اخبار سياسية

من كلينتون إلى ترمب: مشهدان يعكسان الضغوط الأميركية على أوكرانيا

ضغطت الولايات المتحدة على كييف لقبول تنازلات بهدف إنهاء الحرب مع روسيا، وهو أسلوب يذكّر بموقف إدارة كلينتون في 1994 حين دفعت كييف نحو توقيع اتفاق بودابست عبر مزيج من حوافز اقتصادية وعسكرية، إضافة إلى ترهيب سياسي بأن استمرار كييف دولة نووية سيبعدها عن الغرب.

خلفية تاريخية وأطر قانونية

عند انهيار الاتحاد السوفيتي وجدت أوكرانيا نفسها تمتلك مئات الصواريخ العابرة للقارات وقاذفات برؤوس نووية سوفيتية، ما جعلها على الورق ثالث أكبر مخزون نووي في العالم، رغم أن إعلان استقلال كييف في 1990 كان يشير إلى دولة بلا سلاح نووي.

وتطرح دراسة لمركز أبحاث العلاقات الدولية في ستانفورد أسئلة حول كلفة تفكيك الصواريخ والبنية التحتية، وكيف تُعوَّض قيمة اليورانيوم عالي التخصيب في الرؤوس الحربية، وما الضمانات الأمنية إذا تخلّت عن مظلة الردع النووي في ظل الخوف المستمر من الجار الروسي.

والولايات المتحدة وضعت في مقدمة أجندة كييف بند “إخراج السلاح النووي من أوكرانيا”، ووصف تقرير لمؤسسة بروكنجز الأميركية كيف تحولت واشنطن من مراقب إلى وسيط بين كييف وموسكو لتصميم صفقة ثلاثية تُخرج كل الرؤوس النووية نحو روسيا مقابل تعويضات اقتصادية ومساعدات فنية وتعهّدات سياسية بأمن أوكرانيا.

نزع السلاح النووي وأساليب الضغط

كان أسلوب الضغط في إدارة كلينتون آنذاك مركّباً بين الترغيب بمساعدات وتقديم ضمانات، وبين التهديد بأن بقاء أوكرانيا دولة نووية سيؤثر سلباً في علاقاتها مع الغرب، وهو ما رُبط علناً خلال مؤتمر صحافي في واشنطن في مارس 1994 حين قال كلينتون إن تمويل برنامج CTR لتفكيك الأسلحة مرتبط بتنفيذ كييف لالتزاماتها في نزع السلاح والانضمام إلى معاهدة حظر الانتشار النووي.

ويوضح تقرير معهد ستانفورد أن خيار الاحتفاظ بالسلاح النووي كان سيعزز عزلة كييف سياسياً ويحرمها من المساعدات الغربية الحيوية، في حين ربطت واشنطن دعمها بمساعدات اقتصادية وعمليات اندماج مع مؤسسات الغرب وشراكة من أجل السلام مع الناتو في الأعوام التالية.

وفي يناير 1994 سعى كلينتون إلى موسكو لتوقيع الاتفاق الثلاثي، لكنه حين عُدِي من براج إلى موسكو توقف في كييف حيث استقبله كرَفتشوك وزملاؤه، فأكد كرَفتشوك التزامه بالاتفاق وتجنب أي خداع في اللحظة الأخيرة لاحقاً، فيما بدا كإرهاصات لضمانات ثلاثية بين الولايات المتحدة وروسيا وبريطانيا.

مذكرة بودابست والالتزامات الأمنية

في 5 ديسمبر 1994 وُقِّعت في بودابست مذكرة الضمانات الأمنية ضمن سياق انضمام أوكرانيا إلى معاهدة حظر الانتشار النووي، وتضمّنت التزامات من واشنطن وموسكو ولندن تجاه كييف هي: احترام استقلال كييف وحدودها، الامتناع عن التهديد أو استخدام القوة ضد سلامة أراضيها واستقلالها السياسي، الامتناع عن الإكراه الاقتصادي، التحرك الفوري لمجلس الأمن إذا تعرضت أوكرانيا لعدوان نووي، عدم استخدام السلاح النووي ضد دولة غير نووية، والتشاور المشترك في حال نشوء إشكال حول هذه الالتزامات.

لكن المصطلحات تعرّضت لتمييز مهم بين “ضمانات أمنية” و”تعهدات/طمأنة أمنية”، إذ أصرّت الخارجية الأميركية على استخدام كلمة Assurance الأقل إلزاماً كي لا يفهم النص كمعادل للمادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو، وهو فارق في مستوى الالتزام العسكري.

بعد أكثر من ثلاثة عقود، تجد كييف نفسها مرة أخرى أمام ضغط أميركي بشأن الحرب مع روسيا، حيث أشارت تقارير إلى رغبة ترامب في إعداد كييف لتقديم تنازلات، بما في ذلك تقليل تحفظها حول سيطرة روسيا على دونباس والقرم، مقابل حزمة اقتصادية ومساعدات تقنية، وهو ما فُسِّر بأنه توجه نحو إنهاء الحرب عبر تسويات مع شروط موسكو.

ومنذ اندلاع الحرب في 2022، تدفقت إلى كييف مليارات الدولارات من دعم الغرب بجانب الولايات المتحدة، ومع ذلك أبدت الإدارة التي تتغطّى بإشراف ترامب رغبة في تقليل الدعم والدفع نحو تسوية سياسية، وهو ما لاقى انتقادات واسعة داخل أوروبا وأوكرانيا، وتحدثت تقارير عن وجود انقسام في واشنطن بين فريق يضم روبيو وفانس بشأن كيفية التعامل مع الحرب.

أساليب الضغط الحديثة على كييف

تتنوع أساليب الضغط الأميركي على كييف بين التهديد بإيقاف المساعدات العسكرية وتقديم حزمة مادية واقتصادية ضخمة في المقابل، وبين رفع مستوى التطمينات الأمنية غير الملزمة، وهو ما بدا واضحاً في خطاب كان فيه التهديد بوقف المساعدات جزءاً من أسلوب الإقناع لإجبار كييف على قبول تنازلات تشمل الاعتراف بواقع سيطرة روسيا على أجزاء من دونباس وكرم الأراضي في مقابل حزمة اقتصادية، وهو ما وُصف بأنه ضربة من نوع “الإكراه السلبي”.

وعلى صعيد الوعود الاقتصادية، ارتبطت مبادرات كثيرة بمساعدة أوكرانيا اقتصادياً مقابل تفكيك ترسانتها النووية وتخليها عن مظلة الردع، كما رُبطت خطة ترمب بإطار يتيح للولايات المتحدة الحصول على نصف عوائد استغلال المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا كإجراء يحد من سيادتها اقتصادياً، وهو ما رُبط بتحليل بروكينجز باعتباره خرقاً لمبادئ المذكرة.

أما في ما يخص الضمانات الأمنية غير الملزمة، فكانت بودابست تؤكد احترام السيادة والحدود بدون التزام عسكري حاسم، وهو ما بدا غير كافٍ عندما لُقّمت روسيا السيطرة على القرم عام 2014 ثم الحرب الشاملة عام 2022، بينما تشبه خطة ترامب تقديم ضمانات ثنائية تُعنى بالدعم في حال الاعتداء لكنها تبقى غير فعالة إذا تجاوزت كييف خطاً نووياً أو هاجمت روسيا.

تظهر هذه المقارنة أن ملامح الضغط عبر المساعدات الاقتصادية والالتزامات غير الملزمة والتهديدات السياسية تبقى أدوات ضغط ذات أثر محدود إذا لم يقترن ذلك باتفاقات ملزمة وبتصميم واضح لاستقرار الأمن والاستقرار الاقتصادي في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى