اخبار سياسية

بعد 47 عاماً.. هل يكشف جثمان في مشرحة عن لغز اختفاء موسى الصدر؟

فحصت هيئة الإذاعة البريطانية BBC صورة رقمية لجثة قالت صحافي يُدعى قاسم حمادة إنها تخص موسى الصدر، الإمام الشيعي اللبناني-الإيراني، الذي اختفاءه لا يزال يثير جدلاً منذ عام 1978، وتُطرح حوله نظريات مختلفة عن مكانه ومصيره، إما أنه قتل أو أنه ما يزال حياً ومحتجزاً في ليبيا.

من هو موسى الصدر؟

نُسب إلى موسى الصدر لقب “الإمام” تقديراً لعمله ودعمه للطائفة الشيعيّة، وهو تكريم غير اعتيادي لرجل دين وهو على قيد الحياة. وبإثر اختفائه أضيف إلى مكانته رمزُ قوّة معنوية يذكّر بمصير الإمام الثاني عشر المنتظر لدى الشيعة الإثني عشرية الذي يعتقد أنه لم يمت وسيعود ليملك العدل.

أسَّس الصدر حركة المحرومين في عام 1974 كمنظمة اجتماعية وسياسية تدعو إلى التمثيل النسبي للشيعة والتحرر الاجتماعي والاقتصادي للفقراء، وهو يسعى لتجنّب الطائفية حتى أنه ألقى خطباً في الكنائس أحياناً.

وفي 25 أغسطس 1978 سافر إلى ليبيا بدعوة من القائد معمر القذافي، وذلك بينما اندلعت في لبنان حرب أهلية قبلها بثلاث سنوات، وشارك المقاتلون الفلسطينيون في النزاع الطائفي في الجنوب اللبناني حيث يتركّز أتباعه بصورة كبيرة. وفي 31 أغسطس، وبعد ستة أيام من الانتظار للقائه، شوِهد وهو يُقاد بعيداً عن فندق في طرابلس في سيارة ليبية حكومية، ثم اختفى أثره، وتردد لاحقاً أن أجهزة القذافي ادّعت أنه غادر إلى روما، لكن التحقيقات أظهرت التضليل في هذا الادعاء.

جثمان الصدر والتقنيات الحديثة

لم تكن ليبيا تسمح بوجود تغطية صحافية مستقلة زمن القذافي، لكن في 2011 حين علَت نيران الثورة الليبية فُتحت نافذة صغيرة لكشف الحقيقة. وجدت هناك 17 جثماناً محفوظاً في غرفة تبريد واحدة، أحدها لطفل، والباقون لرجال بالغين، وقيل إن الجثث محفوظة منذ نحو ثلاثة عقود بما يتوافق مع خط زمني للصدر. قال الصحافي قاسم حمادة إن الوجه والجلد والشعر ما زالوا يشبهون الصدر رغم مرور الزمن، وإن الشخص بدا كأنه أُعدم.

أخذت BBC الصورة التي التقطها حمادة إلى فريق بجامعة برادفورد كان يعمل منذ عشرين عاماً على خوارزمية فريدة تُسمّى “التعرّف العميق على الوجه”، وهي تقنية تقيس تشابه الوجوه بين الصور وتُقدِّم تقييماً عاماً من 100، وكلما ارتفع الرقم زاد احتمال أن يكون الشخص نفسه أو من أقاربه. أُعطي تقييم عام للصورة، ثم قُورنت الصورة المشرحة بصورة الصدر في مراحل حياته الأربعة، فكان الحكم أن النتيجة في نطاق الستينيات، وهو ما يوحي باحتمال مرتفع أن تكون الجثة للصدر.

لتقعيد النتيجة، نفّذ أوغيل الخوارزمية نفسها لمقارنة الصورة مع ستة من أفراد عائلة الصدر، ثم مع 100 صورة عشوائية لرجال من الشرق الأوسط بدرجات شبه متفاوتة. حقّقت صور العائلة نتائج أفضل من الصور العشوائية، لكن أفضل نتيجة بقيت هي المطابقة بين صورة المشرحة وصور الصدر في حياته. كما أظهرت النتيجة وجود احتمال قوي بأن قاسم قد رأى جثمان الصدر، مع الإشارة إلى أن الجمجمة كانت متضررة مما يوحي بأن الصدر قد قُتل على الأرجح.

