اخبار سياسية

تسهيلات اقتصادية ودواء لإنقاص الوزن: هكذا أقنعت واشنطن لوكاشينكو بإطلاق سراح السجناء

عرضت الولايات المتحدة على الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو حزمة امتيازات اقتصادية تشمل تخفيف العقوبات وتسهيلات في قطاع البوتاس، إضافة إلى احتمال توفير دواء لمساعدته على فقدان الوزن، مقابل الإفراج عن مئات السجناء السياسيين.

نقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مصادر مطلعة أن المبعوث الأميركي جون كويل، الذي مثل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في دعاوى قضائية ضد منصات التواصل الاجتماعي، أجرى محادثات مطولة مع لوكاشينكو خلال عشاء احتوى على كميات من الفودكا، تناول خلالها الطرفان موضوع العقوبات الاقتصادية وإصلاح طائرته الرئاسية.

وأظهر لوكاشينكو اهتماماً شخصياً ببرنامج إنقاص الوزن باستخدام دواء زيباوند، وفق المصادر.

وأوضحت المصادر أن هذه الجهود جاءت ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز العلاقات مع لوكاشينكو بهدف الإفراج عن السجناء السياسيين، ومن بينهم الناشطة ماريا كاليسنيكافا والحائز على جائزة نوبل أليس بيالياتسكي، حيث أُفرج عن أكثر من 250 سجيناً منذ تولي إدارة ترمب السلطة، بينهم خمسة أميركيين على الأقل.

وبالمقابل رفعت واشنطن بعض العقوبات عن قطاع البوتاس البلاروسي، كما سهلت حصول الخطوط الجوية البلاروسية على برمجيات وقطع غيار من شركة بوينج إضافة إلى إصلاح الطائرة الرئاسية.

رسالة غير مباشرة لبوتين

وبحسب الصحيفة، كانت إدارة ترمب تأمل في أن تكون بيلاروس مثالاً على المكافآت التي قد تُمنح لبوتين إذا ساعدت روسيا الولايات المتحدة على إنهاء الحرب في أوكرانيا سلمياً.

وقال مسؤول أميركي: “في النهاية، سيواجه بوتين موقفاً صعباً للغاية. وجود الشخص الذي يعرفه ويثق به أكثر ليعبر عن موقف إيجابي تجاه الاتفاق يعتبر أمراً مهماً”.

وأشار التقرير إلى قناة اتصال خلفية غير معلنة بين واشنطن ولوكاشينكو، وصفها أكثر من اثني عشر مسؤولاً أميركياً وأوروبياً بأنها أصبحت جزءاً من المحادثات التي يقودها شريك ترمب في الجولف ستيف ويتكوف، بهدف إنهاء الصراع الأكثر دموية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وبحسب الصحيفة، كان لوكاشينكو قد قدم نصائح للولايات المتحدة حول كيفية التعامل مع بوتين، وساعد في تشجيع القمة الأميركية-الروسية في ألاسكا الصيف الماضي.

كما قدم توجيهات بشأن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، وأكدت زوجة كويل، مذيعة Newsmax، جريتا فان ستورسن، أن مادورو مرحب به للانتقال إلى مينسك.

ويقدم لوكاشينكو أيضاً نصائح حول خصوم الولايات المتحدة الآخرين، بما في ذلك حليف آخر هو الرئيس الصيني شي جين بينغ، الذي تناول الطعام مع أحد أبناء لوكاشينكو خلال دراسته في بكين.

إنجاز ترمب

وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولين ليفيت: “لقد أنجز الرئيس ترمب أكثر من أي رئيس آخر في التاريخ فيما يتعلق بحل النزاعات العالمية، وإعادة الأميركيين إلى الوطن، والإفراج عن السجناء المحتجزين ظلماً، وهذا غير قابل للمقارنة”.

أثارت هذه التحركات ردود فعل متباينة بين الحلفاء الأوروبيين والمعارضين البيلاروسيين، الذين رحبوا بالإفراج عن السجناء، لكنهم أبدوا قلقهم من “منح أحد أبرز مختطفي الرهائن في العالم اهتماماً ومكافآت اقتصادية”، وفقاً للصحيفة.

وقالت زعيمة المعارضة سڤياتلانا تȚшханوسكایا، الفائزة المعترف بها دولياً بانتخابات 2020، التي كان زوجها من بين المفرج عنهم هذا العام: “المشاعر مختلطة. أشعر بالفرح للشعب البيلاروسي، لكن بالنسبة للوَكاشينكو، إطلاق سراح الناس له ثمن، وهو مستعد لبيع الناس طالما كان ذلك ممكناً. قد يبدو الأمر كأنه باب دوّار”.

وكانت إدارة ترمب أول من قاد حملة عالمية لمقاطعة لوكاشينكو، الذي سجن أكثر من 30 ألف متظاهر بعد ادعائه الفوز في الانتخابات عام 2020، وخُضع المعارضون للاعتقال والتعذيب، واستخدمت السلطات العنف لقمع الاحتجاجات، وفق تقرير مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة.

وفي العام التالي، أجبرت سلطات المراقبة الجوية طائرة Ryanair المتجهة عبر بيلاروس على الهبوط في مينسك بذريعة أنها تحمل قنبلة، ما أتاح للشرطة اعتقال صحافي معارض بيلاروسي على متن الطائرة.

كما سمح حرس الحدود بعبور آلاف المهاجرين إلى بولندا وليتوانيا، ما شتت انتباه صناع السياسات الأوروبيين عن حشد القوات الروسية الضخم، بما في ذلك عشرات الآلاف على الحدود البيلاروسية مع أوكرانيا.

وأعلن لوكاشينكو الأسبوع الماضي عن نشر صاروخ نووي من نوع أوريشنيك ووضعه في حالة تأهب قتالي، مبدياً إعجاباً بنموذج كوريا الشمالية واستراتيجيتها النووية القصيرة المدى.

مهمة كويل

كان جون كويل يحضر فعالية في السفارة البريطانية بواشنطن، عندما اتصلت به وزارة الخارجية بطلب مفاجئ يسأل إن كان بإمكانه التوجه إلى بيلاروس واستعادة سجين يحمل جوازاً أميركياً.

وكان كويل على معرفة بترامب لسنوات طويلة، لكنه اكتسب ثقته في مساعدته في مقاضاة منصات التواصل الاجتماعي التي حجبت حساباته بعد أحداث 6 يناير.

ولم يكن كويل خياراً تقليدياً لقيادة مهمة إلى بيلاروس، إذ قال: “أين تقع تلك البلاد بحق الجحيم؟”.

بعيداً عن الأعين، كان لوكاشينكو يمهد الطريق لتقريب بلاده من أميركا باستخدام قضيّة السجناء كأوراق ضغط. وبينما كان ترامب يستعد لولاية ثانية، اتصلت الخارجية الأميركية بالخارجية الأميركية عبر قناة تستخدم عادة لفض نزاع عسكري ليعرب الطرف الآخر عن رغبته في أن تكون بيلاروس خطوة أولى نحو تخفيض حدة التوتر.

وفي كواليس اللقاءات، أبدت روسيا وبيلاروس استعداداً لإطلاق سراح سجناء ضمن مساعٍ لبناء قنوات تواصل مع مسؤولين مقربين من ترامب، إذ تعتبر موسكو ومينسك أنهم قد يكونون أكثر تفهماً لوجهة نظرهما.

وفي 11 فبراير، أفرج بوتين عن مدرس تاريخ أميركي مسجون بتهم حيازة الماريجوانا، وذلك خلال اجتماع مع ويتكوف، وفي اليوم التالي أطلقت بيلاروس سراح أميركي مصنفاً على أنه محتجز بشكل غير عادل، وتبعت المحادثات إفراج ثلاثة سِجناء آخرين، من بينهم صحفي في راديو أوروبا الحرة.

لقاء مينسك كان بمثابة نقطة رئيسية، حيث تضمن تبادلاً مطولاً للألفاظ وتناول خبزاً أسود وفطائر بطاطس في جو غير تقليدي. انتهى اللقاء بتسليم سجين أميركي يدعى يوراس زيانكوفيتش في منطقة غابات حدودية، ليكون عربون ثقة لبدء مقايضات أكبر.

وكشفت واشنطن بوست أن لوكاشينكو حاول سابقاً تفاوضاً مع إدارة بايدن لإطلاق سراح 30 سجيناً مقابل قطع غيار لطائرات بوينغ، إلا أن المطالب الأوروبية برفع العقوبات الشاملة أفشلت المقترح.

ومع صعود فريق ترمب، تحولت المحادثات إلى صفقات نفعية تخدم الاقتصاد الأميركي، خصوصاً في مجالي الزراعة والطيران. وفي كواليس اللقاءات لم يغب الجانب الإنساني، إذ أبدى لوكاشينكو اهتماماً بإنقاص وزنه واستفسر عن عقار زيباوند.

مهدت هذه الأجواء الطريق لمكالمة من طائرة ترمب الرئاسية أشاد فيها الزعيمان بـ”قوة بعضهما البعض”، وهو ما أكد الضوء الأخضر للمرحلة النهائية من الصفقة.

بحلول سبتمبر، أُفرج عن 52 سجيناً مقابل تخفيف العقوبات عن شركة بيلافيا، بينما كان المكسب الأكبر في ديسمبر حين نجح كويل في إنهاء أكبر عملية تبادل شملت 123 سجيناً، وفي المقابل رفعت الخزانة الأميركية عقوباتها عن ثلاث شركات لإنتاج البوتاس، ما وفر أسمدة رخيصة للمزارعين الأميركيين وتخفيفاً لهيمنة الصين على الإنتاج البلاروسي.

ورغم هذه النجاحات، أنهى لوكاشينكو المشهد بإعلان أن بلاده لم تعد بحاجة لطائرات بوينغ الأميركية، مفضلاً التوجه نحو الصناعة الروسية بالتعاون مع بوتين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى