واشنطن بوست: صور أقمار اصطناعية تبين توسع الصين في تصنيع الرؤوس النووية

تشير تحليلات الشبكة النووية المفتوحة (ONN) ومركز التحقق والتدريب والمعلومات (VERTIC) في فيينا ولندن إلى أن الصين تجري تحديثاً شاملاً وسريعاً لشبكة من المنشآت السرية المخصصة لتصنيع مكونات الرؤوس النووية، بينما يتسع مخزونها النووي بوتيرة أسرع من أي دولة أخرى.
وتأتي هذه التغييرات في وقت تكثف فيه بكين جهودها لتعزيز قدرتها على الرد السريع على أي هجوم محتمل، بحسب تقييمات خبراء استندت إلى منشورات رسمية، وهو ما يرفع بشكل كبير مخاطر أي مواجهة نووية.
وقال ريني بابيارز، الذي قاد تحليل نحو ستة مواقع رئيسية ضمن مشروع ONN وVERTIC في فيينا ولندن، إن “مستويات التغيير التي نشهدها منذ نحو عام 2019 وحتى اليوم ربما تكون أوسع نطاقاً مما رأيناه في أي وقت مضى”.
ويستمر التوسع السريع في منشآت إنتاج الأسلحة الصينية، حتى في الوقت الذي أشار فيه تقرير للبنتاغون إلى تباطؤ إنتاج الرؤوس النووية منذ 2024، مع بقاء العدد الإجمالـي في حدود منخفضة عند نحو 600 رأس وإن كان من المتوقع أن يتجاوز الألف رأس بنهاية العقد.
وقد قال الرئيس الأميركي دونالد ترمب أخيراً، خلال مناقشته خطط إعادة إطلاق اختبارات الأسلحة النووية الأميركية، إن الصين قد تتمكن من اللحاق بالقدرات النووية الأميركية خلال خمس سنوات.
يرى محللون أنه من غير المرجح أن تتمكن الصين من مضاهاة الترسانة الأميركية المقدرة بنحو 3700 رأس نووي في المستقبل القريب، لكن التغييرات الجذرية التي جرت على معظم عناصر برنامجها النووي تشير إلى أن جيش التحرير الشعبي يستعد لـ“سباق تسلح شامل”، رغم أن الصين تنفي ذلك.
الطموحات النووية للصين
وتظهر صور الأقمار الصناعية وتحليلات خبراء ONN وVERTIC أن بكين سرَّعت بشكل حاد أنشطتها في مواقع رئيسية مرتبطة بإنتاج الرؤوس النووية منذ 2021، وهو توسع من شأنه تعزيز الطموحات النووية الصينية بشكل كبير.
وتشمل الأعمال تحديثات كبيرة في منشآت يُعتقد أنها تصمم وتنتج نوى البلوتونيوم، إضافة إلى مصانع تنتج المواد شديدة الانفجار اللازمة لإطلاق التفاعل النووي.
كما تشير الكتب العسكرية الصينية والمنشورات الداخلية ومقالات باحثين مرتبطين بالمؤسسة العسكرية إلى رفع مستوى تأهب الألوية النووية، وربما التوجه نحو وضعية “الإطلاق عند التحذير”، أي الرد فور رصد أي هجوم صاروخي.
ويُعد ذلك تحوّلاً مهماً عن الاستراتيجية السابقة التي كانت تركّز على الرد بعد التعرض لهجوم، بحسب المحللين.
وتُظهر هذه التغييرات مجتمعة كيف تطور بكين ذخائر وتكتيكات أكثر تنوعاً تمنحها خيارات لتهديد الولايات المتحدة وحلفاءها، حتى وإن لم تتمكن من مضاهاة حجم المخزون الأميركي كما ترى واشنطن بوست.
تغييرات في المرافق
وفي منطقة جبلية من مقاطعة سيتشوان قرب مدينة بينغتونج، خضع مرفق يُعتقد أنه مخصص لإنتاج نوى المواد الانشطارية لتغييرات واسعة خلال السنوات الخمس الأخيرة، وفق تحليل بابيارز.
وتُظهر الصور أن الأسوار الأمنية الجديدة ضاعفت مساحة الموقع المؤمنة، إضافة إلى تحديث المباني وأعمال إنشاء في ما لا يقل عن 10 مواقع، بما في ذلك محيط المنشأة الأساسية التي يُعتقد أن النوى تُنتج فيها.
وتُعد بينغتونج المنشأة الوحيدة المعروفة علناً المرتبطة بإنتاج نوى البلوتونيوم في الصين. وفي دراسة نُشرت في مجلة Journal of Indo-Pacific Affairs المرتبطة بسلاح الجو الأميركي، وصف أحد المحللين الموقع بأنه يشبه منشأة “بانتكس” في تكساس من حيث التجميع والصيانة، مع الإشارة إلى أن الموقع الصيني يمتلك قدرات إضافية لإنتاج نوى البلوتونيوم.
كما خضع موقع آخر ضمن سلسلة الإمداد، يقول تحليلات سابقة للحكومة الأميركية وخبراء، لأنه من المرجح الموقع الرئيسي لإنتاج المواد شديدة الانفجار المستخدمة لإطلاق الرؤوس النووية، لتغييرات سريعة.
ويقع هذا الموقع في منطقة نائية من مقاطعة زيتونج بسيتشوان، وتوسع بشكل كبير منذ 2019 بحسب تحليل الصور الملتقطة بالأقمار الاصطناعية.
جدار أمني واسع وتوسع موقع الاختبار
وتشهد المجمعات متعددة المواقع تغييرات شاملة، ففي منطقة واحدة فقط رُصد إنشاء جدار أمني واسع منذ نحو عام 2021، ومناطق تخزين محتملة جديدة، ومساحات كبيرة جرى إخلاؤها حديثاً لإقامة منشآت إضافية، ويرجّح أن أعمالها بدأت في 2023.
وتتركز أعمال البناء قرب مواقع تبدو مخصصة لاختبار الانفجارات، بما في ذلك غرف اختبار مواد شديدة الانفجار على شكل قباب، وموقع لاختبار أنابيب الصدمة، وهي أنابيب بطول يقارب 2000 قدم لتجربة الانفجارات وتقييم نقاط الضعف في تصاميم الرؤوس النووية.
وفي زيتونج، حدد فريق بابيارز منشأة تبلغ مساحتها نحو 430 ألف قدم مربع، اكتمل بناؤها العام الماضي، وتُعتقد أنها قد تُستخدم لتجميع مكونات الرؤوس النووية ومعالجتها وربما لنقلها إلى مواقع أخرى داخل الصين للتخزين والتجميع النهائي.
وقال بابيارز: “استناداً إلى جميع التغييرات التي نراها، والتي تعكس استثمارات ضخمة في هذه المواقع، فإن ذلك كله يشير إلى تحسن كبير في القدرة على إنتاج الرؤوس النووية للبرنامج النووي”.
وأضاف أن زيادة الطاقة الإنتاجية في هذه المنشآت قد تعني إنتاج عدد أكبر من الرؤوس، لكنها قد تعكس أيضاً جهوداً لتحديث الرؤوس النووية الحالية ورفع كفاءتها.
كما توسع موقع الاختبار النووي الرئيسي في الصين، لوب نور، في أقصى غرب شينجيانغ خلال السنوات الأخيرة، مع إنشاء أنفاق تحت الأرض وفتحات عميقة قد تكون تمهيداً لاستئناف الاختبارات النووية.
وأجرت الصين 46 اختباراً فقط بين 1964 و1996، وهو عدد أقل كثيراً من اختبارات الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما يطرح سؤالاً عن مدى قدراتها الحقيقية في هذا المجال، وفق ما أشار إليه خبراء. وبحسب كتاب حديث لهوى تشانغ، استناداً إلى مصادر نووية صينية غير واسعة النشر، فإن الاختبارات الأولية قد تكشف عن قدرة أكبر من المتوقع لإنتاج مجموعة متنوعة من الرؤوس، بما في ذلك قنابل أصغر وأخف وزناً.
رد أسرع وتحضيرات الإطلاق عند التحذير
وبالتوازي مع تحديث منشآت الإنتاج، بدأت الصين بإرسال إشارات تدريجية عن طموحاتها لنشر قوة نووية أكثر تنوعاً وبمستويات جاهزية أعلى، ما يمنحها أدوات إضافية للضغط على الولايات المتحدة في أي مواجهة تصعيدية.
وأشار تقرير البنتاغون إلى أن الصين أحرزت تقدماً كبيراً في تطوير قدرات رد سريع مشابهة لنظام الإطلاق عند التحذير الأميركي، الذي يمكنه رصد الصواريخ الباليستية من مسافات بعيدة وإطلاق ضربة مضادة قبل انفجارها.
وأضاف التقرير أن الصين قامت على الأرجح بتحميل أكثر من 100 صاروخ باليستي عابر للقارات يعمل بالوقود الصلب داخل صوامع لدعم هذا النظام، وطورَت قدرتها على إطلاق عدة صواريخ في وقت واحد بعد اختبارات أُجريت في أواخر 2024.
وتشير منشورات عسكرية صينية تغطي فترة التطوير حتى العام الماضي إلى تجهيز ألويةها النووية للرد فور رصد أي هجوم وارد.
أقمار الإنذار المبكر ونظام الإنذار
ويقول محللون إن بكين تمتلك الآن عدداً كافياً من أقمار الإنذار المبكر والرادارات لرصد الصواريخ الواردة، إضافة إلى هيكل قيادة مصمم لنقل الأوامر بسرعة عبر كابلات الألياف الضوئية والموجات الدقيقة والأجهزة الراديوية والأقمار الاصطناعية، لضمان إطلاق الصواريخ الباليستية العابرة للقارات المسلحة نووياً خلال دقائق.
وتأتي هذه التطورات في وقت تشهد فيه الصين حملة تطهير داخل صفوف كبار الجنرالات، بما في ذلك داخل القوة الصاروخية، لضمان الولاء وتسريع تحديث الجيش، بما في ذلك قواته النووية.
ووصفت كتب عسكرية صينية حديثة أنظمة الإطلاق عند التحذير بأنها ضرورية للأمن القومي في السلم والحرب، وتؤكد أن الصين تحتاج إلى قدرات الإنذار المبكر الأميركية المماثلة لضمان أن تؤخذ قواتها النووية على محمل الجد.
عوامل حاسمة ومخاطر
وجاء في كتاب دراسي نشرته جامعة الدفاع الوطني الصينية أن الإنذار المبكر الاستراتيجي أحد العوامل الحاسمة التي تعكس قوة العسكرية، مع التحذير من أن هذه الأنظمة يجب أن تكون دقيقة لتجنب الإطلاق العرضي.
وصف كتاب آخر صدر عام 2023 أن أنظمة الإنذار المبكر المتقدمة تتيح للدولة استخدام الأسلحة الهجومية الاستراتيجية لانتزاع زمام المبادرة في القتال، مضيفاً أن نظام إنذار مبكر قوي وسريع الاستجابة يمكن أن يخلق تأثيراً رادعاً قوياً.
غير أن هذه القدرة تحمل مخاطر إضافية، فخلال الحرب الباردة حدثت أعطال تقنية وأخطاء بشرية في أنظمة الإنذار المبكر الأميركية والسوفياتية أدت إلى إنذارات كاذبة كادت أن تقود إلى كارثة.
وقال تونغ تشاو، الخبير في برنامج الأسلحة النووية بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي، إن التخلي عن سياسة الرد المؤجل والاتجاه نحو الاستجابة السريعة قد يزيد مخاطر سوء الفهم وردود الفعل المفرطة، بل وحتى نشوب حرب نووية عرضية.




