اخبار سياسية

عملية نارنيا: كيف استهدفت إسرائيل علماء إيران النوويين؟

اقتربت ساعة الصفر، واكتملت الاستعدادات للحرب، فانتشر عشرات العملاء المدرّبين العاملين لصالح إسرائيل داخل الأراضي الإيرانية، مزوّدين بأسلحة متطورة، وتوضع المقاتلات الإسرائيلية في حالة تأهب قصوى انتظاراً لأوامر استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية وعلمائها ومنصات إطلاق الصواريخ الباليستية ومنظومات الدفاع الجوي.

اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة في تلك المرحلة على اتفاق أولي بشأن مدى اقتراب طهران من امتلاك سلاح نووي، وفي حين كانت المناورات الدبلوماسية تجري لتضليل إيران، وفقاً لصحيفة واشنطن بوست.

أدرك المسؤولون الأمنيون الإسرائيليون أن إلحاق ضرر عابر ببرنامج إيران النووي لن يكفي، فكان لا بد من القضاء على “مخزن العقول”، جيل من المهندسين والفيزيائيين الإيرانيين الذين يعتقد الأميركيون والإسرائيليون أنهم يعملون على “العلوم المظلمة” لتحويل المواد النووية الانشطارية إلى قنبلة ذرية.

بدأت عملية نارنيا باستهداف كبار العلماء النوويين في إيران، حيث لقي محمد مهدي طهرانجي، عالم الفيزياء النظرية وخبير المتفجرات الخاضع للعقوبات الأميركية، مصرعه في شقة بالطابق السادس بمجمع سكني يعرف باسم “مجمع الأساتذة” في طهران.

وبعد ساعتين فقط، لقي فريدون عباسي حتفه، وهو عالم فيزياء نووية ترأس سابقاً منظمة الطاقة الذرية الإيرانية، في ضربة أخرى بالعاصمة.

إجمالاً، أعلنت إسرائيل أنها اغتالت 11 من كبار العلماء النوويين في 13 يونيو والأيام التي تلاه.

الإجراءات التحضيرية

أعدّ محللو الاستخبارات الإسرائيلية قائمة تضم 100 من أهم العلماء النوويين في إيران، ثم قلصوها إلى نحو 12 هدفاً.

وَبناءً على عقود من التجسس، وضعوا ملفات مفصلة عن عمل كل واحد منهم وتحركاتهم ومنازلهم.

كشفت واشنطن بوست ومنصة بيلينغكات عن قتل 71 مدنياً في 5 ضربات استهدفت العلماء النوويين، عبر تحليل صور الأقمار الاصطناعية وتحديد المواقع الجغرافية لمقاطع الفيديو وإعلانات الوفاة وسجلات المقابر وتغطية الجنازات في وسائل الإعلام الإيرانية.

وذكرت الصحيفة والمنصة أن 10 مدنيين، من بينهم رضيع يبلغ من العمر شهرين، قتلوا في الضربة التي استهدفت “مجمع الأساتذة” في حي سعادت آباد بطهران. وتشير شهادات العيان، إلى جانب فيديوهات وصور الانفجار، والأضرار الهيكلية الناتجة عنه، إلى أن الضربة كانت تعادل في قوتها قنبلة تزن نحو 500 رطل.

واستهدفت إسرائيل عالماً آخر هو محمد رضا صديقي صابر في منزله بطهران خلال الموجة الأولى من الضربات، ولم يكن صديقي صابر موجوداً آنذاك، غير أن الغارة أدّت إلى قتل ابنه البالغ من العمر 17 عاماً.

وفي اليوم الأخير من الصراع، الموافق 24 يونيو، قُتل صابر في منزل أقاربه بمدينة أستانة أشرفية في محافظة جيلان، على بُعد نحو 200 ميل من العاصمة.

وقُتل صابر في منزل أقاربه، حسب شهادات سكان المنطقة، وكان عائلته قد عادته لحضور مراسم عزاء ابنه، فقتل هو وأقارب آخرون.

وتحققت الصحيفة من وجود 15 مدنياً في هذه الضربة، بينهم 4 قاصرين، حيث سويت منازل بالأرض وترك حفرتان عميقتان في مكانهما.

من جانبهم، قال مسؤولون أمنيون إسرائيلون إنهم بذلوا قصارى جهدهم للحد من الخسائر البشرية، وأوضح أحدهم: “كان تقليص الأضرار الجانبية أحد الاعتبارات الرئيسية عند التخطيط لعملية نارنيا”.

وفي المقابل، قال مسؤول في الجبهة الداخلية الإسرائيلية إن الضربات الإيرانية أصابت مدارس ومستشفيات ومواقع مدنية أخرى، ما أسفر عن مقتل 31 إسرائيلياً. بينما قال متحدث باسم الحكومة الإيرانية في يوليو، أن 1062 شخصاً قتلوا في الضربات الإسرائيلية، بينهم 276 مدنياً.

الأسد الصاعد

شنت إسرائيل هجمات ضد إيران تحت عملية الأسد الصاعد، حيث دمرت الطائرات الحربية والمسيّرات الإسرائيلية، بالتعاون مع عملاء داخل إيران، أكثر من نصف منصات إطلاق الصواريخ الباليستية الإيرانية وقضت على ما تبقى من دفاعاتها الجوية.

وقصفت الطائرات محطات الكهرباء وأنظمة التهوية اللازمة لتشغيل أجهزة الطرد المركزي التي تخصب اليورانيوم في “نطنز” و”فوردو”، وهما موقعا التخصيب الرئيسيان في البلاد.

وتلا ذلك ضربات هائلة شنتها قاذفات البي-2 الستيلية الأميركية ووابل من صواريخ توماهوك.

وداخِل العمق الإيراني، جند جهاز الموساد أكثر من 100 عميل إيراني، وزوّد بعضهم بسلاح خاص من ثلاثة أجزاء لتنفيذ ضربات دقيقة ضد أصول عسكرية، وفقاً لمسؤول أمني إسرائيلي رفيع شارك مباشرة في التخطيط.

وأضاف المسؤول أن السلطات الإيرانية استعادت بعض منصات الإطلاق، لكنها لم تعثر على الصواريخ أو المكوّن الثالث السري.

وتلقى العملاء تدريباتهم في إسرائيل وأماكن أخرى، دون إطلاعهم سوى على مهامهم المحددة، أو على النطاق الكامل لما كانت إسرائيل تستعد لتنفيذه.

وأضاف المسؤول الإسرائيلي أن “هذه العملية غير مسبوقة في التاريخ… لقد حشدنا أصولنا وعملاءنا للاقتراب من طهران، وشن العملية البرية حتى قبل أن تدخل القوات الجوية الإسرائيلية المجال الجوي الإيراني”.

اتفقت إسرائيل والولايات المتحدة، في عهد كل من الرئيسين بايدن وترمب، على أن إيران تعمل على امتلاك سلاح نووي، لكن أجهزة الاستخبارات في البلدين اختلفت أحياناً في تقييماتها لما كان يفعله العلماء الإيرانيون ومدى خطورتهم.

اعتباراً من عام 2023، جمعت CIA معلومات تشير إلى أن باحثين يعملون في وحدة تابعة لوزارة الدفاع الإيرانية تعرف باسم SPND كانوا يستكشفون سبل بناء سلاح نووي بوتيرة أسرع، في حال تراجع المرشد الإيراني عن فتواه المتعلقة بتحريم صناعة الأسلحة الذرية.

ووفقاً لتقييم CIA، كان الإيرانيون يجرون أبحاثاً حول جهاز نووي بدائي يمكن إنتاجه خلال نحو 6 أشهر باستخدام مخزوناتهم من اليورانيوم المخصّب، غير أن هذا الجهاز لا يمكن اختباره مسبقاً ولا إطلاقه من مسافات بعيدة عبر صواريخ باليستية، لكنه يظل مدمّراً عند بنائه واستخدامه.

كما بدا أن الإيرانيين يجرون أبحاثاً حول أسلحة الاندماج النووي، وهي نوع أقوى من القنابل النووية، ورغم القلق، تبقى القنبلة الاندماجية بعيدة عن متناول إيران في الوقت الراهن.

وبعد انسحاب ترمب عام 2018 من الاتفاق الدولي، بدأت طهران إنتاج كميات أكبر من اليورانيوم المخصّب.

ولم تعتبر CIA والموساد إيران بدأت فعلياً ببناء قنبلة، بل أظهرت تقارير أن إيران لم تبدأ ذلك حينها، ورغم ذلك بحلول ربيع 2025 لم يعد المحللون الإسرائيليون واثقين من القدرة على رصد تغيّر مفاجئ في تجميع السلاح.

في 12 يونيو، عشية عملية الأسد الصاعد، أعلنت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن طهران انتهكت التزاماتها بمنع الانتشار النووي، وهو أول توبيخ من نوعه خلال 20 عاماً.

الدبلوماسية والتضليل

عندما زار نتنياهو ترامب في بداية ولايته الثانية، عرض عليه أربع رؤى لكيفية تطور الهجوم على إيران، بحسب مصدر مطلع طلب عدم الكشف عن هويته.

وكان الخيار الأول: هجوم إسرائيلي منفرد، والثاني: قيادة إسرائيلية بدعم أميركي محدود، والثالث: تعاون كامل بين الحليفين، والرابع: أن تتولى الولايات المتحدة القيادة.

وبدأت بعدها أشهر من التخطيط الاستراتيجي المكثف والسري، وكان ترمب يريد منح الدبلوماسية فرصة، لكنه واصل تبادل المعلومات والتخطيط مع إسرائيل، قائلاً: “كان التفكير أن إذا فشلت المحادثات، نكون جاهزين”.

وذكر مصدر مطلع أن كل التقارير التي كُتبت عن وجود شرخ في العلاقات بين نتنياهو وويتكوف أو ترمب لم تكن صحيحة، لكن كان من الجيد أن يسود هذا الانطباع العام، فقد ساعدنا ذلك على المضي قدماً في التخطيط دون أن يلاحظ الكثيرون.

وحتى بعد بدء حملة القصف والاغتيالات، بذلت إدارة ترامب مسعىً دبلوماسياً أخيراً، حيث نقلت سراً اقتراحاً إلى إيران لحل المأزق المتعلق ببرنامجها النووي.

وكانت إيران لا تدرك أن هذه المبادرة كانت فرصتها الأخيرة قبل أن يوافق ترمب على انضمام القوة الأميركية إلى جانب إسرائيل.

وتضمنت شروط الصفقة، كما حصلت عليها واشنطن بوست ولم يُكشف عنها سابقاً، إنهاء طهران دعمها لوكلائها مثل حزب الله وحماس، بالإضافة إلى “استبدال” منشأة فوردو لأي منشأة عاملة أخرى لا تسمح بالتخصيب.

وفي المقابل، نص الاقتراح المؤرخ في 15 يونيو على أن ترفع الولايات المتحدة “كافة العقوبات المفروضة على إيران”.

وعندما نقلت الولايات المتحدة الاقتراح إلى إيران، رفضته طهران، وعندها أعطى ترمب الضوء الأخضر للضربات الأميركية.

وأشار مسؤولون أميركيون وإسرائيليون ومسؤولون من الوكالة الدولية للطاقة الذرية إلى أن الضرر الذي لحق ببرنامج إيران النووي، وإن لم يكن كاملاً، كان كبيراً، إذ أعاد البرنامج سنوات إلى الوراء وربما أنهى، في الوقت الراهن، قدرة إيران على تخصيب اليورانيوم الذي يمكن استخدامه كوقود لسلاح نووي.

أشار معهد العلوم والأمن الدولي في تقييم صدر في نوفمبر، بناءً على صور الأقمار الاصطناعية، إلى أن الأضرار الناجمة عن الغارات الجوية على المواقع النووية كانت واسعة النطاق وكارثية في حالات كثيرة.

أظهر التقييم أن الأضرار كانت واسعة النطاق وكارثية في العديد من المواقع النووية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى