الصناعات الدفاعية والتسلّح: سجال يتصاعد عبر ضفتي الأطلسي

ندد نائب وزير الخارجية الأميركي كريستوفر لاندو خلال اجتماع وزراء خارجية الناتو بأن حلفاءه الأوروبيين يضعون أولوية لشركات الدفاع الأوروبية على حساب موردي الأسلحة الأميركيين، وذلك أثناء اجتماع الناتو الذي عُقد الأربعاء الماضي وشهد غياب وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو.
رسالتان رئيسيتان ولغة حازمة
وفق مسؤول في وزارة الخارجية، وجه لاندو رسالتين رئيستين: الأولى تدعو أوروبا إلى تحويل التزامات الإنفاق الدفاعي إلى قدرات ونماذج فعلية، والثانية تحذر من أن السياسات الحمائية والإقصائية التي تستبعد الشركات الأميركية من السوق تُضعف الدفاع الجماعي للحلف.
ودعا لاندو الوزراء إلى عدم التنمر على شركات الدفاع في بلاده ومنعها من المشاركة في إرسال الأسلحة الأوروبية وإعادة تسليحها، مؤكداً أن الحلف يعتمد على مشاركة واسعة من موردي الأسلحة الأميركيين كجزء من دفاعه المشترك.
وذكر مسؤول أن لاندو عرض هاتين النقطتين كجزء من موقف واشنطن الحريص على توازن سوق الأسلحة وعدم إقصاء الشركات الأميركية من مشاريع التسلح الأوروبية.
التزامات عسكرية وتوجهات شراء
وعد الحلفاء في الناتو بأن ينفقوا 5% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع بحلول عام 2035، كما خصص الاتحاد الأوروبي 150 مليار يورو كمنح دفاعية للمشتريات المشتركة، مع فرض ضوابط تشجع على الشراء من داخل أوروبا وتقليل الاعتماد على موردين من خارج القارة.
وتعكس هذه التعهدات زخماً أوروبياً لتعزيز صناعاتها الدفاعية في سياق مخاوف من احتمال هجوم روسي على أوروبا بنهاية هذه العقد، مع تركيز على تعزيز الإمدادات والقدرات الذاتية للردع والدفاع.
انتقادات وضغوط أميركية متجددة
وتشكل التصريحات الأخيرة جزءاً من سلسلة طويلة من الانتقادات الأميركية لشركاءها الأوروبيين، خصوصاً في ملفات التجارة وتعديل التوازنات الدفاعية وتقليل القيود التي تُقوّض مشاركة الولايات المتحدة في مشاريع أمنية مشتركة. وقد دافع الرئيس السابق دونالد ترمب مرات عدة عن قسمة غير متكافئة في الأعباء والرسوم، ووصف التطلعات الأوروبية بأنها تمثل “ابتزازاً” تجارياً، فيما اعتُبرت مطالب واشنطن التجارية من جانب آخر عدائية في بعض العواصم الأوروبية.
تأكيدات أوروبية وكندية وخطة مشتركة
وأشار الأمين العام للناتو إلى تعهدات أوروبية وكندية بتقديم نحو أربعة مليارات دولار لهذه الخطة، في إطار جهود لتعزيز قدرات الدفاع المشترك وتوفير أسلحة أساسية لأوكرانيا، ضمن إطار الدعم العسكري واسع النطاق الذي تقوده الإدارة الدولية.
سوق دفاعية واعدة وتحدياتها
يسعى مصنعو الأسلحة الأميركيون إلى كسب ود نظيراتهم الأوروبية وتعميق الشراكات معها لضمان استمرار وجودهم في سوق الإنفاق العسكري الأوروبي المتنامي، وهو ما تُفسره مصادر القطاع بأنه فرصة لا يجب تفويتها مع استمرار الحرب في أوكرانيا وتزايد المطالب الأوروبية للدفاع الوطني المستقل.
ويؤكد خبراء القطاع أن الشركات الأميركية الكبرى ترتبط بعلاقات طويلة الأمد مع عملاء أوروبيين، وهو ما يعزز استمرار حضورها في القارة ووجودها كجهة رئيسة في سلسلة التوريد والدعم العسكري الأوروبي.
دور أوروبا في سوق الأسلحة العالمية
شكلت السوق الأوروبية نحو 11% من إيرادات شركة لوكهيد مارتن وRTX في 2024، كما تعمل عدة جيوش أوروبية حاملاً مقاتلات F-35 أميركية الصنع، وتستحوذ صواريخ باتريوت من RTX على حصة كبيرة في سوق الدفاع الجوي الأوروبي. كما تستعد مشاريع مشتركة لإنتاج صواريخ واسعة النطاق بين لوكهيد مارتن وراينميتال، بينما يعمل مشروع بين رايثيون وMBDA الأوروبية لصناعة صواريخ باتريوت للدول الأعضاء في حلف الناتو داخل ألمانيا.
وتسيطر الولايات المتحدة حالياً على حصة كبيرة من التدفقات العالمية للأسلحة، في حين ارتفع دور أوروبا كوجهة إستيراد رئيسية مع ازدياد الاعتماد الأوروبي على الواردات خلال السنوات الخمس الأخيرة.
الشركات الأميركية أكبر المستفيدين من السوق الأوروبية
تشير بيانات معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام إلى أن الشركات الأميركية تملك حصة كبيرة من صادرات الأسلحة العالمية في السنوات الخمس الأخيرة، مع ارتفاع نسبة الاعتماد الأوروبي على الواردات من الولايات المتحدة مقارنة بما كان عليه في السابق. إذ زادت واردات الدول الأعضاء في حلف الناتو من الأسلحة الأميركية بشكل ملحوظ خلال 2020–2024 مقارنة بالفترة 2015–2019، مع أن الولايات المتحدة ظلت المصدِّر الأكبر لأوروبا في هذه الفترة، متفوقة على شركات من فرنسا وكوريا الجنوبية وألمانيا وإسرائيل.
نمو الصناعة الدفاعية الأوروبية وتحدياتها
شهد قطاع الدفاع الأوروبي نمواً قوياً بلغ 13.8% في 2024 ليصل حجم الإيرادات إلى نحو 183.4 مليار يورو (213 مليار دولار)، مع ارتفاع عدد العاملين في القطاع إلى 633 ألف وظيفة. وتُحمِّل الرابطة الأوروبية للصناعات الفضائية والأمن والدفاع العديد من التحديات، منها اختناقات سلاسل التوريد ونقص المواد الخام والمكوّنات الإلكترونية وارتفاع تكاليف الطاقة، إضافة إلى قيود سوق العمل والآثار التجارية للعقوبات على روسيا.
وقال ميكائيل يوهانسون، رئيس الرابطة والرئيس التنفيذي لشركة Saab، إن على الأوروبيين ضمان استمرار دعم الصناعات الدفاعية لبناء القدرات السيادية التي تعزز الردع والدفاع، ولا يجوز توقفها عند مجرد وقف لإطلاق النار أو بدء مفاوضات، مشدداً على ضرورة استمرار الاستثمار في الصناعات الدفاعية.
خلاصة الوضع الراهن وتوقعات المستقبل
تسعى أوروبا لرفع قدراتها الدفاعية بشكل مستمر، مع تعزيز الشراكات مع الولايات المتحدة وتكثيف إنتاج الأسلحة والتطوير التكنولوجي، في حين تبقى تحديات سلسلة التوريد والكلفة والقيود التجارية الدولية نقاط مراجعة ومواجهة مستمرة. وتبقى العلاقات الأميركية الأوروبية، خصوصاً فيما يتعلق بالإنفاق الدفاعي والتجارة والأسلحة، محوراً رئيسياً في نقاشات الحلف، مع ترقب لردود الدول الأوروبية على دعوات التمويل والشفافية وتوسيع قاعدة الموردين المحليين وتعديل سياسات الشراء لتحقيق توازن أقوى في الدفاع الجماعي.




