اليابان والصين: تبادل الانتقادات وغياب قنوات التواصل يعمّق الأزمة السياسية

تصاعدت الخلافات بين الصين واليابان بسبب تصريحات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي حول تايوان، مع اتهامات متبادلة وتزايد القلق من أن غياب قنوات تواصل قوية ومستقرة يسهِّم في تعميق الأزمة وتعطيل الجهود المبذولة لاحتواءها. ثم تبيَّن أن الأزمة امتدت لتشمل العلاقات الاقتصادية والثقافية أيضاً، مع تصعيد في السجال الدولي حول تغريدات وخطابات خارجية تتعلق بالتطورات في المنطقة.
تطورات ميدانية ودبلوماسية متسارعة
أعلنت الصين عن تأجيل اجتماع ثلاثي لوزراء संस्कृति يجمعها مع سول، ورفضت مقترحاً يابانياً لعقد قمة ثلاثية في يناير المقبل، وفقاً لالتزامات الدول الثلاث، وهو ما أشارت إليه وسائل الإعلام اليابانية كيودو. وفي بيان صدر عن الخارجية الصينية، لفتت المتحدثة ماو نينغ إلى أن الصين وسول وتايوان لم تتمكن من الاتفاق على جدول زمني محدد لعقد الاجتماع الثلاثي، مضيفة أن تصريحات تاكايتشي “قوّضت الأساس والأجواء للتعاون الثلاثي”.
استمرت التصريحات المتبادلة في التصعيد، حيث اعتبرت اليابان أن تصريحات تاكايتشي تَجاوزت حدود التحمل، فيما رأت الصين أن هذه التصريحات تمس سيادتها وتستهدف وضعها الأمني الإقليمي. وتُوِج هذا الخلاف بتصعيد دبلوماسي علني، حيث أطلقت الصين رسالة إلى الأمم المتحدة تعهدت فيها بالدفاع عن نفسها ومصالحها، وهو إجراء اعتبرته طوكيو بأنه يعكس موقفاً مغايراً لسياسة السلام التي تتبناها. وفي ردها على الرسالة الأممية، نفت وزارة الخارجية اليابانية الاتهامات الصينية ووصفتها بأنها غير مقبولة، مؤكدة التزام طوكيو بالسلام ولم يتغير.
أدلت ماكي كوباياشي، المتحدثة البارزة باسم الحكومة اليابانية، بتصريحات خلال قمة العشرين في جوهانسبرغ فقالت إنها على علم بالرسالة ورفضت الادعاء بأن اليابان غيرت موقفها، ودعت إلى مزيد من الحوار لوقف تدهور العلاقات بين أكبر اقتصادين في آسيا. كما أكدت تاكايتشي أنها تعلمت درساً من الأزمة وستمتنع عن تفصيل سيناريوهات محتملة لإرسال قوات في المستقبل، لكنها في الوقت نفسه رفضت التراجع عن موقفها.
غياب قنوات التواصل وأثره
تشير تقارير صحيفة جنوب الصين Morning Post إلى أن التصعيد السريع يعود جزئياً إلى نقص شخصيات ذات علاقات قوية مع الحزب الشيوعي الصيني في حكومة تاكايتشي. وبعد تولّيها المنصب، خرج حزب كوميتو كنائب أصغر في الائتلاف الحاكم، وهو معروف بدوره كقناة وساطة مع بكين، ويتوقع أن يكون للبيت السياسي هذا دوراً محورياً في تلطيف العلاقات وتسهيل الحوار. ويرى المحللون أن فقدان هذه الروابط والمؤثرين أدى إلى صعوبات في إدارة الاتصالات بين البلدين، وهو ما ينعكس في تعقيد المشهد وتبادل التصريحات في ظل غياب تواصل مستقر.
ويشير آخرون إلى أن شخصية رئيسية مثل وزير الداخلية يوشيماسا هياشي قد تلعب دوراً إيجابياً كحلقة وصل محتملة، غير أن التوجهات الداخلية وتعدد الأجندات تجعل من هذا السيناريو أكثر تعقيداً، بينما يظل تركيز الحكومة المركزية في الداخل أكثر من اهتمامه بالعلاقات الخارجية.
وحتى الآن لا يبدو أن تاكايتشي ستتراجع عن تصريحاتها، خاصة وأن استطلاعات الرأي أظهرت ارتفاعاً في شعبيتها إلى نحو 70%، وتنامياً في دعم تيار تايوان المرتبط برئيس الوزراء السابق شينزو آبي، إلى جانب تحالفها مع حزب الابتكار المعروف بميله نحو تايوان. وتظل الصورة غامضة فيما يتعلق بمسار الحوار المستقبلي بين البلدين، في ظل سردية كل طرف لمسوّغاته الأمنية والسياسية والتجارية.
تهديدات ومخاطر استراتيجية
أشارت السفارة الصينية في اليابان إلى حقها في اللجوء إلى العمل العسكري المباشر دون موافقات مجلس الأمن الدولي إذا ما اتخذت اليابان خطوات نحو تجدد العدوان، وهو تعبير واضح عن التصعيد العسكري المحتمل. وفي المقابل نفت اليابان فكرة التخلي عن التزاماتها الدولية أو التراجع عن مواقفها، واعتبرت أن ميثاق الأمم المتحدة يحتاج إلى تحديث فيما يخص مفهوم “الدولة المعادية” وأطر الرد على التهديدات.
ولم تتوقف التصعيدات عند المجال السياسي بل امتدت إلى مجال الموارد الطبيعية، حيث أعربت كوباياشي عن أن الصين تبقى مورداً رئيسياً للعناصر الأرضية النادرة، لكنها أشارت إلى سعي اليابان لتقليل الاعتماد على بكين في هذا القطاع الحيوي. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، تظل الصين أكبر سوق للصادرات اليابانية بعد الولايات المتحدة، وهو ما يعزز من أهمية الحفاظ على قنوات اتصال فعالة وتجنب التصعيد الذي يمكن أن يؤثر في كلا الاقتصادين.
ومن جانب الصين، اتهم وزير الخارجية وانغ يي اليابان بمحاولة التدخل العسكري في شأن تايوان، معتبراً أن على بكين الرد بحزم لحماية سيادتها ونتائج ما أُنجز بعد الحرب، محذراً من أن استمرار المسار الخاطئ سيجعل الجميع يعيد النظر في جرائم اليابان التاريخية ومواجهة عودة النزعة العسكرية.
أما تايوان فشددت وزارة خارجيتها في تايوان على أن الرسالة الصينية الموجهة إلى الأمم المتحدة تشوّه الحقائق وتخترق ميثاق الأمم المتحدة الذي يحظر استخدام القوة. وتعتبر تايوان أن الشعب نفسه وحده من يقرر مستقبله، وتؤكد أن الصين لا تزال تعتبر الجزيرة جزءاً من أراضيها وتحتمل خيار القوة كخيار أخير.




