فرنسا.. لوكورنو يؤجّل خطة إصلاح التقاعد لتجنب سقوط حكومته في ظل انقسامات حادة

أعلن رئيس الوزراء الفرنسي سيباستيان لوكورنو أمام الجمعية الوطنية عزمه تعليق خطة رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عامًا حتى الانتخابات الرئاسية، وهي إحدى أبرز سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون، ولن يكون هناك أي رفع لسن التقاعد من الآن وحتى يناير 2028.
وأوضح أن التأجيل سيُعوض بتخفيضات في الإنفاق العام وليس عبر زيادة العجز، مقدرًا الكلفة بنحو 400 مليون يورو في 2026 و1.8 مليار يورو في 2027.
وإذا نفذت هذه الخطة، فسيعني ذلك أن ماكرون لن ينجح في رفع سن التقاعد خلال ولايتين رئاسيتين، إذ من المقرر إجراء الانتخابات الرئاسية عام 2027 بعد انتهاء الولاية الثانية.
تصعيد سياسي وتداعياته
جاءت هذه الخطوة في أعقاب جلسة حاسمة في البرلمان كشفت هشاشة حكومته، حيث أعلن الحزب الاشتراكي أنه لن ينضم إلى محاولات حجب الثقة.
وأكد زعيم الحزب الاشتراكي بوريس فالود في الجمعية الوطنية أن الحزب لا يلتزم صراحةً بإنقاذ الحكومة، ولكنه أشار إلى قدرته على إسقاطها عند الضرورة.
وفي الكواليس اعترف مسؤولو الحزب بأن الخوف من انتخابات تشريعية مبكرة كان عاملًا رئيسيًا وراء قرارهم.
في المقابل، هاجم رئيس التجمع الوطني اليميني المتطرف جوردان بارديلا الحزب الاشتراكي والجمهوريين، متهماً إياهم بأنهم أصبحوا “نادي منقذي إيمانويل ماكرون”.
وقال بارديلا: “في الجمعية الوطنية، من الجمهوريين إلى الحزب الاشتراكي، يتناوب أعضاء نادي منقذي ماكرون على المنصة”.
وأضاف: “القاسم المشترك الوحيد لهذه الأغلبية العشوائية هو الخوف من صناديق الاقتراع والخوف من الشعب”.
ومن جهة أخرى، اعتبرت زعيمة الحزب مارين لوبان أن الحزب الاشتراكي “باع نفسه لماكرون” بينما سلم الجمهوريون أنفسهم له.
وكان بارديلا قد هاجم الاشتراكيين سابقاً متهماً إياهم بالتلاعب في كواليس مقر رئاسة الوزراء من أجل المساومة في ملف إصلاح التقاعد وعدم التصويت على مذكرة حجب الثقة، قائلاً: “هذه لحظة الحقيقة”.
وفي وقت سابق من اليوم نفسه، حذر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قادة الأحزاب من أن التصويت بحجب الثقة سيؤدي إلى انتخابات تشريعية مبكرة، من المتوقع أن يحقق فيها اليمين المتطرف نتائج قوية.
وأكّد لوكورنو التخلي عن استخدام المادة 49.3 من الدستور، وهي المادة التي تتيح إقرار القوانين دون تصويت برلماني، وقال: “إنها ضمانة للجمعية الوطنية بأن النقاش، ولا سيما حول الموازنة، سيستمر حتى النهاية، إلى غاية التصويت”.
وكان ماكرون قد ضغط على أحزاب المعارضة خلال اجتماع مجلس الوزراء، واصفًا مذكرات حجب الثقة بأنها “مذكرات حلّ للبرلمان”.
وقدمت أحزاب حركة فرنسا الأبية (La France insoumise) والتجمّع الوطني (Rassemblement national) بالفعل مذكرتيهما، على أن تُجرى المناقشات صباح الخميس.
وتشير لوموند إلى أن بقاء لوكورنو في منصبه ما زال مهددًا، ولا يحتاج المعارضون سوى 20 صوتًا إضافيًا لتشكيل أغلبية ضده.
وتعود جذور الأزمة الحالية إلى قرار إيمانويل ماكرون المصيري في يونيو 2024، عندما حلّ البرلمان بعد الأداء السيئ لحزبه في الانتخابات الأوروبية، فصعود اليمين المتطرف أثار غضبه فقام بمغامرة الدعوة إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
لكن هذه المغامرة انقلبت عليه، إذ خسر التكتل الوسطي الذي يتزعمه مقاعد لصالح كلا الطرفين اليمين المتطرف واليسار الراديكالي، ما ترك فرنسا أمام برلمان منقسم إلى ثلاث كتل رئيسية وحكومة عاجزة عن تمرير التشريعات الكبرى.
الاضطراب السياسي الذي أعقب ذلك ظلّ يلاحق ماكرون منذ ذلك الحين، وآثاره بدأت تمتد إلى الاقتصاد، فالدين العام الفرنسي المتضخم أسقط بالفعل رئيسي وزراء سابقين. فقد قدّم كلّ من ميشال بارنييه وفرانسوا بايرو موازنات تقشفية، لكن أُطيح بهما بسرعة من خلال تصويت بحجب الثقة.
كما أن هذه الضبابية السياسية تؤثر سلباً على ثقة قطاع الأعمال، فمع بلوغ مستويات الدين الوطني ضعف الهدف الأوروبي تقريباً، خفّضت وكالة التصنيف الائتماني فيتش تصنيف الاقتصاد الفرنسي في سبتمبر الماضي.
وكان الرئيس ماكرون كلف لوكورنو بتشكيل حكومة جديدة، في محاولة لاحتواء الأزمة السياسية وإعادة ترتيب المشهد الحكومي، غير أن هذه الخطوة قوبلت برفض وانتقادات من عدة أطياف سياسية، اعتبرتها مجرد إعادة تدوير لوجوه سابقة لا تحمل حلاً فعلياً لتحديات البلاد، خاصة في ظل تصاعد الغضب الشعبي من سياسات الحكومة، وفي مقدمتها إصلاح نظام التقاعد وإقرار الميزانية.