روايات حول اختفاء الصدر

في مارس 2023، وبعد نحو أربعة أعوام من العثور على الصورة لأول مرة، نجح فريق BBC في السفر إلى ليبيا للقاء شهود محتملين والبحث عن الجثة. في اليوم الثاني من المهمة في طرابلس، كان الفريق يوشك على الوصول إلى المشرحة السرية عندما لم يتذكر قاسم موقعها بدقة إلا أنه قال إنه يوافق أن المكان هو المبنى الذي استضاف المشرحة.

طلبت BBC التصوير داخل المشرحة فُرفض التصريح، وفي اليوم التالي اقتُيد فريق التصوير من قبل مجموعة من رجال المخابرات الليبية واعتُبروا لاحقاً جزءاً من سجن تديره المخابرات لمدة ستة أيام بتهمة التجسس، ثم أُفرج عنهم تحت ضغط من الحكومة البريطانية وشبكة BBC. ذكرت BBC أن الحبس كان مؤلماً لأنها وجدت نفسها جزءاً من القصة، وأن ليبيا كانت مقسمة بين إدارتين وميليشيات متصارعة، وأن المخابرات الليبية يسيطر عليها موالون سابقون للقذافي لا يريدون أن تحقق الشبكة في اختفاء الصدر.

إيران أم ليبيا؟

يرى خبير إيران، أندرو كوبر، أن القذافي تأثر بالمتشدّدين الإيرانيين الذين أربكتهم احتمالية أن الصدر قد يعطل أهدافهم في الثورة الإيرانية، ويشير إلى أن الصدر كتب إلى الشاه قبل اختفائه عارضاً تقديم مساعدة في إصلاح سياسي يستميل المعارضين الأكثر اعتدالاً، وفقاً لمقابلة مع برز ثابتي، مدير جهاز مكافحة التجسس في مخابرات الشاه سابقاً. يرى كوبر أن هذه الرسالة قد تكون سُرّبت إلى المتشددين الإيرانيين، لكن الإيرانيين ليسوا الوحيدين الذين قد يرغبون في موت الصدر.

كان الصدر يدعم الثوار الإيرانيين الذين سعى هؤلاء لإسقاط حكم الشاه، غير أن رؤيته المعتدلة اختلفت مع أفكار المتشددين، بينما يذكر سفير لبنان السابق لدى إيران وجود رسالة يزعم أنها دعت إلى اجتماع مع الشاه مقرراً في 7 سبتمبر 1978. كما كان القذافي يقدّم دعماً عسكرياً للمقاتلين الفلسطينيين في جنوب لبنان، ونُسِبت إلى الصدر أقوال تفيد بأنه كان يحاول التوصل إلى حل مع المنظمة الفلسطينية يمكن أن يضع حداً للنزاع.

ومن جهة أخرى، يعتقد كثيرون أن الصدر مات، لكن هناك من يقولون إنه لا يزال حياً، ومن بينهم حركة أمل التي أسسها في السبعينيات وتحوّلت إلى حزب سياسي شيعي فاعل في لبنان. يؤكد رئيس حركة أمل ونائب اللبناني نبيه بري أنه ليس هناك دليل على وفاة الصدر، ولو كان حياً اليوم لبلغ 97 عاماً، لكن يبقى هناك إطار لاستبعاد الأمر نهائياً.

في عام 2011، عندما زار قاسم المشرحة السرّية، لم يكتفِ بالتقاط صورة للجثة بل أخذ أيضاً بعض بصيلات الشعر لاستخدامها في فحص DNA، وسلمها إلى مسؤولين كبار في مكتب بري للتحقق. قال القاضي حسن الشامي، أحد القضاة الذين عينتهم الحكومة للتحقيق، إن أمل قالوا إن عينة الشعر فُقدت بسبب “خطأ تقني”. وأوضحت BBC أنها قدّمت نتائج التعرف على الوجه إلى ابن الصدر، صدر الدين الصدر، الذي جلب معه مسؤولاً بارزاً من حركة أمل هو الحاج سميح هيدوس، بالإضافة إلى القاضي الشامي. وأجمعوا على عدم تصديق النتائج، إذ قال صدر الدين: من الواضح أن شكل الجثة في الصورة لا يشبه والدي، وهذا يتعارض مع معلومات لدى عائلات الصدر تعود إلى ما بعد تاريخ 2011 بأن والده ما زال حياً ومحتجزاً في سجن ليبي، لكن BBC لم تجد دليلاً يدعمه.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى