اتفاق المعادن الأميركي السعودي يفتح صفحة جديدة في شراكة واشنطن والرياض

عاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن حاملاً أجندة ثقيلة امتدت من الدفاع إلى الطاقة والذكاء الاصطناعي. وتبرز في الزيارة مبادرة محورية هي إطار استراتيجي للتعاون في المعادن الحرجة يركز على اليورانيوم والمعادن النادرة والمغناطيسات الدائمة، ويراه خبراء في واشنطن حجر الزاوية لإعادة هندسة سلاسل الإمداد العالمية بعيداً عن الصين.
ثروات نادرة في قلب الصحراء
تقدّر وزارة الصناعة والثروة المعدنية السعودية أن مكمن جبل صايد، الواقع نحو 350 كيلومتراً شمال شرقي جدة، يضم رابع أكبر احتياطي من عناصر الأرض النادرة من حيث القيمة، مع نحو 552 ألف طن من العناصر النادرة الثقيلة مثل الديسبروسيوم والتيربيوم، إضافة إلى نحو 355 ألف طن من العناصر النادرة الخفيفة مثل النيوديميوم والبراسوديوم. وتظهر خريطة جيولوجية منشورة من شركة معادن أن مكامن أخرى في مناطق جغرافية مختلفة قد تعزز هذه الاحتياطيات مع استمرارية الاستكشاف. وتكتسب هذه الأرقام أهمية خصوصاً لكون الولايات المتحدة تعتمد بشكل رئيسي على واردات العناصر النادرة الثقيلة لأغراضها الدفاعية والمدنية، في ظل تزايد المخاوف من تباعُد سلاسل الإمداد عن الصين في ظل القيود المفروضة على صادرات هذه المعادن.
مصفاة مشتركة لكسر احتكار الصين
إقرار إطار التعاون يتضمن مشروع مصفاة جديدة تعمل على معالجة عناصر الأرض النادرة كخطوة ربطية بين الموارد السعودية ورأس المال والتقنية الغربية. وتؤكد الشركتان المشاركةان، معادن وMP Materials الأميركية، أن المشروع سيعتمد مزيجاً من خامات محلية وواردات من دول حليفة، وسيوجه الإنتاج إلى سلاسل الإمداد الدفاعية والصناعية في الولايات المتحدة والسعودية ودول صديقة. وتملك معادن 67% من الأسهم عبر صندوق الاستثمارات العامة، لتحتفظ الحكومة السعودية بحقها في توجيه الاستثمار وفق رؤية 2030، في حين ستموّل وزارة الحرب الأميركية حصة أميركية تبلغ 49% بينما تسيطر معادن على 51% من المشروع. يتيح هذا الترتيب موقعاً محورياً للسعودية في سوق معالجة المعادن النادرة خارج شرق آسيا، مع توقعات بأن تكون المصفاة خطوة تأسيسية لإنتاج أكاسيد نادرة خفيفة وثقيلة على نطاق تجاري وتفتح باباً لاستثمارات مشتركة لاحقة في صناعة المغناطيسات الدائمة.
رؤية 2030 والتعدين كنواة للاقتصاد
تشير الأرقام الرسمية إلى أن عدد رخص الاستكشاف في المملكة ارتفع من 224 رخصة في 2015 إلى أكثر من 800 رخصة في 2023، بينما ارتفعت تقديرات قيمة الموارد المعدنية غير المستغلة من نحو 1.3 تريليون دولار إلى نحو 2.5 تريليون دولار بحلول 2024. ولتسريع جذب الاستثمار أقرّت الرياض نظام الاستثمار التعديني الجديد في 2021، الذي يحدّد لكلاً من إجراءات وتكاليف الحصول على رخصة تعدين بسرعة نسبية تتجاوز 180 يوماً، مقارنة بفترات طويلة في دول مثل الولايات المتحدة. كما تفخر المملكة بانخفاض تكلفة الطاقة لديها، حيث سجلت مشاريع طاقة رياح وشمس أرقام تنافسية تجعل التعدين أكثر جاذبية مقارنة بمناطق أخرى، مما يعزز مكانة المملكة كوجهة مركزية لمعالجة المعادن الحرجة وربطها بسلاسل الإمداد العالمية.
التقاطع مع الملف النووي
لا يقتصر البعد الاستراتيجي لاتفاق المعادن على العناصر النادرة فحسب، بل يتقاطع مع تعاون نووي سلمي أيضاً. فقد أعلنت الولايات المتحدة والسعودية التقدم في مفاوضات تعاون في الطاقة النووية السلمية يمهّد لإطار من نوع «اتفاقية 123» يضبط الجوانب التجارية والتقنية ويخضعها لمعايير عدم الانتشار. وتبرز مكامن اليورانيوم في جبل صايد إلى جانب موارد أخرى كمدخل محتمل لإطار وقود نووي محلي وربما للتزويد الدولي، بينما تستهدف واشنطن تقليل الاعتماد على الوقود الروسي في إطار قانون حظر واردات اليورانيوم الروسي الذي وقّعه الرئيس بايدن في 2024 حتى نهاية 2040 مع إمكان استثناءات محدودة حتى 2027 في حال عدم وجود بديل تجاري. وتتوخّى المفاوضات أن تتيح صيغة رابحة للطرفين تجمع بين تطوير سلاسل الإمداد للوقود والمعادن الحرجة وتوطين تقنيات الطاقة النووية بالتعاون مع المملكة، مع التزام صارم بضوابط التخصيب وإعادة المعالجة.
من النفط إلى المعادن: تحول في الشراكة الاستراتيجية
منذ بدايات العلاقات التاريخية التي ارتكزت على النفط مقابل الحماية، تتجه الشراكة الأميركية-السعودية إلى تعريف جديد تقوم فصوله الأساسية على المعادن الحرجة والتكنولوجيا المتقدمة وسلاسل الإمداد العالمية للمستقبل. فالمعادن الحرجة تشكل «نفط العصر الرقمي» الذي تدور حوله الصناعات الدفاعية المتقدمة والتحول نحو الطاقة النظيفة وتطورات الذكاء الاصطناعي والحوسبة الفائقة. وفي هذا الإطار تسعى الرياض إلى ربط مواردها مع رأس المال والتقنية الأميركية وربطها بمصادر صديقة في أوروبا وآسيا، مع توقع أن تفتح شراكات جديدة في صناعة المغناطيسات الدائمة وتوسيع نطاقها محلياً. وتواجه هذه الرؤية عدداً من التحديات بما في ذلك تسريع الموافقات التنظيمية في الولايات المتحدة على المواد المستوردة من الخارج، وضمان الالتزام البيئي والاجتماعي الدولي في قطاع التعدين بالسعودية، إضافة إلى إدارة المنافسة مع الصين التي تظل المسيطرة على جزء كبير من عمليات المعالجة. ومع ذلك فإن إطار المعادن الجديد يؤكد أن العلاقة العميقة بين البلدين تتجه من مسار يتركز حول النفط إلى مسار أشمل يربط المعادن والاستثمارات والتقنية بسلاسل الإمداد العالمية للمستقبل.




