اخبار سياسية

بعد رفع العقوبات وتجاوز العزلة الدولية.. ما الذي ينتظر سوريا في 2026؟

استقبلت سوريا عام 2025 بتحولات سياسية واقتصادية كبيرة فاقت توقعات الكثيرين، بعد تركة ثقيلة تركها نظام الأسد، وبتوجيه من قيادة الرئيس أحمد الشرع نحو مسار منفتح وفاعل على الساحة الدولية.

انفراج دولي وتحرر اقتصادي نسبي

أعلنت خطوات فضت جزءاً من العزلة الدولية وألغت كبريات القيود الاقتصادية، فارتفعت وتيرة التواصل مع الدول الكبرى وتزايدت فرص الاستثمار وإعادة الإعمار، ما سمح بعودة حركة العمل والتجارة وتحسن مخصصات الرواتب والقدرة الشرائية بشكل ملموس. كما انضمت سوريا إلى التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، وهو ما وفر منصات تعاون أمني ومعلوماتي مع عدد من الدول والحلفاء، وأسهم في إعادة بناء الثقة معها وفتح أبواب الحوار الاقتصادي والاستثماري على نطاق أوسع.

واقع أمني وسياسي معقد لكنه مستقر نسبياً

ظل الواقع الأمني والسياسي يفرض تحدياته رغم النتائج المهمة، إذ ظهرت هادئات داخلية وهشاشة كبيرة في صيغة الدولة وطرائق إدارة السلطة ووظائفها. اعتُبر الملف الأمني محوراً أساسياً، مع ثلاث مستويات من التحدي: الأول داخلي بين القوى السياسية المعنية وأطر السلطة والمعسكرات المتحالفة، والثاني مرتبط بمناطق السيطرة المتداخلة شرق البلاد وشماله وحتى الجنوب، مع وجود تنوع في الموارد والهوية والتدخلات الخارجية، أما الثالث فكان التهديد الإسرائيلي وخطورة الجنوب التي تبقى مرتبطة بتوازنات إقليمية ودولية أوسع. في هذا السياق، صار داعش يشكل قفزة أمنية تحتاج إلى متابعة مستمرة، لأنه يبقي باب الاقتصاد غير الرسمي نشطاً ويفتح أبواب ضغط سياسي عبر التوترات الاجتماعية والاقتصادية.

مسار قسد والدمج العسكري على مائدة التفاوض

برزت مسألة اتفاق 10 مارس كأولوية لكنها لم تُحسم بشكل نهائي قبل نهاية العام، فقد أعربت مصادر عن توقعات بأن يتم إنجاز جزء منه بشكل تدريجي يفتح باباً لمسار زمني ملزم، بينما أشار محللون إلى أن غموض الإرادة داخل شرق وشمال شرق سوريا يعوق تطبيقاً حاسمًا. يرى خبراء أن دمج قـسد في الجيش السوري لا يمكن أن يكون مجرد خطوة شكلية، بل يتطلب إعادة بناء جيش وطني ذي عقيدة موحدة يحظى بقبول واسع، بحيث لا يتحول الدمج إلى ولاءات متحاورة بل يبني جيشاً قادراً على حماية الوحدة الوطنية ومواجهة التحديات الأمنية.

الفراغ البرلماني والجانب التشريعي

تتجه الأنظار إلى نهاية قريبة لفراغ البرلمان مع استكمال تعيين الثلث الأخير من أعضاء مجلس الشعب، وهو ما سيتيح تحديد موعد انعقاد المجلس وبدء المهام التشريعية بشكل فعلي، مع إيلاء الاعتبار إلى تحقيق تمثيل عادل يشمل مختلف القوى والمكونات ويراعى دور المرأة والشركاء السياسيين في التوازنات التي نتجت عن الانتخابات.

العدالة الانتقالية كركيزة لاستعادة الثقة

يرى قادة الحركات الوطنية أن العدالة الانتقالية يجب أن تكون أساساً لمساءلة سورية شاملة ومتوازنة، وليس أداة لإقصاء مرحلة أو تصفية خصوم قدامى. تقترح الرؤية إنشاء آليات دولية محايدة لتوثيق الانتهاكات وفتح باب الاعتراف والاعتذار والحقوق للضحايا، مع تسجيل ملفات المفقودين وتوثيق القصص المتنوعة من جميع الأطراف، بهدف منع إعادة إنتاج الألم كوقود للصراع المستقبلي.

توقعات بنمو اقتصادي وتدفقات استثمارية

يتوقع اختصاصيون أن يساهم رفع بعض القيود في تعزيز الاقتصاد وتحميس الاستثمار، مع توقع ارتفاع للناتج المحلي في 2026 بنسب مقبولة مقارنة بالعام السابق، بشرط أن تستقر الأوضاع التنظيمية وتُطلق مشاريع بنيوية حقيقية وتدخل رؤوس أموال عربية وأجنبية جديدة. كما يشير الخبراء إلى أن عودة المصانع وتفعيل المناطق الصناعية وتطوير قطاع الزراعة ستكون عوامل محركة للنمو، إلى جانب تعزيز البنية المصرفية وتحديث منظومات الدفع الإلكتروني وتوفير مناخ تشريعي داعم للاستثمارات. وبالتوازي، يبرز أهمية معالجة التراكم التشريعي المرتبط بتركة النظام السابق لإزالة عوائق سوقية وقانونية تحول دون الإعمار وتوسع الاقتصاد.

مذكرات تفاهم بلا مشاريع ملموسة حتى الآن

رغم توقيع عدة مذكرات تفاهم خلال العام، لم يظهر حتى الآن تمويل فعلي أو مشاريع ملموسة تعكس تحسن مستوى المعيشة، مما يعكس فجوة بين التصريحات والواقع الاقتصادي، ويؤكد ضرورة ترجمة هذه الاتفاقات إلى استثمارات حقيقية تعزز الوظائف وتخفض الأسعار وتحقق تنمية اجتماعية مستدامة.

خلاصة متفائلة وحذر من المستقبل القريب

تواجه سوريا بصورة عامة، في عام 2026، تحديات جادة في إعادة بناء مؤسسات قوية وتوفير فرص عيش كريمة لمواطنيها، لكنها تقودها فرص دولية واقعية لإزالة العزلة وفتح أبواب الاستثمار وإعادة الإعمار، شريطة أن تُترجم هذه الفرص إلى مسار تعافٍ اقتصادي حقيقي ينعكس على حياة الناس جميعاً ويدفع باتجاه استقرار طويل الأجل وشمول سياسي واقتصادي أوسع.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى