الصين تبدأ تشييد سدٍ ضخم في التبت.. ما الذي يثير الجدل؟

باشرت الصين بناء سدّ كهرومائي ضخم في منطقة التبت الجبلية يهدف إلى تجاوز حجم سد الممرات الثلاثة كأكبر مصدر منفرد للطاقة الخضراء في العالم، كما قد تفوق تكلفته ميزانية محطة الفضاء الدولية وفق تقارير بلومبرغ، ويرجّح أن تصل كلفته نحو 1.2 تريليون يوان (167 مليار دولار) وربما يستغرق إكماله عقداً من الزمن، مع سعيه إلى تعزيز إنتاج الصين من الطاقة النظيفة.
ماذا يتضمن المشروع؟
لا يُعد هذا المشروع سداً بالمعنى التقليدي، بل ستقوم الصين بحفر سلسلة من الأنفاق عبر جبال قرب مدينة نينجشي في جنوب شرق التبت ذاتية الحكم. تمرّ من خلالها مياه نهر يارلونج تسانجبو لتدفع توربينات كهرومائية ضخمة وتعود بعدها إلى مجرى النهر الأصلي نحو المصب. وأطلق رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إشارة البدء في البناء في 19 يوليو الماضي. وتأسست شركة جديدة باسم China Yajiang Group للإشراف على تطويره، وتُشير المعلومات إلى أن آلية التمويل غير واضحة، بينما يظل لسجل الصين في تمويل بنية تحتية ضخمة دور في استخدام القروض المدعومة من الدولة لسداد الإيرادات المستقبلية من الطاقة.
ما الذي استجد منذ الإعلان عن المشروع؟
فرضت الحكومة الصينية تعتيماً إعلامياً نسبياً، لكن ظهرت بعض التفاصيل منذ الإعلان. بدأت الصين في سبتمبر بناء خط لنقل الكهرباء بجهد فائق يصل طوله إلى نحو 2681 كيلومتراً، ليربط نينجشي بجوانغتشو وشنتشن، وهو أحد الممرات الاستراتيجية لتغذية المدن الكبرى بالكهرباء عبر تقنيات نقل الجهد العالي التي تقلل الفاقد على المسافات الطويلة. كما سلطت حكومة إقليم التبت الضوء على المشروع في خطتها الخمسية للفترة 2026-2030، مشيرة إلى أنها تنوي استخدام المشروع كقطب نمو اقتصادي جديد يركز على الابتكار العلمي والصناعي في مدينة نينجشي القريبة من موقع البناء.
ما الهدف من بناء السد؟
يمكن لهذا السد أن يوفر حتى 70 جيجاوات من الكهرباء، وهو ما يعادل ثلاثة أضعاف القدرة الإنتاجية لسد الممرات الثلاثة وأكثر من إجمالي القدرة الكهربائية المركبة في بولندا، وهذا سيجعله بلا شك أكبر مصدر للطاقة الخضراء في العالم. كما سيساهم المشروع في دعم الطلب على الحديد والأسمنت والعمالة في الصين، وفي تحقيق هدف البلاد في الوصول إلى صافي انبعاثات صفري بحلول عام 2060. ومن المقرر توجيه معظم إنتاج السد إلى الشبكة الوطنية لنقل الكهرباء إلى المناطق الأخرى في الصين. وفقاً لصحيفة Enterprise Observation News الصينية الحكومية، يمكن للمشروع أن يحل جزءاً من توليد الطاقة من الوقود الأحفوري، مما يخفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بما يصل إلى 300 مليون طن سنوياً.
لماذا يمثل هذا المشروع تحدياً؟
سيُبنى السد في منطقة نشطة زلزالياً في مرتفعات التبت، وفي مثل هذه المناطق يمكن أن تغيّر السدود والخزانات الاصطناعية المشهد الطبيعي وتزيد خطر وقوع الزلازل. لذلك سيحتاج العلماء والمهندسون إلى جهود جبارة لضمان قوة المنشأة واستقرارها لتجنب أضرار كارثية في حال وقوع هزة كبيرة. وهناك أمثلة سابقة لسدود عملاقة تعثّرت لسنوات بسبب التمويل وعدم الاستقرار السياسي والتحديات اللوجستية، رغم أنها كانت تُخطط لتكون أكبر من سد الممرات الثلاثة بمضاعفات تصل إلى الضعفين.
ما يجعل السد مثيراً للجدل؟
حذر ناشطون بيئيون من أضرار لا يمكن إصلاحها لأخدود يارلونج تسانجبو، إذ ينحدر النهر بمقدار حوالي ألفي متر على امتداد 50 كيلومتراً في منطقة تضم محمية وطنية وتعد من أكثر المناطق تنوعاً بيولوجياً في الصين. وتقرير صدر في ديسمبر عن الحملة الدولية من أجل التبت أشار إلى أن بناء السدود في هذه المنطقة غالباً ما يعطّل سبل عيش السكان المحليين وينهي نزوحاً دائماً. من جانبها، أكدت الحكومة الصينية أن المشروع لن يضر بمناطق المصب وتعهّدت بضمان السلامة وحماية البيئة المحلية.
ما علاقة هذا السد بالهند؟
يُعد يارلونج تسانجبو واحداً من عدة أنهار رئيسية تغذيها أنهار جليدية في التبت، وتوفر مياه الشرب والري والطاقة الكهرومائية لأكثر من مليار شخص عبر عشر دول. وفي اتجاه المصب من موقع السد، يمر النهر عبر أروناتشال براديش شمال شرق الهند، وهي منطقة تطالب بها الصين، ثم يصب في نهر براهمابوترا قبل أن يتدفق إلى بنجلاديش. وقد عبر المسؤولون الهنود عن قلقهم بشأن السد المقترح، معتبرين أن المياه ضرورية لمعيشة الملايين. قال تابير جاو، عضو حزب بهاراتيا جاناتا، إن هذا السد الوحشي سيجلب كارثة لشمال شرق الهند وبنجلاديش. وتحدثت وزارة الخارجية الهندية عن مخاوفها مع الصين ودعت إلى الشفافية والتشاور مع دول المصب. وبالرغم من تحسن العلاقات بين الهند والصين في السنوات الأخيرة، فالتوترات ما تزال قائمة، ويخشى نيودلهي من احتمال استخدام الصين للمياه كأداة ضغط مستقبلية في نزاعات سياسية.
كيف تتسبب المياه في مشاكل أخرى بالمنطقة؟
تتحول المياه إلى أصل استراتيجي ومصدر توتر في جنوب آسيا، حيث أوقفت الهند مشاركة في معاهدة عمرها 65 عاماً مع باكستان تشرف على استخدام نهر السند خلال مواجهة عسكرية. كما أن معاهدة مياه نهر الجانج بين الهند وبنجلاديش، التي استمرت ثلاثين عاماً، ستنتهي صلاحيتها العام المقبل. رداً على إعلان الصين بناء السد، دعا بعض المسؤولين في نيودلهي إلى تسريع بناء سد في أروناتشال براديش المعروف بمشروع أبر سيانج بقدرة 11,500 ميغاوات. وقال وزير في حكومة الولاية عن حزب بهاراتيا جاناتا إن الصين بدأت ببناء سدها، وإن عليهم التحرك بسرعة من أجل مصالحهم.




