التجنيد التطوعي والإلزامي: خيار أوروبي في سيناريوهات مواجهة روسيا

إعادة فرنسا للخدمة العسكرية الطوعية
تعلن فرنسا إعادة العمل بالخدمة العسكرية الطوعية للشباب بدءاً من الصيف المقبل، ضمن إطار تعزيز قدرات قواتها استعداداً لأي أزمة محتملة. يتيح البرنامج للمتطوعين بين 18 و19 عاماً الانخراط في مسار لمدة عشرة أشهر، ويتم صرف راتب شهري يتراوح بين 900 و1000 يورو. وتستمر الخدمة بشكل تلقائي في كل عام، مع سعي الإليزيه لجذب نحو 50 ألف شاب إضافي سنوياً بحلول عام 2035.
وقال ماكرون خلال زيارة لقاعدة عسكرية في جبال الألب إن الهدف هو تعزيز الجيش وملء الثغرات في قدراته، مع التأكيد أن التجنيد الإجباري الكامل لن يعود، لكن قد يُستدعى الشباب الذين لديهم مهارات خاصة في أوقات الحرب. ويضم الجيش الفرنسي حالياً نحو 200 ألف جندي و40 ألفاً من قوات الاحتياط، لكن 77 ألفاً فقط منهم يمكن نشرهم حالياً. وتطمح باريس إلى رفع عدد الاحتياطيين إلى 105 آلاف بحلول 2035، مع مساهمة البرنامج التطوعي في تحقيق هذا الهدف.
تُقدَّر تكلفة تدريب نحو 70 ألف شاب بنحو 1.7 مليار يورو سنوياً، بينما من المتوقع أن تصل ميزانية الدفاع إلى نحو 64 مليار يورو في عام 2027. ويُذكر أن الحكومة تسعى لتدريب عدد من المتطوعين تدريجياً وتحقيق أهداف إضافية على صعيد القوة البشرية والعتاد.
التوجهات الأوروبية في مواجهة التهديدات
في مقابل التحديات الأمنية المتزايدة والرؤية المتنامية بأن الولايات المتحدة قد تكون أقل التزاماً بضمان دفاع الحلفاء، تتجه أوروبا لتعزيز قدراتها الدفاعية ومقدرتها على الانتشار. أصدرت ألمانيا والدول الإسكندنافية قوانين لإعادة الخدمة العسكرية أو توسيعها، فيما حافظت بعض الدول مثل فنلندا واليونان والدنمارك على عناصر التجنيد الإلزامي. وتخطط ألمانيا لإطلاق خدمة طوعية اعتباراً من الأول من يناير المقبل brusظروف مالية، مع راتب إجمالي يصل إلى نحو 2600 يورو سنوياً وهدف جذب بين 20 و30 ألف متطوع سنوياً.
يظل الجيش الفرنسي ثاني أكبر جيش في الاتحاد الأوروبي بعد بولندا، حالياً بأكثر من 201 ألف عسكري، وتملك فرنسا نحو 45 ألف عنصر احتياط وتطمح إلى رفع العدد إلى 105 آلاف بحلول 2035، وهو هدف تسهم في تحقيقه خطط الخدمة التطوعية. وفي المقابل، تستمر مقارنة الدول في أوروبا الغربية بين خيار التجنيد الإلزامي وخيار الخدمة التطوعية، مع تفاوت في الموازنة والقدرات والجدوى على المدى البعيد.
مفهوم الدفاع الشامل وتقسيم الرؤية الأوروبية
تُبرز عدة دول في الشمال والبلطيق فكرة «الدفاع الشامل» عبر زيادة أعداد المجندين والاحتياطيين، وتملك فنلندا أحد أكبر الاحتياطيين في العالم نتيجة التجنيد الإلزامي للجميع من الذكور. أَعيدت السويد تجربة التجنيد الانتقائي في 2018 مع تسجيل إلزامي للرجال والنساء وفق اختيار صارم، كما وسّع الدنمارك نطاق التجنيد ليشمل النساء ورفع مدة الخدمة إلى 11 شهراً. في إستونيا يوجد تجنيد إلزامي للذكور بينما تختار لاتفيا وليتوانيا المجندين بالقرعة عند عدم توفر متطوعين كافين. أما كرواتيا فقررت إعادة العمل بالتجنيد بعد سابقة إنهائه قبل نحو عقد ونصف، وتعمل بولندا على إعداد تدريب عسكري واسع للذكور البالغين بهدف مضاعفة حجم جيشها. وعلى الرغم من شعبية فكرة الخدمة الوطنية في بعض الدول الإسكندنافية والبلطيق، يظل في أوروبا الغربية نقاش مستمر حول جدوى وأعباء هذا النظام ومصدر تمويله.
التقييمات والمخاطر والآفاق الأوروبية
في سياق الحرب في أوكرانيا، تسعى أوروبا إلى تعزيز قدرتها الدفاعية وتحديث قدراتها البشرية والعتادية، مع توقعات بأن التهديد الروسي سيبقى قائماً حتى نحو 2030 وربما بعده. أشارت تقارير إلى أن روسيا تشهد تعزيزاً في احتياطيها الاستراتيجي من المجندين، وأنها قد تكون جاهزة لمواجهة محتملة مع الناتو أو لتصعيد عملياتها في أوكرانيا في المدى القريب إلى المتوسط. وفي ضوء ذلك، تبرز الحاجة إلى تعزيز الروابط بين الأمة والجيش وتوفير قدرات تدريب وتجنيد كافية لتأمين الردع والدفاع.
ويُقدر موقع عالمي عدد الجنود الروس بنحو مليون و320 ألفاً، في حين تبرز ملامح التوجه الأوروبي إلى زيادة الاعتماد على القوات الخاصة والاحتياط والقدرات الدفاعية المتوازنة في مواجهة التحديات المستقبلية. وتظل آفاق التبني الشامل للخدمة العسكرية التطوعية أو الإلزامية محكومة بتوازن التكاليف، القدرة على الاستيعاب، وفعالية الخطط في حماية الأمن الوطني وتوازن التزامات الحلفاء.




