اخبار سياسية

السودان يعود إلى مجلس الأمن بواجهة مدنية.. مبادرة سلام تقيس التباينات السياسية

زار رئيس الوزراء السوداني كامل إدريس الولايات المتحدة، حيث مثل بلاده في جلسة رسمية أمام مجلس الأمن الدولي مقدماً مبادرة “مبادرة حكومة السودان للسلام”.

وتأتي الزيارة في توقيت دقيق، وتتناول ليس فقط عرض مبادرة سياسية بل دلالات أوسع بإعادة تقديم السلطة المدنية أمام دوائر صنع القرار الدولي والسعي لاستعادة حد أدنى من الدعم السياسي والدبلوماسي لوقف الحرب وبناء السلام وفق ما تؤكده مصادر حكومية.

قال محمد عبد القادر، المستشار الإعلامي لرئيس الوزراء للسودان، إن طرح المبادرة داخل مجلس الأمن بعد أسابيع من مخاطبة إدريس اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة يحمل دلالات مهمة، أبرزها الاعتراف الدولي بحكومة الأمل التي يقودها إدريس وحضور السلطة المدنية في صدارة الاهتمام الدولي كجهة معتمدة لتقديم المبادرات واجتراح الحلول للأزمة.

وأشار عبد القادر إلى أن هذه الخطوة تعكس جدية المجتمع الدولي في التعامل مع الحكومة المدنية، خصوصاً في ظل الترحيب الإقليمي والدولي الواسع بتعيين إدريس رئيساً للوزراء، مؤكداً أن السودان بات يُقدَّم كدولة تعتمد على حكومة مدنية في التواصل مع العالم وتسهيل التعاون مع مؤسسات المجتمع الدولي عبر القنوات التي تعتمدها الأمم المتحدة في تعاملها مع الحكومات.

مواقف سياسية متباينة

في المقابل عبّرت قوى سياسية عن ملاحظات وانتقادات للمبادرة. قال لقمة، القيادي في الكتلة الديمقراطية لائتلاف “الحرية والتغيير”، إن ما طرحه رئيس الوزراء لا يختلف كثيراً عن خارطة الطريق التي قدمتها الدولة السودانية للأمم المتحدة ووثيقة جدة لوقف العدائيات ودخول المساعدات الإنسانية، والتي رفضتها قوات الدعم السريع آنذاك.

وأضاف لقمة أن المبادرة لم تُناقش مع القوى السياسية، مشيراً إلى أن هذه القوى قدمت ورقة تفصيلية لمجلس السيادة لتطوير رؤى تتعلق بوقف الحرب ومصير قوات الدعم السريع، داعياً إلى التشاور والخروج برؤية وطنية موحدة تُقدَّم للوسطاء والجهات المعنية في توقيت مناسب، مع التأكيد على محاسبة مرتكبي الجرائم ووقف التدخلات الخارجية.

من جانبه قال التحالف المدني الديمقراطي لصمود في بيان إن خطاب رئيس الوزراء أمام مجلس الأمن بدا منحازاً لصالح “الأقلية المنتفعة من استمرار الحرب”، واتهمه بتجاهل أصوات غالب السودانيين الداعين للسلام، مطالباً الجيش وقوات الدعم السريع بالاستجابة للهدنة الإنسانية، محذّراً من محاولات التهرّب من مسار السلام.

وفي اتجاه أكثر حدة، هاجم تحالف السودان التأسيسي “تأسيس” التابع للدعم المبادرة، واعتبرها تكراراً لخارطة طريق سابقة قُدمت للأمم المتحدة، وذهب إلى وصفها بأنها محاولة للالتفاف على مبادرة الرباعية الدولية، التي رفضتها أطراف بعينها وفق بيان التحالف.

إطار دبلوماسي جديد

ترى الباحثة المصرية المتخصصة في الشأن الإفريقي صباح موسى أن زيارة كامل إدريس تأتي في إطار مسار دبلوماسي جديد تقوده أطراف إقليمية ودولية، أبرزها السعودية والولايات المتحدة ومصر، وهو مسار ينسجم مع تحركات رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان وزياراته الأخيرة إلى الرياض والقاهرة.

وأوضحت موسى أن تقديم المبادرة عبر رئيس وزراء مدني ومن داخل مجلس الأمن يرسل رسالة مختلفة مفادها أن مسار السلام لا يُطرح فقط عبر المؤسسة العسكرية، بل من خلال رؤية مدنية سياسية، مؤكدة أن المشاركة في مجلس الأمن تعزز شرعية الحكومة السودانية وتساهم في حشد الدعم الدبلوماسي للمسار الجديد، مع إمكانية البناء على القواسم المشتركة بين الرؤية السودانية وبنود الرباعية مثل الهدنة ووقف إطلاق النار وإطلاق حوار سياسي شامل.

وبينما ترى الحكومة ومؤيدوها أن زيارة واشنطن ومخاطبة مجلس الأمن تمثلان اختراقاً دبلوماسياً مهماً يعيد السودان إلى واجهة الاهتمام الدولي بوجه مدني، تكشف ردود الفعل المحلية عن تحدٍ داخلي لا يقل تعقيداً بغياب توافق وطني واسع حول المبادرة.

ويبقى نجاح هذه الخطوة مرهوناً بقدرة الحكومة على تحويل الزخم الدولي إلى ضغط فعلي لوقف الحرب وبناء مسار سلام جامع يستجيب لتطلعات السودانيين، ويوازن بين الشرعية الدولية والتوافق الداخلي في فترة حساسة من تاريخ البلاد الحديث.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى