“سأدافع عنك” لقاء ودي غير متوقع بين ترمب وممداني يعيد تشكيل المشهد في واشنطن

يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالعمدة المنتخب زهران ممداني في المكتب البيضاوي يوم الجمعة في لقاء بدا ودياً وتعاونيّاً بعيداً عن حدة خطاباتهما أثناء الحملة، حيث وُصِف كل منهما الآخر بأنه خصم سياسي متطرف قبل هذه المصادفة الجديدة.
وصف ممداني في خطاب فوزه ترمب بأنه ديكتاتور، بينما كان ترمب قد وصف ممداني سابقاً بأنه شيوعي، وهو ما أثار تساؤلات عن احتمالات التصعيد. وقبل الاجتماع، أشارت المتحدثة باسم الرئاسة كارولين ليفيت إلى أن زيارة ممداني تُوصف بأنها شيوعي يأتي إلى البيت الأبيض، وهو توصيف لا يُستبقي في التصريحات السابقة بين الطرفين.
لكن حين قُدِّم الإثنان للصحافة وهما واقفان جنباً إلى جنب في المكتب البيضاوي، بداا أكثر انفتاحاً على التسوية والتعاون، مع تأكيدهما على اهتمامهما المشترك بمواجهة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة في نيويورك، بينما ابتسما كثيراً وظهر ترمب مستمتعاً حتى عندما سُئل عن الهجمات السياسية التي وجهها ممداني له، بل ساعده في الإجابة عن أسئلة محرجة من الصحفيين، بما فيها سؤال عما إذا كان لا يزال يعتقد أن ترمب فاشي.
وثمَّة سؤال حول سبب وصول ممداني إلى واشنطن بالطائرة بدلاً من القيادة بسبب عقود بيئية، فكان رد ترمب مبتسماً نيابة عنه قائلاً إنه يدافع عن ممداني، فزيارة الطائرة أسرع وتوفر الوقت، في حين أن القيادة تستغرق وقتاً أطول.
وتحدث الطرفان عن حبهما للنيويورك واستعدادهما للعيش فيها تحت حكم ممداني، ودافع ترمب عن العمدة أمام الانتقادات المحافظة، واتفقا على التركيز على تخفيض كلفة المعيشة كمدخل لبداية فصل جديد من التعاون بين خصمين سياسيين سابقين.
كان من المتوقع أن ينشب صراع بين ترمب والسياسي الشاب، الديمقراطي الاشتراكي ممداني، الذي يحلم الجمهوريون منذ سنوات باستغلاله كـ«فزاعة» في انتخابات 2026، لكن اللقاء بدا كإطفاء لشرر الخلافات.
مشهد توافق مبكر وتوقعات سياسية
بدت التفاهمات واضحة منذ اللحظة التي开始 فيها الحوار الصحفي، فوقف ممداني إلى يمين ترمب ويداه متشابكتان بعد اجتماع خاص، بينما جلس ترمب خلف المكتب الرئاسي الشهير المصنوع من حطام السفينة HMS Resolute، وهو رمز تاريخي يتصل بمكانة المكتب البيضاوي.
لم يهاجم ترمب ممداني بل أشاد به عدة مرات وتوقع أن يكون عمدة رائعاً، وأضاف لاحقاً أنه واثق بأن ممداني سيؤدي عمله جيداً جداً. ومع أن الصحافيين حاولوا دفع الطرفين نحو استعادة نبرة الخلافات السابقة، استمر الطرفان في تفادي الصدام وتأكيد نقاط الاتفاق.
ولاحظت وسائل الإعلام أن ترمب بدت له نبرة وديّة عندما قال إنه يعتقد أن ممداني قد يفاجئ بعض المحافظين، مؤكداً أن لدى العمدة أفكاراً مشابهة لأفكاره وأن هناك اتفاقاً في أمور كثيرة لم يكن يتوقعها. وأشار إلى إمكانية تعاون في ملفات كبيرة، مضيفاً أنه يرى في ممداني قدرة على إنجازات مهمة.
وعندما سئل عن تهديده بقطع التمويل عن نيويورك إذا فاز ممداني، ألمح ترمب إلى أنه قد يستخدم هذا السلاح إذا لزم الأمر، لكنه قلل من احتمال ذلك قائلاً إنه يتوقع أن يساعد ممداني لا أن يؤذيه.
كانت المجاملات في الغالب من ترمب، بينما حاول ممداني تفادي الدخول في صدام معه، مع العودة إلى قضيته الأساسية وهي أزمة تحمل تكاليف المعيشة.
وخلال الحملة الانتخابية تبادل الطرفان انتقادات حادة، فوصَف ترمب ممداني بأنه شيوعي، ووصف ممداني ترمب بأنه ديكتاتور. لكنهما تجنبا أسئلة عن تصريحات سابقة وعاودا الثناء المتبادل.
حتى في سؤال حول ما إذا كان يعتقد أن ترمب فاشي، أجازت الصورة ترمب السماح لممداني بالإجابة بنعم أو لا، وهو ما أُثيرت حوله علامات استفهام، بينما بدا ترمب يزداد ابتساماً، وهو يمسُّ كتف ممداني وهو يقول: الأمر أسهل من الشرح.
وعندما أُشير إلى الانتقاد العام لممداني من حلفاء ترمب بأن ممداني هاجم ترمب بكونه جهادي، رد ترمب مازحاً بأنه لا يعتبره كذلك، مضيفاً أن الحملات السياسية قد تقال فيها أقاويل، لكن ممداني رجل كفء جداً.
وعند سؤال صحافي عن موقف ممداني من عمليات ترحيل المهاجرين كجزء من أجندة ترمب، قلّل ترمب من شأن الأمر قائلاً إنهما لم يتطرقا له كثيراً، وأكّد أنه لا يريد رؤية الجريمة، وأنه يتوقع اتفاقاً في هذا الملف، ما دام الهدف تقليل الجرائم وليس التفرقة.
يربط ممداني وترمب بينهما بعنصر واحد قوي: نيويورك. فكل منهما من المدينة نفسها، وكلاهما عاش في كوينز. ترمب تحدث عن مسقط رأسه في جامايكا estates، بينما يعيش ممداني حالياً في أستوريا، وأشارا إلى أن لديهما «حباً مشتركاً» للمدينة، وأبدى ترمب شعوره بأن المدينة يمكن أن تكون مدهشة إذا نجح، وسيكون سعيداً بذلك.
وتطرق ترمب في لحظة إلى أنه لو خاض حياة سياسية مختلفة لكان يحب أن يكون عمدة نيويورك بنفسه، وأعرب عن إعجابه بأداء ممداني الانتخابي قائلاً إن ممداني «ظهر من العدم» وعبَّر عن دهشته من دعم بعض مؤيديه له.
وأعلن ترمب عن التزامه بالتعاون مع العمدة الجديد، قائلاً: „كلما نجح، سأكون سعيداً“، فيما بدا أن العمدة يستهدف تقليل تكاليف المعيشة وتوحيد الجهود بين الحزبين في قضايا حيوية للمدينة.
إلا أن هذا المشهد الودي قد يعقد محاولات الجمهوريين تصوير ممداني، الديمقراطي الاشتراكي، كتهديد في انتخابات التجديد النصفي 2026، عندما يسعى الطرفان إلى السيطرة على الكونغرس، خصوصاً مع خطط الجمهوريين لإظهاره كمعادٍ للشرطة والرأسمالية وإسرائيل. لكن اللقاء في البيت الأبيض قد خفّض من احتمال استغلاله كـفزاعة، وهو ما أشار إليه مراقبون، مع ملاحظة أن الرسالة الأوضح هي أن ترمب يريد أن تكون الانتقادات غير فعالة، وأنه لن يأخذ الهجمات على محمل الجد. ومع ذلك، يطرح السؤال عما إذا كان ستجرؤ قوى المحافظين على انتقاد ترمب بسبب منح هذا «الشيوعي الجهادي المزعوم» مروراً مجانياً.




