اقتصاد

مليارات في طريقها إلى سوريا: حقيقة أم وهم؟

يطرح إعلان الهيئة عن 12 مشروعاً بقيمة 14 مليار دولار وتسريبات عن استثمارات بلغت أرقاماً أخرى نزاعاً حاداً حول مدى واقعية هذه المبالغ وملاءمتها لواقع سوريا الأمني والاقتصادي والقانوني.

الانقسام في التقييم

يرى فريق من الاقتصاديين أن الإعلان يعكس مساراً حقيقياً لإعادة الإعمار وأن دعماً عربياً ودولياً سيبقي الباب مفتوحاً أمام دخول رؤوس الأموال، بينما يعتبر فريق آخر أن هذه الأرقام مجرد إعلانات نوايا سياسية واقتصادية لم تُترجم بعد إلى تنفيذ ملموس.

أشار المحلل حسن ديب إلى أن جزءاً من الاستثمارات، لا سيما من السعودية وقطر، بدأت عملياً بتهيئة مواقع العمل وتجهيز البنية التحتية، فيما بقيت مشاريع أخرى متعثرة بسبب عقبات قانونية وإدارية وأوضاع إقليمية غير محسومة.

مخاوف قانونية ومالية

أوضح محافظ مصرف سورية المركزي أن المصرف يعمل على ملف الأرصدة المجمدة وجرد الحسابات الخارجية ومراجعتها قانونياً، ويطور أنظمة دفع وطنية تمهيداً للانفتاح على القطاع الخاص، مع الابتعاد عن اللجوء إلى القروض التجارية العالمية.

ذكر الخبير زياد البني أن أصولاً سورية مجمدة في بنوك سويسرية وبريطانية تقدر بنحو 112 مليون دولار و205 ملايين دولار على التوالي، وأن الحكومة تسعى لاستعادة ما يصل إلى 400 مليون دولار منها لدعم الإصلاحات الاقتصادية.

مستوى تنفيذ الاستثمارات

أكد بعض الخبراء أن عدداً من الشركات تواجدت فعلياً في مواقع المشاريع أو شرعت باستقطاب كفاءات سورية وتهيئة خطوط إنتاج كمرحلة أولى، بينما تظل استثمارات كبيرة أخرى في مجال النوايا لا التنفيذ بسبب مخاطر التشغيل والإشكالات الإدارية واللوجستية.

أشار خبير لم يرد اسمه إلى أن الاضطرابات الأمنية في مناطق مثل الساحل والسويداء وشمال شرق البلاد، وكذلك عمليات قمع وأسئلة حولها، أعادت مخاوف المستثمرين وأدّت إلى تروٍّ واضح قبل أي ضخ أموال كبير.

ادعاءات عن شركات وهمية وفاقدة للشفافية

تكشفت حالات يزعم فيها التعاقد مع شركات لا وجود لها أو شركات مفلسة؛ من الأمثلة المذكورة شركة إيطالية ورد اسمها في عقود لبناء أبراج بدمشق تأسست عام 2022 وعُرض أنها تملك مشروعاً بقيمة مليارين دولار لكنها حسب سجلات حقيقية تضم موظفاً واحداً ووضعها المالي متردٍّ، كما ذُكرت شركة صينية مُشار إليها في اتفاق يمنحها 850 ألف متر مربع في حمص وبيّنت التحقيقات عدم وجودها.

مشاريع حقيقية ومحدودة

لم ينفِ خبراء وجود مشاريع حقيقية لكنها محدودة نسبياً من حيث رأس المال، ومن أمثلتها مشروع إعادة تأهيل قطاع الكهرباء بتمويل دولي بقيمة نحو 146 مليون دولار ومشروع معمل أسمنت بقيمة قرابة 100 مليون دولار تم تدشينه بمشاركة سعودية.

حاجة إلى إصلاح مؤسسي وخصخصة مدروسة

طالب المحلل أيمن الدبس ببرنامج إصلاحي لإعادة هيكلة القطاع العام وملاءمته لمعايير دولية قبل خصخصته، مع تشكيل فرق قانونية واقتصادية وتقنية لتحديد الأصول القابلة للخصخصة وتلك التي يجب تطويرها واستثمارها بالشراكة مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي.

يلخّص الخطاب السائد لدى المراقبين أن الإعلان عن مليارات كاستثمارات ممكن أن يَحفِز الثقة إذا تلاها تنفيذ شفاف وممنهج، أما إذا استمر الأمر في شكل مذكرات تفاهم وإعلانات نوايا مع عقود مع أطراف غير شفافة فسيزيد ذلك من أزمة الثقة بين الدولة والمواطن والمستثمر.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى