بيونغ يانغ ترسل رسالة إلى واشنطن عبر عرض صاروخي باليستي: لن نتخلى عن النووي

عرضت كوريا الشمالية في العاشر من أكتوبر عرضاً عسكرياً ليلياً واسع النطاق لم يقتصر على الكشف عن أحدث منظوماتها النووية الاستراتيجية، بل جاء أيضاً في ظل تصاعد التوترات الجيوسياسية في المنطقة قبيل الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى كوريا الجنوبية. وشـارك في العرض الزعيم كيم جونغ أون، الذي ألقى خطاباً وجّه فيه رسائل قوية إلى الولايات المتحدة، كما ظهرت مركبتان تحملان صاروخاً باليستياً عابراً للقارات من طراز هواسونج-20 في ساحة كيم إيل سونغ، وتحدثت الوكالة المركزية الكورية عن أن الصاروخ يمثل “أقوى منظومة سلاح نووي استراتيجي في البلاد” وقادر على استهداف أي موقع داخل الولايات المتحدة الرئيسية.
أوضح الخبير العسكري وي دونجشيو أن عرض صاروخ هواسونج-20 يؤكد تسارع خطة بيونغ يانغ لتكثيف أبحاثها وتطوير وإنتاج وسائل حمل الأسلحة النووية، وذلك بعد نجاحها في اختبار هواسونج-19 للمرة الأولى قبل عام فقط.
وفي 31 أغسطس الماضي، تفقد كيم محركاً صاروخياً عالي القدرة يعمل بالوقود الصلب، وهو أول إشارة رسمية إلى خطة بيونغ يانغ لتطوير صاروخ من الجيل التالي. وبعد نحو شهر بقليل، ظهر صاروخ هواسونج-20 في العرض العسكري. وأوضح الخبير وي دونجشيو أن الهدف من تطويره هو ضمان احتفاظ كوريا الشمالية بقدرتها على تنفيذ ضربة نووية انتقامية في حال تعرضها لهجوم من الولايات المتحدة، ما يحقق ما تسميه بـ”الردع النووي الحقيقي”.
توقيت الرسالة وتأثيرها الدولي
قال يانج شييو، الدبلوماسي الصيني السابق، إن ظهور صاروخ هواسونج-20 يحمل أهمية استراتيجية، إذ يأتي قبل أسبوعين فقط من الزيارة المرتقبة للرئيس الأميركي ترامب إلى كوريا الجنوبية ومشاركته في اجتماع قادة آسيا-المحيط الهادئ (أبيك) في ماليزيا، حيث يخطط ترامب لحضور قمة آسيان ثم زيارة اليابان وأخيراً كوريا الجنوبية في أواخر الشهر نفسه.
وبحسب البيت الأبيض، سيشارك ترامب في قمة آسيان في ماليزيا يومي 26 و27 أكتوبر ثم يجري زيارة إلى اليابان لمدة ثلاثة أيام قبل أن يصل إلى كوريا الجنوبية في التاسع والعشرين من أكتوبر.
الموقف النووي لكوريا الشمالية
تؤكد كوريا الشمالية موقفها الثابت بشأن السلاح النووي، ففي عام 2022 أعلنت نفسها دولة نووية وتعهدت بأن لا تتخلى عن أسلحتها، لكنها قالت إنها مستعدة لمناقشة “التعايش السلمي” مع الولايات المتحدة إذا تخلت واشنطن عن سعيها لنزع السلاح النووي. كما يعد هذا العرض الأول منذ سبتمبر 2023، وهو الثامن ليلية عروض منذ الذكرى الخامسة والسبعين لتأسيس الحزب الحاكم عام 2020.
وأشار يانج شييو إلى أن العروض الليلية خيار تكتيكي لأنها تبرز المظهر البصري للمعدات العسكرية كالصواريخ والدبابات، مما يعزز تأثيرها الدعائي ويصعب على أجهزة الاستخبارات متابعتها عبر الأقمار الاصطناعية.
وفي مقابلة صحفية عام 2022، قال تاك هيون-مين، السكرتير السابق للبروتوكول في مكتب رئاسة كوريا الجنوبية، إنه أبلغ هيون سونج-وول (رئيسة فرقة سامجيون الموسيقية سابقاً وتعمل حالياً في الدعاية)، أن إقامة العروض ليلاً تمنحها تأثيراً درامياً أكبر.
موقف كوريا الجنوبية وتجميد لا إلغاء
وذكرت تقارير بأن الرئيس الكوري الجنوبي لي جاي ميونج قال إنه سيدعم اتفاقاً بين ترامب وكيم يقضي بتجميد إنتاج الأسلحة النووية الكورية الشمالية بدلاً من إلغائه، ووصف ذلك بأنه إجراء طارئ واقعي وممكن. وتقدر كوريا الشمالية إنتاجها النووي بنحو 15 إلى 20 سلاحاً سنوياً.
وفي 2 أكتوبر، وخلال مكالمة هاتفية بين وزيري خارجية الصين وكوريا الجنوبية، أعربت سول عن أملها في أن تسهم علاقات الصين مع بيونغ يانغ في دفع جهود نزع السلاح النووي، غير أن كوريا الشمالية وصفت سول بأنها دولة منفصلة معادية وأعلنت أنها لم تعد مهتمة بإعادة توحيد شبه الجزيرة وتهمة الرئيس الكوري الجنوبي السابق يون سوك يول بتبني نهج استفزازي تجاهها.
دبلوماسية داخلية وتفاعل إقليمي
إلى جانب العرض العسكري، شكلت احتفالات الذكرى الثمانين لتأسيس حزب العمال أول ظهور دبلوماسي داخلي رفيع المستوى لزعيمها بمشاركة كبار المسؤولين من الصين وروسيا وفيتنام. وشارك في الاحتفالات رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ، والأمين العام للحزب الشيوعي الفيتنامي تو لام، ونائب رئيس مجلس الأمن الروسي والرئيس الروسي السابق ديمتري ميدفيديف، في إشارة إلى تعزيز الانخراط مع شركائها الإقليميين وسط بيئة جيوسياسية معقدة. وفي إطار التواصل الصيني–الكوري الشمالي رفيع المستوى، أرسل الرئيس الصيني شي جينبينغ تهنئة إلى كيم، وأكد رئيس الوزراء الصيني لي تشيانغ خلال زيارته بيونغ يانغ 9–11 أكتوبر استعداده لتعزيز “التواصل الاستراتيجي” بين الجانبين. كما حضر تساي تشي حفلاً نظمه سفير كوريا الشمالية في بكين، وأعلنت هيئة البريد الصينية عن استئناف تشغيل خط بري بين دانونغ وسينويجو في 25 سبتمبر. واعتبر يانج شييو أن كيم يسعى لتوسيع حضوره الدبلوماسي متعدد الأطراف، وهو أول ظهور له على الساحة الدولية منذ توليه السلطة عام 2012 خلال زيارته إلى الصين في سبتمبر لإحياء ذكرى الانتصار على اليابان، وهو ما يعكس تركيز بيونغ يانغ على الانفتاح الدبلوماسي إلى جانب تعزيز الردع العسكري.
وختم قائلاً إن التركيز المزدوج على القدرات العسكرية والانخراط الدبلوماسي، إلى جانب الزيارة المرتقبة لترامب إلى كوريا الجنوبية، يجعل المجتمع الدولي يراقب عن كثب تطورات التوتر في شبه الجزيرة ويبحث عن أي اختراق في المحادثات.