اخبار سياسية

رئيس رومانيا ينتقد ضعف أوروبا في التصدي لـ”عالم ترمب الجديد”

تغيّر العالم كما يرى نيكوسور دان، إذ انتقلنا من نهجٍ يعتمد على الأخلاق في إدارة الشؤون الدولية إلى نهجٍ عملي واقتصادي بحت، وفق مقابلة مع بوليتيكو الأوروبية التي قالت إن القادة الأوروبيين، بمن فيهم دان، قضوا جزءاً كبيراً من 2025 في محاولة فهم كيفية التعايش مع دونالد ترامب أو حتى مع غيابه. يرى دان أن ترامب أظهر قلة اكتراثٍ بالشرق الأوروبي وبأوروبا بشكل عام، فيما يعبر مساعدوه عن عداءٍ صريح لها. يمكن القول إن التحدي الأساسي عند قادة مثل دان هو تحديد إلى أي مدى يمكن قبول أولويات ترامب مع الحفاظ على شراكةٍ ضرورية بين أوروبا والولايات المتحدة، في حين تتزايد المحاذير من جهة واشنطن تجاه القيم الأوروبية.

تصورات دان عن العالم الجديد في إطار الأطلسي

أوضح دان أن العالم تغيّر نتيجة الانتقال من إدارةٍ أخلاقية إلى إدارةٍ عملية واقتصادية، وأن قادة الاتحاد الأوروبي يدركون هذا التحول ويعملون على وضع استراتيجياتٍ عملية لمواجهة الواقع الجديد. أضاف أن التيار الوسطي صار مضطراً لأخذ حملة أميركية منظّمة في الاعتبار في إطار سعي واشنطن لتغيير وجهة أوروبا وتوجيهها وفق أجندة مناهِضة للهجرة. وفي سياق السياسة الأمريكية، أشار دان إلى أن مسؤولي الإدارة، بمن فيهم نائب الرئيس، أدانوا إلغاء الانتخابات في رومانيا العام الماضي، لكن استراتيجية الأمن القومي الأميركي الآن تسعى لتوجيه السياسة الأوروبية بما يخدم مصالح ما يعرف بـ MAGA المناهضة للهجرة.

يؤكد دان أنه لا بأس بأن يعبر السياسيون الأميركيون عن آرائهم، ولكنه يحذر من أن التدخّل في السياسة الأوروبية بطرقٍ غير ديمقراطية، مثل تمويل وسائل إعلام داخل دول أوروبية كما يفعل الروس، قد يصبح مسألةً خطرة. يرى دان أن العلاقات الأوروبية-الأميركية حيوية لبلاده ولأوروبا معاً، لأنها تشترك في قيمٍ أكثر من مناطق كثيرة أخرى في العالم، وهو ما يجعل هناك إمكانية لشراكةٍ حقيقية على المدى المتوسط رغم كونها تمر بمرحلة انتقالية وتتطلب فهمًا أفضل بين الطرفين.

ولكن بحسب بوليتيكو الأوروبية، فإن التقييم الصريح لديان يبرز حجم الضرر الذي لحق بالتحالف عبر الأطلسي هذا العام، مع ما يتيحه وجود ترامب من حالةٍ من عدم اليقين في مختلف جوانب التحالف الغربي، بما في ذلك سعيه لاستعادة علاقات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وذكر دان أن الأوروبيين بدا أنهم في كثير من الأحيان عاجزون عن الردّ بشكل حاسم، وهو ما يعكسه قول ترامب بأن القادة الأوروبيين “ضعفاء”. يضيف دان أن أوروبا قد تكون بطيئة في اتخاذ القرارات، كما ظهر في النقاش الطويل حول تمويل أوكرانيا، حيث استغرق الاتفاق أشهراً من الجدل وقمة بروكسل التي امتدت حتى ساعات فجر اليوم.

في نهاية المطاف، تقرر الاتحاد الأوروبي اقتراض 90 مليار يورو من دينه العام المشترك لتمويل قرض إلى كييف يعينها على الصمود في وجه روسيا خلال العامين المقبلين، وهو قرارٌ يرى دان أنه مهم ولكنه ليس حاسمًا لأنه يتعلق بسلامٍ مستدام بين أوروبا وأوكرانيا وبوتين. بعض الدول الأوروبية كانت تعلن دعمها للخطة، مع استثناء المجر وسلوفايا والتشيك، وهو خيارٌ يرى دان أنه يفتح باباً للوصول إلى سلامٍ يبعث برسالة قوية إلى بوتين بأن أوكرانيا لن تنهار إذا طال الزمن.

