حسن الترابي إلى سجن كوبر الشهير مع سائر الزعماء السياسيين.

كان الهدف من الخدعة إخفاء الطابع الإسلامي للانقلاب كيلا تتسارع الدول المحيطة إلى محاصرته. وانطلت الخدعة على استخبارات الدول المجاورة، وبينها مصر، فاعتقدت أن البشير استولى على السلطة على رأس مجموعة من الضباط القوميين. اعترفت القاهرة بالنظام الجديد، وشجعت دولاً أخرى على الاقتداء بها.

هذا يحدث فقط في الروايات المثيرة. نزل في مطار الخرطوم شاب بجواز سفره يحمل اسم عبدالله بركات، قادماً من عمّان. ذات يوم سيقرع الشاب باب مكتب الترابي، لكنه سيُرفض استقباله. فيما بعد سيكشف الأمن السوداني أن الزائر “هدية مسمومة”، على قول الترابي، فهو كارلوس الفنزويلي الشهير. يرى بعضهم أنه مناضل أممي، ويراه آخرون إرهابياً شهيراً. إنه من قاد عملية خطف وزراء “أوبك” في فيينا عام 1975 بتنفيذ تعليمات مهندس الخطف الفلسطيني الدكتور وديع حدَّاد.

وذات ليلة، وبعد موافقة الترابي والبشير، سيحضر رجال المخابرات الفرنسية إلى الخرطوم. أفاق كارلوس من المهدئات في الطائرة التي نقله إلى فرنسا، حيث لا يزال يعاقب بالسجن المؤبد.

كان نظام البشير كمن يمسك بالقنابل. استضاف أيضاً في النصف الأول من التسعينات شاباً شائكاً اسمه أسامة بن لادن، وكان يبحث بعد أفغانستان عن ملاذ يُتيح له التدريب والإعداد. جاءت الرعاية تحت شعار الاستثمار والإغاثة، فتصاعدت الضغوط ولم يكن أمام بن لادن خيار إلا المغادرة.

هذا يحدث فقط في الروايات المثيرة. اجتماع لقيادة الجبهة الإسلامية بحضور أركانها والشرائح الأمنية، بمناسبة تعترضه محاولة اغتيال للرئيس حسني مبارك في أديس أبابا. فاجأ علي عثمان طه، نائب الترابي، الحاضرين باعتراف بأن للأجهزة السودانية علاقة بمحاولة الاغتيال، ففهم الحاضرون أنه كان من رعاة المحاولة. لا الشيخ كان على علم مسبق، ولا الرئيس.

بعد المحاولة، طُرحت فكرة الإجهاز على المتورطين الذين عادوا من العاصمة الإثيوبية في محاولة لقطع أي خيط يمكن أن يساعد في تجريم النظام السوداني. عارض الترابي عملية التصفية، فبانت نذُر الانقسام بينه وبين البشير.

سيتكرس الطلاق لاحقاً فيما عُرف بـ”المفاصلة” بين الإسلاميين. السلطة وليمة لا تتسع لاثنين. لن يتردد البشير في أن يدفع إلى السجن الرجل الذي دفعه إلى القصر. ولن يتردد الترابي في تأييد تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية. ذاق الترابي خيانة تلامذته، ومن عادة التلامذة أن يخونوا.

بوساطة من الترابي، وافق أسامة بن لادن على استقبال مسؤول في مخابرات صدام حسين يُدعى فاروق حجازي. لم يسفر اللقاء عن تعاون، لكنه استُخدم كذريعة أوردها جورج بوش الابن في 2003 لتبرير غزو العراق. التقى حجازي أيضاً كبار مسؤولي الأمن الذين زاروا بغداد لاحقاً، واستُقبلوا بحفاوة، وظهر أن علي عثمان طه كان من أبرز المعجبين بصدام حسين.

يتدفق الدم السوداني حالياً كما تتدفق مياه النيل. الجثث المتناثرة في شوارع مدينة الفاشر تكاد تنسي العالم جثث غزة. يقسو القساة بالنار على الكراهية العرقية والجهوية. صناعة الجثث سهلة من صناعة التسوية والدولة والمؤسسات.

منذ استقلاله والسودان مأساة مترامية الأطراف. ولأن الحاضر ابن الماضي القريب كنت أبحث عن شاهد يعرف اللعبة واللاعبين، فالتقيت وتحادثت مع السياسي والباحث الدكتور المحبوب عبد السلام. طوال عقد كان مديراً لمكتب الترابي، وعلى امتداد عقد أيضاً كتب بعض خطب البشير. استوقفتني في السنوات الأخيرة خلاصات جريئة منها أن الحركة الإسلامية في السودان استنفدت أغراضها، وأنها شريكة مع النخب الأخرى في ما وصل إليه البلد، وأنها أخطأت في التعامل مع الآخر واتبعت طريق الانقلاب وبيوت الأشباح، وساهمت في دفع الجنوب إلى خارج الخريطة السودانية. لا يتردد المحبوب في النظر إلى أخطاء الترابي نفسه وولعه بممارسة السلطة. وهذه الحلقات فتحت صفحة سودانية جديدة في مساره.

كان المحبوب عبد السلام طالباً في السنة الأولى بالجامعة حين استوقفته أفكار الترابي. بدا الترابي في تلك الأيام مختلفاً، يتحرك من خارج الانقسام التقليدي في المجتمع السوداني، كما أنه رجل يعرف الغرب ودرس في جامعاته باريس ولندن. وفي 1990 تولى المحبوب إدارة مكتب الترابي حتى نهاية العقد.

يقول المحبوب: “كثيراً ما يطرح علي سؤال: هل أنت تلميذ للترابي؟” فأجبتهم بأنني تلميذ له وتلميذ نجيب، لكنني تخرجت من مدرسته وصرت شخصاً مستقلاً. اكتشفت أخطاء الترابي وتولد لدي حس نقدي تجاه تجربته ربما بدأ في 2011 مع ثورات الربيع العربي، وبالذات الثورة المصرية.

من هو المحبوب عبد السلام

ولد في 1958 في مدينة أم درمان.

تخرج عام 1981 في قسم الفلسفة بكلية الآداب في جامعة القاهرة.

درس علم الاجتماع في جامعة باريس 3 وتخصص في الدراسات الإسلامية في جامعة لندن.

تولى إدارة مكتب الدكتور حسن الترابي نحو عشر سنوات.

كان أحد كتّاب خطابات الرئيس السوداني السابق عمر البشير.

آخر لقاء له مع الترابي كان في الأسبوع الأخير من فبراير 2017 أي قبل وفاة الترابي بنحو أسبوعين.

آخر لقاء له مع البشير كان في منزل وزير الإعلام الأسبق علي شمو في يناير 2017.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى