اخبار سياسية

الولايات المتحدة تقود وساطة لعقد لقاء بين السيسي ونتنياهو.. ما شروط القاهرة؟

أكد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة طارق فهمي أن الملفات التي ترغب القاهرة في حسمها قبل الاستجابة لوساطة أميركية تستهدف عقد قمة بين الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تشمل إنهاء أي طرح يتعلق بتهجير الفلسطينيين من أراضيهم، وضمان الانسحاب الإسرائيلي من غزة، وإعادة تفعيل المسار السياسي لحل الدولتين، وأموراً أخرى.

وأشار فهمي إلى أهمية ملف الغاز بالنسبة لمصر؛ خاصة بعد رفْض وزير الطاقة الإسرائيلي إيلي كوهين في وقت سابق المصادقة على تعديل اتفاق تصدير الغاز الذي أبرمته القاهرة وتل أبيب مؤخراً. وقعت مصر في عام 2020 اتفاقاً لاستيراد الغاز الطبيعي من إسرائيل، ثم عُزّزت الصفقة في أغسطس الماضي، إذ كشفت شركة نيو ميد إنرجي، الشريك في حقل Leviathan الإسرائيلي، عن توقيع تعديل جوهري يضيف نحو 4.6 تريليون قدم مكعب (حوالي 130 مليار متر مكعب)، في صفقة قد تحقق إيرادات تصل إلى نحو 35 مليار دولار وتستمر حتى 2040. وأشار فهمي إلى حدوث انفراجة خلال الساعات الأخيرة في ملف الغاز، وسط ضغوط أميركية مباشرة على الحكومة الإسرائيلية لتمرير الصفقة والمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق مع القاهرة.

وتمتلك شركة شيفرون الأميركية حصة تشغيلية كبيرة في حقل Leviathan تبلغ نحو 40%، وهي الشركة المشغلة للحقل بالشراكة مع نيو ميد إنرجي وريشيو إنرجيز، ويُعد هذا الحقل المورد الرئيسي للغاز الإسرائيلي إلى مصر. واتفق الخبير في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد مع ما طرحه فهمي بشأن أهمية ملف الغاز الإسرائيلي بالنسبة لمصر، واصفاً إياه بأنه «صفقة رابحة» للقاهرة نظراً لانخفاض كلفته مقارنة بالشحنات المستوردة من الغاز الطبيعي المسال.

في المقابل، رأى رئيس المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية خالد عكاشة أن الجوانب الاقتصادية أو العسكرية، بما في ذلك حصول القاهرة على صفقات أو تسهيلات خاصة لاقتناء أسلحة من الولايات المتحدة، ليست مطروحة حالياً على الطاولة.

إنهاء فكرة تهجير الفلسطينيين

وأكد فهمي أن إنهاء أي طرح يتعلق بتهجير الفلسطينيين نحو الأراضي المصرية يمثّل مطلباً رئيسياً للقاهرة، لافتاً إلى أن واشنطن تضغط على تل أبيب للتراجع عن هذه الخطط. وأضاف أن إسرائيل تبرّر موقفها باعتبار أن خروج الفلسطينيين من غزة «شأن داخلي»، وأن ما يهم القاهرة من وجهة نظر إسرائيل يقتصر على معبر رفح فقط. ويأتي معبر رفح وآلية تشغيله كثالث أولويات القاهرة، بحسب فهمي، الذي أشار إلى رغبة مصر في إعادة تشغيل المعبر في الاتجاهين، مع استئناف عمل بعثة مراقبة أوروبية وعدد من الموظفين الفلسطينيين في إدارة المعبر من الجانب الفلسطيني، وإنهاء الوجود الإسرائيلي داخله.

وخلال الأيام الماضية، أثارت إسرائيل جدلاً بإعلانها أنها ستعيد فتح معبر رفح جنوب غزة، لكن فقط لمغادرة سكان القطاع دون العودة، في حين نفت مصر وجود أي تنسيق لفتح هذا المعبر الحيوي على هذا النحو. ولحقت بذلك إدانة دول عربية وإسلامية، من بينها مصر والسعودية وتركيا، في بيان مشترك، أي محاولات لتهجير الشعب الفلسطيني من أرضه. وأكد البيان ضرورة الالتزام الكامل بخطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بما يشمل فتح معبر رفح في الاتجاهين، وضمان حرّية حركة السكان، ومنع إجبار أي من أبناء القطاع على المغادرة. وختم فهمي بالقول إن المطلب الرابع للقاهرة يتمثل في تشكيل قوة الاستقرار الدولية في غزة، وأن يتزامن ذلك مع بدء انسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع الفلسطيني، وضمان عدم تعنت تل أبيب في تنفيذ بنود المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار وفق خطة ترامب.

مقترح أميركي بديل

وأفاد مصدر مطلع لـ«الشرق» بأن القاهرة ليست لديها مشكلة في عقد لقاء بين السيسي ونتنياهو، مشيراً إلى أن الحديث عن اجتماع بوساطة أميركية جرى في سياق قمة شرم الشيخ للسلام التي شهدت توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بحضور الرئيس الأميركي وعدد من قادة العالم. لكن الرئاسة المصرية ذكرت في بيان آنذاك أن نتنياهو لن يشارك في القمة بسبب الأعياد الدينية، موضحة أن ترمب كان اقترح مشاركة رئيس الوزراء الإسرائيلي في هذه القمة خلال اتصال هاتفي مع السيسي. وتحدَّث المصدر عن مقترح أميركي بديل لعقد لقاء بين السيسي ونتنياهو من خلال دعوة إدارة ترمب لعقد قمة أميركية-عربية-إسلامية في واشنطن، على أن يلتقي الطرفان على هامشها، بحضور الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.

ومنذ تشكيل حكومة نتنياهو أواخر 2022، تشهد العلاقات المصرية الإسرائيلية توتراً متصاعداً، بلغ ذروته بعد اندلاع الحرب على غزة، إذ عبرت حكومة تل أبيب عن رغبتها في تهجير فلسطينيي القطاع إلى شبه جزيرة سيناء. كما ازداد التوتر بين القاهرة وتل أبيب على خلفية اجتياح الجيش الإسرائيلي مدينة رفح في جنوب القطاع، واحتلال محور فيلادلفيا الحدودي، بما يتعارض مع معاهدة السلام بين البلدين.

الانسحاب الإسرائيلي من غزة

ونبّه خالد عكاشة إلى أن الانسحاب الإسرائيلي الكامل من قطاع غزة والعودة إلى حدود ما قبل 7 أكتوبر 2023 شرط أساسي بالنسبة للقاهرة قبل الحديث عن عقد قمة بين السيسي ونتنياهو، معتبراً أن هذا سيسرّع الانتقال إلى المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. وأضاف أنه بنود المرحلة الأولى من الاتفاق لم تُنفَّذ بالكامل بعد، وسط استمرار الخروقات الإسرائيلية والمماطلة في بدء عملية الانسحاب من قطاع غزة، لافتاً إلى أن هذا الوضع يشكّل قلقاً بالغاً للقاهرة، وهو ما أكده وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي على هامش منتدى الدوحة 2025. وقال عبد العاطي إن إسرائيل تنتهك اتفاق وقف إطلاق النار في غزة يومياً، وتزعم أن الجانب الآخر هو من ينتهك الاتفاق، مؤكداً ضرورة الانتقال المنظَّم إلى المرحلة الثانية من خطة الرئيس ترمب للسلام.

حل الدولتين

وتابع عكاشة بأن «مصر أعلنت نفسها صانعة سلام وتسعى لإحلاله في المنطقة»، مؤكداً أن القاهرة تطالب بإعادة فتح المسار السياسي لمبدأ حل الدولتين كخيار وحيد لإرساء السلام المستدام، وهو الموقف الذي تتبناه الدول العربية المعنية بالقضية الفلسطينية، لا سيما السعودية والأردن. وبين أن هذا المطلب يأتي في مقدمة شروط القاهرة، بالتوازي مع تحركات الأشقاء العرب، باعتباره الحل الأمثل لنزع فتيل التهديدات وتحقيق السلام العادل والاستقرار المستدام في المنطقة. وإن كان ذلك خطوة أولى للالتزام بالجداول الزمنية لمراحل اتفاق السلام، وتنفيذ بنوده دون مماطلة إسرائيلية، تمهيداً للحديث عن فتح المسار السياسي لمنح الشعب الفلسطيني حقوقه المسلوبة.

ترتيبات أمنية وتنسيق

الخبير في شؤون الأمن القومي اللواء محمد عبد الواحد أوضح أن المسعى الأميركي لعقد لقاء بين السيسي ونتنياهو لا يتناول الخلافات الأمنية مثل احتلال إسرائيل لمحور فيلادلفيا أو تأمين الحدود المشتركة، بل يهدف إلى تحريك المياه الراكدة في العلاقات بين الطرفين منذ بداية الحرب على غزة وربطها بمصالح اقتصادية، على غرار صفقة الغاز الإسرائيلي لمصر. وأضاف أن إسرائيل ترفض مناقشة القضايا الأمنية والانسحاب من محور فيلادلفيا في الوقت الحالي، متذرعة بمزاعم تهريب الأسلحة إلى غزة عبر مسيّرات قادمة من مصر، مشدداً على أن هذه النقطة ستكون مطلباً مصرياً رئيسياً بالتأكيد. وتوقع عقد لقاء بين السيسي ونتنياهو ولو تأخر قليلاً، مشيراً إلى إمكانية التوصل لتفاهمات في حال عقد اللقاء لإحلال القوات الدولية المقرر دخولها إلى غزة، بدلاً من القوات الإسرائيلية على طول محور فيلادلفيا الحدودي. ورغم ذلك، أكد وجود اتصالات وتنسيق مشترك بين القاهرة وتل أبيب، مستنداً إلى زيارة رئيس المخابرات المصرية حسن رشاد الأخيرة إلى تل أبيب ولقائه نتنياهو، إضافة إلى وفود إسرائيلية متواصلة إلى القاهرة، وكان آخرها نهاية الأسبوع الماضي بعد إعلان إسرائيل عن فتح معبر رفح لخروج الفلسطينيين فقط، فيما شددت مصر على رفض المزاعم الإسرائيلية والتمسك بتشغيل المعبر بشكل طبيعي في الاتجاهين وفق اتفاق شرم الشيخ.

وكان موقع أكسيوس قد نقل عن مسؤول أميركي وآخر إسرائيلي القول إن البيت الأبيض يسعى لوساطة لعقد قمة بين السيسي ونتنياهو، كما نقل عن مسؤولين أميركيين قولهم إن على نتنياهو الموافقة أولاً على صفقة الغاز الاستراتيجية بين مصر وإسرائيل، وأن يتخذ خطوات أخرى تشجع الرئيس المصري على القبول بعقد لقاء بينهما. وأكد مسؤول أميركي أن «هذه فرصة كبيرة لإسرائيل.. من خلال بيع الغاز لمصر سيخلق حالة من الاعتماد المتبادل، ويقرّب البلدين أكثر، ويؤسس لسلام أكثر دفئاً ويمنع الحرب». كما أشار الموقع إلى أن الولايات المتحدة تدرس مبادرات مشابهة تركز على حوافز اقتصادية لدول عربية، من بينها لبنان وسوريا، كي يمكن إقامة علاقات مع إسرائيل، وأن جاريد كوشنر أبلغ نتنياهو بأن إسرائيل بحاجة إلى «دبلوماسية اقتصادية وإشراك القطاع الخاص في عملية السلام».

وترتبط مصر وإسرائيل بمعاهدة سلام منذ عام 1979، إذ كانت أول دولة عربية توقع اتفاق سلام مع إسرائيل، ومرّت العلاقات الثنائية بين الجانبين بمراحل من الهدوء والتوتر مع مرور الوقت، خصوصاً في أعقاب حروب سابقة وأحداث أقاليمية متفرقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى