مصر تستقبل رئيس وزراء الصين.. ما الذي يجعل القاهرة تعتمد على بكين؟

زيارة رئيس الوزراء الصيني إلى القاهرة ورسائل التعاون الاقتصادي والسياسية
في توقيت غير مسبوق من حيث الدقة على المستويين الإقليمي والدولي، استقبلت القاهرة رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، في زيارة تحمل في طياتها رسائل سياسية واقتصادية مهمة تعكس عمق العلاقة بين البلدين والرغبة في تعزيز التعاون المشترك.
تنامي الشراكة بين مصر والصين: أهداف واستراتيجيات
في ظل التحولات الجيوسياسية المتسارعة والتحديات الاقتصادية العالمية، تواصل مصر تعزيز علاقتها مع بكين، معلنة أن الاعتماد على الصين أصبح توجها استراتيجياً وليس خياراً هامشياً. فما الذي يدفع القاهرة لتكثيف التعاون مع ثاني أكبر اقتصاد في العالم؟
مراحل تنفيذ المشاريع الكبرى والصعوبات الحالية
- بلغ عدد الشركات الصينية العاملة في مصر حوالى 2800 شركة، باستثمارات تتجاوز 8 مليارات دولار، متخصصين في قطاعات مختلفة.
- مشاريع في العاصمة الإدارية الجديدة، من أبرزها مشروع منطقة الأعمال المركزية الذي تنفذه شركة الإنشاءات الصينية (CSCEC) بتكلفة تتجاوز 3.8 مليار دولار.
- في قطاع النقل، بدأ تشغيل القطار الكهربائي الذي يربط العاصمة الإدارية بالقاهرة الكبرى، مع استثمار يفوق 1.2 مليار دولار بمشاركة 15 شركة صينية.
- مشاريع الطاقة المتجددة، بما فيها محطة رياح بقدرة 1100 ميغاواط، وتنمية الصناعات التحويلية من خلال إنشاء مصانع سيارات كهربائية وانتاجية.
وقد أشار المسؤولون إلى سرعة تنفيذ هذه المشاريع وجديتها، مع تطلعات لزيادة حجم الاستثمارات الصينية إلى أكثر من 15 مليار دولار خلال عام واحد، معتبرين أن جديتهم تمتاز بسرعة التنفيذ والتعامل المهني.
طموحات مصر من الاستثمارات الصينية والتوجه نحو التنويع
- تسعى مصر لرفع ترتيبها ضمن الدول المستثمرة في البلاد من المرتبة العاشرة إلى إحدى الخمس دول الأولى، باستهداف جذب استثمارات جديدة بقيمة نصف مليار دولار في عام 2025.
- الهدف هو تنويع مصادر التمويل، خاصة لتعويض تراجع إيرادات قناة السويس، وزيادة الاستثمارات في القطاعات الإنشائية والصناعية والصناعات الهندسية والمنزلية.
- مصر تتطلع إلى الاستفادة من انتقال مصانع الصين خارج البلاد بسبب التزامها بتقليل الانبعاثات، وتحويل البلاد إلى منصة تصدير للأسواق الأفريقية والعربية والأوروبية.
تحديات تواجه الاستثمارات الصينية في مصر
- صعوبة في الوصول إلى التمويل، وتعقيد الإجراءات الجمركية، وموضوع الحصول على الأراضي.
- تحديات تتعلق بالبيروقراطية، وتذبذب سعر الصرف، والتغيرات السريعة في السياسات الضريبية، مع وجود حاجة لاستقرار تشريعي لتشجيع المستثمرين.
- مشاكل تتعلق بروتينية الإجراءات وتأخيرها، الأمر الذي يؤثر سلباً على عملية التنفيذ والاستثمار.
الميزات التنافسية لمصر وفرص الاستفادة من التحالفات الجيوسياسية
- موقع جيوستراتيجي مميز يربط بين أفريقيا وآسيا وأوروبا، مع تميز مصر كممر حيوي للتجارة عبر قناة السويس، حيث تعتبر الصين أكبر مستخدم لها.
- توفر مصادر خلاقة من اليد العاملة والمصادر الخام، إضافة إلى نظام تعليمي يدرب مئات الآلاف من المهندسين سنوياً.
- إمكانية تسجيل الشركات الصينية باستخدام اليوان، مما يسهل إجراء التعاملات المالية ويعزز التعاون الاقتصادي.
الدور الجيوسياسي في تعزيز العلاقات والتبادلات الاقتصادية
- مصر تسعى لموازنة علاقاتها بين القوى الكبرى، وتعمل على جذب استثمارات من كل من الولايات المتحدة والصين، مع استمرار التعاون مع الغرب.
- التوتر بين الصين وأميركا دفع بالحكومة المصرية لتعزيز علاقاتها مع بكين وبحث بدائل استراتيجية في تنويع الشراكات الدولية.
نقل المعرفة والتكنولوجيا والتوجه المستقبلي
- توجد العديد من الشركات التكنولوجية الصينية في مصر، ومنها هواوي وشاومي، مع إنشاء صندوق استثماري بقيمة 300 مليون دولار لتطوير قطاعات الذكاء الاصطناعي وتصميم أشباه الموصلات.
- مشاريع لتأسيس مجتمعات للذكاء الاصطناعي ومراكز تدريب وتأهيل متخصصين في مجالات التقنية الحديثة، مؤكدة أن دخول مصر إلى قطاع التكنولوجيا أصبح ضرورة لافتة.
التعاون التجاري وتيسيره بين البلدين
- حجم التبادل التجاري تجاوز 17 مليار دولار في عام 2024، مع توقعات بزيادته، بالرغم من وجود تفاوت هيكلي في التجارة، حيث تصدر الصين سلعاً بمليارات الدولارات، وتستورد مصر كميات محدودة نسبياً.
- تسهيلات مطلوبة مثل تبسيط الإجراءات الجمركية، وتفعيل التبادلات بالعملات المحلية، وتوسيع استخدام اليوان في المعاملات الثنائية، وتحسين التوازن التجاري.
- التنافس على فرض مزيد من الصفقات والفرص التجارية في قطاعات متنوعة، مع تيسير دخول المنتجات المصرية إلى السوق الصينية.
موقع مصر ودورها في مبادرة “الحزام والطريق” والانضمام إلى تجمع “بريكس”
- موقع مصر الاستراتيجي يجعلها مركزاً للعبور والاستثمار ضمن مبادرة الحزام والطريق، وعضويتها في مجموعة “بريكس” يعزز علاقاتها الاقتصادية مع الصين ويتيح فرص التعاون والنمو.
- التوجه نحو نظام تبادل العملات المحلية يعكس رغبة في تقليل الاعتماد على الدولار وتقليل ضغوطات الاحتياطي النقدي، عبر إنشاء بنوك تنموية جديدة مثل بنك “بريكس”.
- مشاريع تصدير منتجات مثل النسيج والموالح، وتحسين الميزان التجاري، مع وجود فرص لتطوير مجالات المزيد من التبادل والثقافة التجارية.
الختام: رؤية مستقبلية لعلاقات متنامية
تبين هذه الجهود والتوجهات مدى إدراك مصر لأهمية تعميق علاقاتها مع الصين، والاستثمار في قطاعات ذات قيمة مضافة عالية، ومواجهة التحديات عبر الإصلاحات الاقتصادية والتشريعية، لتعزيز مكانتها كمركز استراتيجي للتجارة والاستثمار في المنطقة، في ظل مناخ جيوسياسي متغير يدعم توجهاتها التنويعية والاستراتيجية.