مادورو.. خليفة تشافيز في بؤرة التصعيد الأميركي ضد فنزويلا

يُعدّ نيكولاس مادورو موروس من أكثر الشخصيات السياسية إثارة للجدل في أميركا اللاتينية خلال العقود الأخيرة، إذ انتقل من العمل سائق حافلة إلى رأس السلطة في فنزويلا، ليتولى قيادة البلاد في مرحلة اتسمت بالتقلبات السياسية والاضطرابات الاقتصادية والتوترات الدولية.
بدايات الحياة والصعود الأول
وُلد مادورو في 23 نوفمبر 1962 في كاراكاس، وعمل في بداياته سائقاً لحافلة في شبكة مترو كاراكاس، وكان عضواً في نقابة النقل، وشارك في حملات تطالب بإطلاق سراح هوجو تشافيز عقب محاولة الانقلاب عليه في عام 1992، ثم ساعده لاحقاً في تأسيس حزب حركة الجمهورية الخامسة.
بدأ صعوده السياسي في عام 1999 حين أُنتخب لعضوية الجمعية الوطنية التأسيسية المكلفة صياغة دستور جديد، ثم فاز في انتخابات الجمعية الوطنية في عام 2000، وتدرج داخل المؤسسة حتى وصل إلى رئاستها في الفترة بين 2005 و2006.
فترة الحكم الأولى والصدامات الدولية
وفي عام 2006 دخل مادورو الحكومة وزيراً للخارجية حتى عام 2013. وفي 12 أكتوبر 2012 اختاره تشافيز نائباً للرئيس، ثم أعلن في 9 ديسمبر من العام نفسه ترشيح مادورو لخلافته في حال غيابه.
بعد وفاة تشافيز أدى مادورو اليمين رئيساً مؤقتاً في 8 مارس 2013، وخاض الانتخابات الرئاسية في 14 أبريل من العام نفسه، ليفوز بفارق ضئيل، وفي 19 أبريل أدى اليمين رئيساً للجمهورية.
بعد أشهر من توليه السلطة اتخذ خطوات تصعيدية ضد الولايات المتحدة فطرد في سبتمبر 2013 ثلاثة دبلوماسيين أميركيين، متهمينهم بالضلوع في انقطاع كهربائي واسع.
أزمات اجتماعية وسياسية وتداعياتها الدولية
شهدت سنوات حكمه الأولى احتجاجات طلابية بارزة، ففي 12 فبراير 2014 لفتت الاحتجاجات الأنظار الدولية وسط تدهور اجتماعي واقتصادي، وفي 20 فبراير ألغت فنزويلا تصاريح عمل مراسلي شبكة CNN ورفضت إصدار تراخيص لمراسلين جدد بعد تهديد مادورو بطرد الشبكة إذا لم تصحح تغطيتها، ثم أعادت السلطات التصاريح في اليوم التالي. وفي 21 فبراير دعا مادورو الولايات المتحدة إلى قبول التحدي وإجراء محادثات مباشرة.
في 15 يناير 2016 أعلن مادورو حالة الطوارئ الاقتصادية بعد نشر بيانات اقتصادية متأخرة، ثم وسع الإجراءات بإعلان حالة طوارئ دستورية في 13 مايو من العام نفسه.
وفي 30 أكتوبر 2016 شارك للمرة الأولى في محادثات مع المعارضة، وفي 1 مايو 2017 أعلن توقيع مرسوماً يمهد لتعديلات دستورية تعيد تشكيل السلطة التشريعية وتوسع صلاحياته.
وفي 30 يوليو 2017 جرت انتخابات لاستبدال الجمعية الوطنية بهيئة تشريعية جديدة موالية له تسمى “الجمعية التأسيسية”، وسط اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الأمن أودت بحياة 6 أشخاص. وفي اليوم التالي فرضت وزارة الخزانة الأميركية عقوبات على مادورو وحظرت على الأميركيين التعامل معه.
إعادة الانتخاب ومحاولات انقلاب وتداعياتها الدولية
أعلن ترشحه لولاية جديدة في 24 يناير 2018، وشهدت انتخابات 20 مايو عزوفاً كبيراً بعد حملة تشكيك واسعة من المعارضة والمجتمع الدولي، إذ تراجعت نسبة المشاركة إلى 46% مقارنة بـ80% في 2013، واعتبرت مجموعة ليما الانتخابات غير شرعية.
وبعد أشهر، في 4 أغسطس 2018، تعرض مادورو لمحاولة اغتيال عبر طائرات مُسيرة محملة بالمتفجرات خلال عرض عسكري. وفي 8 سبتمبر كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن اجتماعات سرية بين ضباط فنزويليين ومسؤولين أميركيين خططوا لانقلاب عسكري.
وفي 17 سبتمبر 2018 واجه مادورو انتقادات بعد ظهوره وهو يتناول وجبة فاخرة أعدها الشيف التركي نصرت جوكشيه، في ظل أزمة اقتصادية تعصف بالبلاد. وبعد ذلك، فرضت واشنطن في 25 سبتمبر عقوبات على زوجته وأقربائه من الدائرة المقربة. وفي 26 سبتمبر تحدث مادورو أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، واصفاً الأزمة الإنسانية بأنها “مختلقة”، واتهم الولايات المتحدة وحلفاءها بمحاولة التدخل في شؤون فنزويلا.
وفي 8 أكتوبر توفي أحد المتهمين في محاولة اغتياله إثر سقوطه من الطابق العاشر، وقالت الاستخبارات الفنزويلية إنه انتحر.
وفي 10 يناير 2019 أدى مادورو اليمين لولاية ثانية، رغم امتناع دول ديمقراطية عن الاعتراف به، بينما أعلنت منظمة الدول الأميركية عدم الاعتراف بشرعيته.
وفي 23 يناير 2019 أعلن رئيس الجمعية الوطنية خوان غوايدو نفسه رئيساً مؤقتاً، واعترفت به الولايات المتحدة، فيما طرد مادورو الدبلوماسيين الأميركيين من البلاد.
وفي 30 أبريل 2019 أعلن مادورو إحباط محاولة انقلاب شارك فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي جون بولتون، بينما قال وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو إن مادورو كان يستعد لمغادرة البلاد قبل أن تقيده روسيا.
تصعيدات دولية وتهم فساد وعقوبات
وجهت وزارة العدل الأميركية في 2020 اتهامات بالإرهاب المرتبط بالمخدرات وجرائم أخرى إلى مادورو وعدد من كبار مسؤولي حكومته، متهمة إياهم بقيادة عصابة “كارتل دي لوس سولس” والتعاون مع حركة “القوات المسلحة الثورية الكولومبية” للفَرش المخدرات. وُصف مصطلح “كارتل دي لوس سوليس” بأنه ليس تنظيماً قائماً بذاته، بل يعكس اتساع الاتهامات بفساد كبار الضباط الذين اتُّهموا بتكوين ثروات من تجارة المخدرات.
الأثر والتبعات حتى العقد الثالث من الألفية الثالثة
في 10 يناير 2025 أدى مادورو اليمين لولاية رئاسية ثالثة، وسط جدل دولي واسع وانتقادات أميركية على خلفية نتائج الانتخابات.
طوال رئاسته ظل مادورو محوراً رئيسياً في أزمات بلاده مع الولايات المتحدة، مع تباين مواقف الإدارات الأميركية وتواتر التصعيد، إلى أن بدا التوتر الأخير نقطة مفصلية في تاريخ العلاقات، خاصة مع مخاوف من تدخل عسكري أميركي مباشر لتغيير النظام السياسي في كاراكاس، حيث يهيمن اليسار الراديكالي على مقاليد الأمور لعقود.




