صمت ترمب إزاء تايوان: تعزيز النفوذ أم التخلي عن التحالفات التقليدية؟

أثار صمتُ الرئيس الأميركي تجاه تايوان تساؤلاتٍ كبيرة حول مدى الالتزام الأميركي، خصوصاً مع تصاعد القوة العسكرية الصينية ورغبة شي جين بينغ في إرسال رسالة للعالم بأن تايوان جزء من الصين.
لقاء شي مع ترامب وتكتيك الغموض
ذكرت وول ستريت جورنال أن شي نقل خلال مكالمة مع ترامب رسالة تركز على ضرورة أن تعود تايوان إلى الصين، وأنه سعى لإبقاء التوتر في مستوى غير حاسم بين واشنطن وتايبيه. وفي المقابل، بدا أن ترامب امتنع عن توجيه صيغة علنية حول دفاع الولايات المتحدة عن تايوان، وهو ما أشار إليه بعبارة غير صريحة عندما سُئل في برنامج 60 دقيقة عما إذا كان سيأمر القوات الأميركية بالدفاع عن تايوان، فكان جوابه: ستعرفون إذا حدث ذلك.
وكان اللقاء بين ترامب وبكين في كوريا الجنوبية قد جرى في أجواء إيجابية حول الاتفاقيات التجارية، ولم يُطْرَح موضوع تايوان بشكل صريح في تلك القمة. كما أشار تقرير الصحيفة إلى أن الغرض من رسالة شي كان خلق فجوة بين الولايات المتحدة وتايوان، بينما أكد لترمب أن تايبيه يجب أن تعود إلى الصين.
وفي منشور على منصة تروث سوشيال بعد المكالمة، قال ترامب إن علاقته مع الصين قوية، دون الإشارة إلى تايوان، في حين نفى مكتب رئيس الوزراء الياباني أن تكون تصريحات ترامب قد صدرت فعلاً.
تايوان: صمت ترمب يحمل الكثير من العناوين
قال رئيس تايوان لاي تشينغ-ته إن العلاقة مع الولايات المتحدة صلبة، وإن التعاون خلال فترة رئاسة ترامب الثانية كان مستمراً، ما يعزز الثقة بمستقبل العلاقات مع واشنطن. وأكدت الصحيفة أن تايوان تعتمد بشكل كبير على الدعم العسكري الأميركي، وأن صمت ترمب يثير قلقاً في تايبيه حيال احتمال تقليص الدعم مقابل مكاسب اقتصادية.
وترى الصحيفة أن مخاوف من أن يغير ترامب مستوى الدعم كجزء من مفاوضات تجارية مع الصين كانت أحد المحاور التي تراقبها تايوان، بالنظر إلى أن واشنطن استخدمت في الماضي دعمها لأوكرانيا كأداة ضغط في سياق مفاوضات السلام مع روسيا.
صمت ترمب يعزز النفوذ الأميركي
يُنظر إلى صمت ترمب على نحو يعزز النفوذ الأميركي، فبينما حافظت واشنطن على اتفاقيات أسلحة كبيرة لتايبيه، يعبِّر ذلك عن ضغوط مارسها شي بشأن تايوان خلال المكالمة، مع عدم تقديم ترامب لإجابة حاسمة عن مستقبل التدخل الأميركي.
يظل الأمن التايواني مركزاً في الاستراتيجية الأميركية في المحيط الهادئ، حيث توجد قواعد في كوريا الجنوبية واليابان وغوام لردع الصين جزئياً. وأعلنت الولايات المتحدة هذا الشهر عن مبيعات أسلحة جديدة لتايوان، وهي الأولى خلال ترمب في ولايته الثانية، وتسلّمت تايوان دبابات Abrams، وتسعى لتطوير قدراتها في استخدام طائرات هجومية مسيرة من طراز Altius-600M، كما يتلقى أفراد الجيش التايواني تدريبات دورية من القوات الأميركية، بما في ذلك وحدة من المارينز التايوانيين التي تدربت في غوام.
تحفيز الإنفاق الدفاعي التايواني
وشدَّدت إدارة ترمب على زيادة إنفاق تايوان الدفاعي، بما يجعل كل دولارٍ ينفقه تايوان دفاعياً ورقةً للحفاظ على الدعم الأميركي المستمر. ووعد لاي بزيادة الميزانية العسكرية لتصل إلى 5% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول 2030، مقابل نحو 3.32% المقررة للسنة المقبلة.
وتعكس التطورات تداعياتٍ سياسية أيضاً، إذ يعتمد الدعم الشعبي للحزب الديمقراطي التقدمي في تايوان بشكلٍ كبير على جاهزية الجزيرة لمواجهة الصين وصد محاولات بكين في “المنطقة الرمادية” لإخضاع تايوان بدون قتال. وتذكر الصحيفة أن بايدن صرّح علناً بأن الولايات المتحدة ستدافع عن تايوان في حال غزتها الصين، لكن مسؤولي البيت الأبيض تراجعوا عن هذه التصريحات لاحقاً، فيما يرى خبراء أن ترمب ظل ملتزماً بسياسة الغموض الاستراتيجي، وأنه لم يتحدث عن تايوان بشكل عشوائي أو بتهاون خلال فترتيه.
تداعيات الغموض والسياسات المستقبلية
يؤكد المسؤولون في تايوان أن صمت ترامب لا يعكس تأييداً لقرارات شي فحسب، بل يعبّر أيضاً عن غموض في الموقف الأميركي يترتب عليه نتائج عملية على الاستعداد الشعبي للدفاع عن الجزيرة. إذ تبقى الأسئلة قائمة حول ما إذا كانت واشنطن ستتدخل فعلياً في حالة هجوم صيني، وكيف ستوازن بين دعم تايوان ومصالحها الاقتصادية أو مفاوضاتها مع الصين في سياق مصالح أوسع في المحيطين الهندي والهادئ. وتظل الرسالة الأساسية أن صمتاً حذراً قد يمنح واشنطن مساحةً للمناورة، ولكنه في الوقت نفسه يطرح تحديات أمام ثبات التزام طويل الأجل تجاه تايوان.