يرى دان أيضاً أن النهاية الحقيقية للحرب في أوكرانيا ما زالت بعيدة على الرغم من الضغوط الأخيرة من ترامب لوقف إطلاق النار، مع ميله إلى التشاؤم أكثر من التفاؤل على المدى القريب بسبب ما يسميه عدم استعداد الروس للسلام ورغبتهم في استمرار القتال لبضع أشهر أخرى لاستغلال الأرض المتقدمة لهم. كما عبر دان عن دعمه لسياسة ترامب في فرض عقوبات قوية على شركات النفط الروسية مثل روسنفت ولُوك أويل وبخاصة في ظل التزام واشنطن بتوفير ضمانات أمنية لدعم أي اتفاق نهائي.

أما الموقف من السلام، فوجه دان تحذيراً بأن أي سلام يعادل المعتدي بشكلٍ أو بآخر ليس جيداً لأوروبا ولا لأمن العالم، فقرار السلام يبقى في الأساس في يد الأوكرانيين الذين يعانون بشكلٍ كبير، ولا يجوز لومهم على قراراتهم في هذا السياق. وبينما تلعب رومانيا دوراً محورياً كقاعدة لنقل الإمدادات والمساعدات إلى أوكرانيا وتدير ميناء كونستانتسا كعنصر رئيسي في عمليات حفظ السلام المستقبلية، تؤكد تصريحات دان أن الجنود الأوكرانيين يتلقون تدريبات في رومانيا وأن بلاده تعمل مع بلغاريا وتركيا على إزالة الألغام من البحر الأسود. وفي الوقت نفسه، شددت تقارير بوليتيكو الأوروبية على أن طائرات روسية مسيّرة اقتربت من المجال الجوي الروماني أكثر من عشر مرات منذ بدء الحرب، ما اضطر قرية حدودية إلى إخلاء موقعٍ جراء حريق نَاقلة غاز، وهو تهديدٌ أُخرج من إطار الخطر العائد إلى القوات الروسية لإدخال الذعر، وهو أمرٌ يواجهه دان بالطمأنة الداخلية رغم زيادة الإنفاق العسكري الروماني في مواجهة روسيا.

ولد دان، البالغ من العمر 56 عاماً، في سياق انتخابي حاسم لرومانيا، حيث فاز بمنصب الرئاسة في مايو الماضي بعد جولة إعادة، متجاوزاً منافساً شعبياً كان يشكك في دعم أوكرانيا. كان ذلك في أعقاب إلغاء الجولة الأولى من الانتخابات في ديسمبر الماضي، في سياق مزاعم بتلاعب وتدخل روسي واسع وأنشطة غير قانونية دعمت المرشح اليميني المتطرف. وتظل قضايا الفساد من أبرز التحديات في رومانيا، وهو ما دفعه إلى تسليط الضوء على حاجة الدولة إلى إصلاحاتٍ تشرك القضاة الأكفاء وتحد من نفوذ شبكات المصالح والفساد، مع وعد بإصلاحاتٍ تشدد على ترقية القضاة بناءً على الكفاءة لا العلاقات الشخصية.

وفي سياق الاتهامات بتدخل موسكو، أقر دان بأن بلاده كانت هدفاً لموسكو منذ عقد من الزمن، وأن قادة آخرين أبلغوه أنهم يواجهون حملات تضليل مماثلة في أوروبا، مع الإشارة إلى أن سيل الأخبار الزائفة على الإنترنت ليس له حلّ نهائي، فحتى لو نفى أحد ما في اليوم التالي، قد يكون الضرر قد حدث بالفعل. وفي الانتخابات الأخيرة يواصل حزب التحالف من أجل اتحاد الرومانيين تقدمـه في الاستطلاعات بنحو أربعين بالمئة. يدعو دان فريقه إلى الاقتراب أكثر من الشعب ومواجهة الشعبوية، كما يحث الأوروبيين على عدم تحميل بروكسل مسؤولية سياساتهم غير الشعبية لأنها تولد موجةً شعبوية جديدة. وفيما يصف السياسة الأوروبية بأنها عملية ديمقراطية، أكد على وجود نقاشٍ حقيقي وتفادي وجود سيد بيروقراطي يحكم الأمور، مع الإشارة إلى أن القمم الأوروبية تستغرق وقتاً أطول من اللازم أحياناً وتُدار باختيارات موضعية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى