عام على سقوط نظام الأسد في سوريا: اقتصاد جديد يبرز رغم التحديات

شهدت سوريا خلال عام واحد من سقوط النظام تحولات اقتصادية ومعيشية كبيرة، وترافق ذلك مع خسائر كبيرة بشرية واقتصادية جراء حرب استمرت سنوات طويلة.
رفع العقوبات وتأثيرها
رفع غالبية العقوبات الغربية المفروضة على النظام السابق سمح بدخول مؤسسات مالية عالمية وتسهيل التجارة وتدفقات الاستثمار المرتب للإعمار، وتتوقع تقارير اقتصادية أن تصل تكلفة إعادة الإعمار إلى نحو 216 مليار دولار. وبحسب محافظ المصرف المركزي، كان رفع العقوبات بمثابة معجزة سمحت بإعادة الدخول إلى الأسواق العالمية، بينما ملف القيصر الأميركي لا يزال قيد النقاش في الكونغرس وتُركت قراره للسنوات القادمة.
أدى ذلك إلى ارتفاع تدفقات الاستثمار العربي والغربي إلى سوريا، حيث أشارت تصريحات صدرت إلى أن قيمة الاستثمارات خلال أشهر من سقوط النظام بلغت عشرات مليارات الدولارات مع توقعات بارتفاعها مستقبلاً، إضافة إلى إعلان خطط لاستثمارات كبيرة في مشاريع بنى تحتية ونقل عامة وتطوير مطار دمشق الدولي وشبكات نقل أخرى.
الدور الدولي والمالي في النظام الجديد
دخلت سوريا في مسار دولي لتحديث نظامها المالي، حيث جرى تنفيذ تحويلات مالية وسياسات دفع جديدة، وتوقيع اتفاقات مع مؤسسات عالمية في مجال المدفوعات والتمويل، وإعادة فتح قنوات تعامل مصرفي مع بنوك إقليمية وعالمية. كما أُعلن عن وجود تعاون مع مؤسسات التمويل الدولية لاستكمال برامج منح ومشروعات عاجلة في قطاعات مختلفة، بما فيها الطاقة والبنية التحتية.
وظهر توجه حكومي لإعادة بناء المنظومة المصرفية عبر فتح الباب أمام تأسيس مصارف جديدة، وتحديث أطر التنظيم والحوكمة، مع خطة للوصول إلى عدد أكبر من المصارف في إطار رؤية اقتصادية تستهدف نمواً مستداماً وتوسيع قاعدة المستثمرين، إلى جانب العمل على تأسيس مركز صيرفة إسلامية يهدف إلى جعل سوريا مركزاً مالياً إقليمياً إلى جانب الدول الخليجية وماليزيا.
القطاعات الإنتاجية والطاقة
تركّزت الجهود بشكل خاص على قطاع الطاقة بما في ذلك الكهرباء والغاز والنفط، مع إجراءات لإعادة تأهيل الموانئ والشبكات ونظم النقل لرفع الإنتاج وتوفير الخدمات الأساسية. فشهد قطاع الكهرباء تحسناً جزئياً بلغ معه إنتاج الطاقة زيادة ملحوظة، وتحسنت التغذية الكهربائية في عدد من المحافظات كما أُعلن عن وصول الكهرباء إلى دمشق على مدار 24 ساعة لأول مرة منذ 2011، غير أن التقديرات تشير إلى أن استقرار التيار يحتاج عدة سنوات وتكلفة إعادة تأهيل القطاع تقارب عشرات مليارات الدولارات.
أما قطاع النفط والغاز فحظي أيضاً باهتمام حكومي، فكون سوريا تملك مصفاتين رئيسيتين ومشروعات لاستعادة وزيادة الإنتاج، وتوقيع مذكرات تفاهم مع شركات عالمية لاستثمار الغاز والغاز المصاحب وتحسين الإنتاج، إضافة إلى جهود لإعادة تشغيل مصفاة بانياس ومشروعات لبناء مصفاة جديدة بطاقة إنتاجية أعلى، مع العمل على تحسين قطاع النقل وربط مصادر الطاقة بشبكات النقل والإمداد العامة.
التوصيل والنقل وسلاسل الإمداد
أُديرت ملفات النقل وسلاسل الإمداد بشكل مركزي لإعادة ربط سوريا بسلاسل الطاقة والسلع مع دول الجوار ومناطق أقليمية، عبر تعزيز تحويل الوقود والمنتجات وتحديث خطوط النقل وتطوير الموانئ وإدارة المناطق الحرة. كما أُعلن عن دخول شركات عالمية في إدارة واستثمار موانئ طرطوس واللاذقية وتحديث خطوط نقل الكهرباء مع تركيا، إضافة إلى مشروعات ربط إنشائية ولوجستية مع لبنان والعراق، وتبنّي هيئة عامة للنوافذ الجمركية والمنافذ بهدف تحسين الإجراءات وتسهيل حركة التجارة والتبادل.
الاستثمار السياحي والقطاعات الخدمية
رغم الدمار الإسرائيلي الذي طال البنى السياحية، أُطلقت حزمة مشاريع سياحية بقيمة كبيرة تشمل تطوير منشآت فندقية ومناطق ترفيهية ومدن سياحية، كما جرى توقيع مذكرات تعاون لاستثمار في الساحل والمنطقة الشرقية من البلاد، وعبّرت شركات عربية وعالمية عن نيتها العودة للسوق السورية وتوسيع حضورها، بما يعزز الحركة السياحية والاقتصاد المحلي.
التغييرات الاقتصادية والهيكلية
يتركّز الجهد التنظيمي على تحديث النظام الضريبي وتطوير سوق دمشق للأوراق المالية وتحسين حوكمة الشركات العامة وتنشيط قطاع التأمين، مع خطط لإصلاح هيكلي تشمل خصخصة بعض الشركات الحكومية وتطوير القطاع الخاص ليكون محركاً للنمو الاقتصادي، إضافة إلى مناقشات حول تغيير العملة وتخفيف أعداد الفئات النقدية وتبعاتها، مع إعلان خطوات لإعداد الإطار المؤسسي لاستقرار سعر الصرف وتسهيل التعاملات المالية.
التقييم المستقبلي والتوقعات
تشير التقديرات إلى أن التحولات الاقتصادية التي جرت قد تفتح مساراً اقتصادياً مختلفاً عن الماضي وتُراجع الاعتماد على القطاع العام بشكل أساسي، مع توقع نمو اقتصادي أسرع في الأعوام القادمة ودعم محتمل من عودة اللاجئين. كما أشار مسؤولون إلى أن القطاع الخاص سيكون في مقدمة الاقتصاد وأن الدولة لن تمول مشاريع دون مشاركة القطاع الخاص، وهو تحول رئيسي في إطار رؤية اقتصادية جديدة.




