اخبار سياسية

موانئ تركيا في مرمى العقوبات الدولية: هكذا يتسلل النفط الروسي إلى أوروبا

تشدد الاتحاد الأوروبي تدقيقه على منشآت تخزين تركية تستقبل وقوداً روسياً وتعيد توجيهه إلى أوروبا كجزء من جهد أوسع لخنق تدفق عائدات النفط التي تمول الحرب الروسية على أوكرانيا.

وتعد تركيا أكبر مشترٍ للمنتجات النفطية الروسية، مثل الديزل وزيت الوقود، وأحد أبرز مستوري الخام الروسي بعد الصين والهند، فيما لم تسع تركيا لفرض عقوبات على موسكو وتواصل شراء الطاقة الروسية ضمن إطار القانون المحلي.

وتفرغ ناقلات نفط عدة مرات شهرياً عشرات الآلاف من براميل المنتجات النفطية في محطة تخزين تركية تقع في مرسين، وتغادر منها في مرات كثيرة ناقلات محملة بكمية مماثلة باتجاه الاتحاد الأوروبي.

وجهة للسفن الروسية

وفي فبراير 2023، عندما حظر الاتحاد الأوروبي شحنات المنتجات النفطية من الموانئ الروسية إلى دوله الأعضاء، اتجهت السفن بكثافة نحو تركيا، بينما لم تكن محطة التخزين في مرسين، وهي شركة غير معروفة نسبياً تدعى توركيس إنرجي، تشهد نشاطاً يذكر في حركة السفن قبل ذلك.

وبعد أيام من فرض العقوبات، استقبلت المحطة أول شحنة من روسيا منذ ما لا يقل عن خمس سنوات، وفقاً لبيانات تتبع السفن، وتدفع تركيا نحو 6.5 مليون برميل من المنتجات النفطية هذا العام، معظمها من الديزل، نحو 5.5 مليون برميل منها من روسيا بقيمة تقارب 500 مليون دولار وفق بيانات تتبع السفن وتحليل مركز CREA في هلسنكي.

وخلال الفترة نفسها صدرت المنشأة نحو 4.4 مليون برميل إلى الاتحاد الأوروبي، أي أكثر من أربعة أضعاف الكميات التي استوردتها من مصادر غير روسية، ما يشير إلى أن شحناتها احتوت على منتجات روسية وفق المحللين.

ويقول تَوفان أيريك، المدير العام لشركة توركيس إنرجي وأحد مالكيها، إن المنشأة لم تخزُ وقوداً مشحوناً من روسيا بشكل ظاهر، ويُقلل من شأن الأسئلة حول مصدر المنتجات التي تمر عبر منصاتها، بينما أكد أن 5.5 مليون برميل من روسيا وردت إلى مراسي الشركة في الخليج هذا العام ولكنه لا يستطيع مناقشة تفاصيل عن عملاء الشركة.

ومنذ دخول العقوبات حيز التنفيذ، شحنت المصافي الروسية ديزل وزيتاً وغيرهما من الوقود بنحو 50 مليار دولار إلى تركيا، وشكّلت هذه الصادرات نحو 10% من إجمالي إيرادات روسيا النفطية و7% من إيراداتها من الطاقة خلال تلك الفترة، وفق CREA، في حين تضاعفت شحنات الوقود التركية إلى الاتحاد الأوروبي لأكثر من الضعف لتصل إلى نحو 24 مليار دولار خلال الفترة نفسها وفق التحليل نفسه.

ممر حيوي في بحر مرمرة

وفي بحر مرمرة، أظهر بيانات كبلر أن محطة تخزين تابعة لشركة أوبت التركية أصبحت محوراً رئيسياً لتداول الوقود الروسي المكرر من حيث عدد الشحنات، ومر عبرها وقود روسي مكرر بنحو 10 مليارات دولار منذ بدء العقوبات، وكانت من بين أبرز المشترين شركات مقرها الاتحاد الأوروبي.

وبدأ محققو مكافحة الاحتيال في الاتحاد الأوروبي فحص بيانات التجارة، لكنهم لم يستطيعوا إثبات أن الوقود الروسي الذي يدخل شبكة محطات التخزين في تركيا يغادر لاحقاً إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما يجعل تطبيق العقوبات أمراً صعباً، وذكرت مصادر أن تركيا لم تسمح بإجراء تحقيقات معمقة في تدفق المنتجات عبر محطاتها.

وقال بابلو تيدو موروا، رئيس وحدة التجارة في مكتب مكافحة الاحتيال الأوروبي، إن المحققين سيحتاجون إلى تتبع تدفق المنتجات عبر خزانات التخزين المختلفة وهذا يتطلب موارد كبيرة وتنسيقاً واسعاً من الجانب التركي، بينما أكدت أوبت أن خدمات التخزين تقدم لعملائها ولا تمتلك المنتجات التي تُشحن إلى منشآتها أو تُنقل منها، وأنها لا تتعامل مع أطراف خاضعة للعقوبات.

وقالت Koç Group المالكة لنصف أوبت وتعتبر من كبرى الشركات التركية، إنها لا تريد الإدلاء بمزيد من التصريحات، في حين لم ترد أوزتورك المالكة للنصف الآخر من أوبت على طلبات التعليق.

إجراءات أكثر صرامة

ويرى محللون أن استهداف الموانئ نفسها قد يسهل تطبيق العقوبات لكنه يحمل خطر إغضاب تركيا، الحليف في حلف الناتو، بينما تشير أرقام كبلر إلى أن جهود خنق صادرات الطاقة الروسية لم تفشل في إضعاف آلة الحرب، وإن كانت تؤدي إلى إعادة توجيه المسارات والوسطاء بطرق معقدة.

وفي 15 ديسمبر، فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على تاجري نفط متنافسين اتهمهما بدور رئيسي في سوق الطاقة الروسية، كما فرضت إدارة ترامب هذا الخريف عقوبات على أكبر شركتي نفط في روسيا، في إطار جهود تسريع إنهاء الحرب في أوكرانيا. ويفترض أن يدخل حظر استيراد المنتجات النفطية المكررة من الروسية إلى دول أخرى حيز التنفيذ في 21 يناير، مع استهداف شروط أكثر صرامة تستلزم من المستوردين إثبات أن شحناتهم غير مكررة من نفط روسي.

غير أن قدرة التكتل على تطبيق الحظر ستتأثر بشبكة محطات التخزين والوسطاء والمصافي التي تخفي مصدر الوقود المتدفق إلى القارة، وتتراوح الشركات المشاركة في تجارة النفط الروسي في تركيا بين كيانات غامضة مثل توركيس إنرجي وأخرى من أكبر الشركات مثل Koç، التي تملك نصف أوبت، وتعد من أبرز شركات تركيا وقد تكون في قائمة فورتشن جلوبال 500.

كما كانت تركيا مشترياً كبيراً للخام الروسي، إضافة إلى المنتجات المكررة التي تمر عبر محطات التخزين لديها، وهو ما استخدمته المصافي التركية لتلبية الطلب المحلي والسماح بتصدير كميات أكبر إلى الاتحاد الأوروبي، وهو ما دفع ترامب للضغط على أردوغان خلال زيارة إلى البيت الأبيض في سبتمبر الماضي لوقف شراء النفط الروسي.

ويشير المحللون إلى أن هامش الربح من تجارة النفط الروسي يراوح بين 10 و20% بين أسعار المنتجات النفطية الخارجة من روسيا والأسعار في الأسواق الغربية، وأن هذه الصفقات غالباً ما تتم عبر شبكة وسيطين متغيرة يظهرون استعداداً لتحمل مخاطر التجارة في ظل العقوبات، مع وجود كيانات جديدة تحل محل القديمة.

وتُعد الإجراءات الأكثر فاعلية حين تُطبق هي تلك التي تستهدف المنشآت التي تتعامل مع المنتجات النفطية الروسية، فمثلاً عندما فرض الاتحاد الأوروبي هذا العام عقوبات على مصفاة فادنير الهندية المملوكة جزئياً لشركة لوك أويل الروسية توقفت شحناتها إلى التكتل تماماً وبدأت بالتوجه إلى منشآت تركية تخضع حالياً لدقة التدقيق، كما أظهرت تقارير كبلر أن ناقلة تحمل العلم التركي شحنت ما يقرب من 20 مليون دولار من الديزل من ميناء روسي على البحر الأسود إلى محطة أوبت في مرمرة، ثم غادرت محملة بكمية مماثلة إلى مصفاة في اليونان مملوكة لموتور أويل، وهو ما تنفيه موتور أويل وتقول إنها لا تشتري النفط الروسي ولا تعالجها أو تتعامل بها وأن وارداتها معتمدة على مصادر غير خاضعة للعقوبات.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى