السودان يواجه تحديات وتعقيدات سياسية كبيرة أمام تشكيل الحكومة الجديدة

لا يبدو أن الطريق أمام رئيس وزراء السودان الجديد كامل إدريس، ممهداً لتشكيل حكومة جديدة. إلى جانب التحديات الاقتصادية والسياسية التي تفاقمت بسبب الحرب المستمرة منذ أبريل 2023 بين الجيش وقوات الدعم السريع، يتوقع أن يواجه الرجل تعقيدات كبيرة تحد من قدرته على إدارة ملف تشكيل الحكومة بشكل فعال.
ما إن أعلن رئيس مجلس السيادة السوداني، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، تعديل الوثيقة الدستورية وتعيين رئيس وزراء جديد، حتى بدأت التساؤلات تتزايد حول هوية الحكومة المرتقبة، وما إذا كانت ستتكون من تكنوقراط أم ستكون محكومة بالمحاصصة السياسية بين الأحزاب والحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش.
رغم نفي المصادر الرسمية وجود محاصصة، إلا أن الأمر لا يبدو سهلاً، إذ تبرز الحركات المسلحة التي وقعت على اتفاق جوبا للسلام كأحد الأطراف الرئيسية في الحكومة المقبلة، خاصة أن الاتفاق يلزم الدولة بتمثيلها بنسبة 25%، وهي النسبة التي حصلت عليها في الحكومة السابقة، مع تمسك قادة “سلام جوبا” بعدد من الوزارات مثل المالية والمعادن والشؤون الإنسانية.
كما ظهر الخلاف جلياً حين تحفظت حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية على خطوة حل الحكومة، مشيرة إلى أن الوزراء الممثلين لبري آفاق سلام جوبا، لم يكن من المفترض شملهم في هذه الخطوة. وهناك خشية من أن تؤثر هذه الخلافات على الجدول الزمني للمشاورات والإعلان عن التشكيل الحكومي، مما قد يخلق فراغاً مؤقتاً.
تم الاتفاق في بعض دوائر صنع القرار على اعتماد محاصصة جغرافية، بحيث تحصل كل ولاية من الولايات الـ18 على حقيبة وزارية وفقاً للتقسيم الإداري الناتج عن اتفاق نيفاشا للسلام عام 2005. رئيس الوزراء الجديد سيبدأ بالإعلان التدريجي عن أسماء الوزراء المتوافق عليهم، على أن يُعلن لاحقاً عن بقية الأسماء بعد استكمال المشاورات.
وفي سياق التعديلات، رفضت حركة جيش تحرير السودان بقيادة مناوي التعديلات وطالبت رسمياً بإدراج تحفظاتها، مؤكدة تمسكها بوزارة المعادن والشؤون الإنسانية التي تحتفظ بها منذ اتفاق جوبا. ومن المتوقع أن يجري رئيس الوزراء مباحثات مع الحركتين غير المتوافق عليهما، لتعزيز التفاهمات وتقليل الاحتكاكات، خاصة أن الخلافات لا تقتصر على التشكيل الوزاري فقط، بل تتعداه إلى حل الحكومة ذاتها، وهو خطوة تعتبرها بعض الأطراف مناقضة لاتفاق جوبا، خاصة المادة 8:3 من بروتوكول القضايا القومية التي تنص على حق الموقعين في الاحتفاظ بمواقعهم طوال الفترة الانتقالية.
وفي هذا الإطار، يرى المختصون أن حل مجلس الوزراء دون التوافق مع الأطراف الموقعة على اتفاقية السلام، يتعارض مع نصوص الاتفاق ومع النص الدستوري، ويؤكدون على أهمية الحفاظ على المرجعيات الأساسية التي نص عليها اتفاق جوبا. كما أن هناك إصراراً من بعض الحركات على أن يكون الجهاز التنفيذي بقيادة شخصية مدنية، وأنها تساند خطوة تعيين كامل إدريس وتعول على دعمه لتحقيق استقرار سياسي.
أما من ناحية التوازن السياسي، فيرى بعض الخبراء أن تعيين رئيس وزراء جديد يتطلب تشكيل حكومة وحدة وطنية، تعكس جميع الأطراف السياسية، خاصة أن الحكومة السابقة كانت مقتصرة على فئة محدودة، وأن عدم توسيع المظلة السياسية أدّى إلى فشلها. ويدعو هؤلاء إلى إعادة النظر في مسألة التمثيل الحكومي لضمان تحقيق التوافق المطلوب، وتفادي أسباب الفشل السابقة.
وفي تفسير اتفاق سلام جوبا، يذهب بعض الموقعين إلى أن المادة 8 تتعلق بالمفوضيات واللجان والهيئات فقط، ولا تشمل الوزارات، بينما يرى آخرون أن التوزيع الوزاري يخضع لتفاهمات ومفاوضات، وأن توزيع الحقائب قد يلعب دوراً رئيسياً في تحديد طبيعة العلاقة بين الحكومة وحركات الكفاح المسلح.
وفيما يتعلق بالسيناريوهات المحتملة، تشير مصادر إلى وجود عدة خيارات، منها الإبقاء على حقائب حركات الكفاح المسلح، أو التوصل إلى توافق يراعي مطالب جميع الأطراف، أو أن يحاول رئيس الوزراء تشكيل حكومة تجمع بين التكنوقراط والسياسيين، مع محاولة إرضاء كافة الجهات، الأمر الذي قد يتطلب مبادرات من قبل رئيس الوزراء نفسه. وهناك تصور لسيناريو فشل في تشكيل الحكومة، نتيجة تعنت بعض الأطراف، مما قد يهدد استقرار العملية السياسية، ويؤدي إلى مخاطر مستقبلية على وحدة التحالفات بين القوات المسلحة وحركات الكفاح المسلح.