اخبار سياسية

رغم الضغوط الأميركية.. لماذا تواصل اليابان الاعتماد على الغاز الروسي؟

تواصل اليابان استيراد الغاز الروسي رغم الضغوط الأميركية وتهديد فرض عقوبات على الدول التي تتعامل مع موسكو، في وقت لا يزال فيه ملف الجزر المتنازع عليها أحد أعقد القضايا بين البلدين.

وكانت مسألة استيراد الغاز الطبيعي الروسي المسال حاضرة على جدول مباحثات رئيسة الوزراء اليابانية ساناي تاكايتشي مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، خلال لقائهما في طوكيو في أكتوبر الماضي.

ويرى خبراء يابانيون أن هذا المسار يعكس نهجاً pragmatياً تتبناه تاكايتشي، التي أصبحت أول سيدة تقود الحكومة في اليابان، كما يرون أن هذا النهج دفعها إلى التخلي عن الشعار الذي رُدّد كثيراً في السنوات الأخيرة: “أوكرانيا اليوم، شرق آسيا غداً”، في إشارة إلى المخاوف من أن يؤدي تساهل المجتمع الدولي مع غزو روسيا إلى تشجيع سيناريو مشابه في شرق آسيا، خصوصاً ما يتعلق بتايوان.

ويضع الخبراء سياسة تاكايتشي في إطار السعي لخفض التوتر مع موسكو، بالتوازي مع حماية مصالح الاقتصاد الياباني، لا سيما مصالح الشركات اليابانية العاملة في قطاع الطاقة، وبينها شركتان تستثمران في مشروع سخالين-2 الروسي.

وتظهر تاكايتشي مباشرة بشأن رغبتها في خلق توازن بين حاجة طوكيو لضمان أمنها القومي، والإبقاء على قناة للحوار مع موسكو، رغم أن البلدين يتبادلان الإجراءات العقابية منذ بدء الحرب في أوكرانيا عام 2022.

ما أهمية الغاز الروسي لليابان؟

يقول تايسوكي أبيرو، كبير الباحثين في الشأن الروسي بمؤسسة Sasakawa للسلام في طوكيو، إن هناك سببين رئيسيين لتمسك اليابان بالغاز الروسي: الأول قطع الطريق على الصين، حيث أن شركات مدعومة من الحكومة اليابانية تمتلك حقوق تنقيب في سخالين-2 وهي ميتسوي وميتسوبيشي، وبتخلي اليابان عن حصتها قد تحل الصين محلها.

ويشير أبيرو إلى أن الصين أبلغت واشنطن بأنها ستتوقف عن شراء الغاز الروسي، لكن الواقع يُظهر أن شحنات روسيا إلى السوق الصينية لا تشهد تراجعاً.

أما السبب الثاني، وفقاً له، فهو أن اليابان ترى أن الأثر الاقتصادي لوقف شراء الغاز الروسي لن يكون له تأثير يذكر على قوة اقتصاد موسكو أو على قدراتها العسكرية في حربها مع أوكرانيا، فحجم استهلاك اليابان من الغاز الروسي لا يتجاوز 9% من استهلاكها السنوي، أي نحو 6 ملايين طن مكافئ للغاز بقيمة تقارب 4 مليارات دولار.

ومع تولي تاكايتشي رئاسة الحكومة، تغير موقف اليابان من الحرب في أوكرانيا، بخلاف رئيس الوزراء السابق فوميو كيشيادا الذي اعتمد شعار “أوكرانيا اليوم، شرق آسيا غداً”. وهذا الشعار الذي زاد من توتر العلاقات بين طوكيو وموسكو اختفى مع وصول تاكايتشي، وفق أبيرو، الذي يرى أن الحكومة الحالية لا تريد ربط وضعها في شرق آسيا بقضية أوكرانيا، مع التذكير بأن المحيط المحيط بجوار اليابان يشهد توتراً غير مسبوق بسبب تهديدات كوريا الشمالية ونزاع جزر سينكاكو مع الصين وتزايد حضورها العسكري، ما يجعل الحوار مع موسكو خياراً مطلوباً ضمن توازن المنطقة.

ويرى أبيرو أن طوكيو لا ترغب اليوم في فتح جبهة توتر جديدة مع روسيا، ويبدو أن هذا التوجه تلقى صدى إيجابياً، إذ أعلنت روسيا عن قائمة عقوبات إضافية شملت 30 شخصية إعلامية وسياسية وأكاديمية يابانية، بينما لم يكن وزير الخارجية الحالي من بينهم، وهو ما يعزز فكرة أن تاكايتشي قد أبقت على شراء الغاز الروسي كإشارة إيجابية للحفاظ على قناة الحوار.

كسر الجمود

بعد الحرب العالمية الثانية شهدت العلاقات الروسية-اليابانية حالة دبلوماسية غير طبيعية من دون توقيع معاهدة سلام بسبب الخلاف على ملكية أربع جزر احتلتها موسكو.

في عهد رئيس الوزراء السابق شينزو آبي (2012-2020) اعتقدت اليابان أنها تستطيع كسر جمود قضية الجزر من خلال تعاون اقتصادي وتجاري يعيد البلدين إلى طاولة المفاوضات.

فتحت موسكو أبواب أمام طوكيو للمشاركة في مشاريع استثمارية ضخمة، منها سخالين-1 وسخالين-2، وهي من أهم مشاريع التنقيب عن النفط والغاز في أقصى الشرق الروسي، وارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين إلى نحو 30 مليار دولار، مع تركيز على الطاقة والموارد الطبيعية والآليات والسيارات والتقنيات اليابانية.

بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022 اتخذت اليابان موقفاً واضحاً بمعارضة الحرب وفرضت عقوبات اقتصادية على روسيا، شملت منع تصدير التكنولوجيا المتقدمة وإيقاف التعاون في المشاريع الاقتصادية وتجميد أموال أشخاص روس بينهم الرئيس الروسي بوتين وأفراد حكومته، فيما ردت موسكو بحزمة عقوبات مضادة طالت كبار المسؤولين اليابانيين وبينهم تاكايتشي التي كانت تشغل حينها منصب وزيرة الأمن الاقتصادي.

الجزر المتنازع عليها

يقلل يو كويزومي، الأستاذ المساعد في جامعة طوكيو وخبير السياسات الأمنية الروسية، من أهمية شراء الغاز الروسي كوسيلة لاستعادة الجزر المتنازع عليها.

ويقول لــ”الشرق” إن فهم تغير سياسة اليابان تجاه روسيا يحتاج إلى قراءة العقيدة العسكرية الجديدة لطوكيو التي أقرَّت في 2022، وذكر فيها أن روسيا دولة يجب الحذر من قوتها العسكرية وتعاونها مع الصين، وتعتبر روسيا مورداً مهماً للطاقة لليابان، ويجب مواصلة الحوار معها لحل قضية الجزر الشمالية.

ويعتقد كيودوك الحكومة اليابانية أن الغاز الروسي لن يحل قضية الجزر الشمالية، وأن الاستواء السياسي والجيواستراتيجي أهم من أي طاقة مؤقتة.

عندما كانت العلاقات في ذروتها عقد رئيس الوزراء السابق آبي 27 لقاء مع بوتين وعرض عليه إعادة جزيرتي هابوماي وشيكوتان لليابان، لكن بوتين رفض ذلك، رغم أن الجزيرتين تمثلان نحو 7% فقط من مساحة الجزر المتنازع عليها.

وتعتبر اليابان الجزر الأربع جزءاً لا يتجزأ من أراضيها، في حين ترى روسيا أهميتها الجيوسياسية بوصفها بوابة تربط المحيط الهادئ ببحر اليابان، كما تمتاز مياهها بثروة سمكية محتملة، وتوجد توقعات باحتواءها مخزونات كبيرة من الغاز.

ويرفض كازوشيكي هاياشي، مسؤول العلاقات العامة في جمعية الأراضي الشمالية اليابانية، التعليق حول موقف الحكومة من شراء الغاز الروسي، قائلاً إنه يعلم أن حالة الحوار في السابق مكنت الجمعية من مساعدة نحو 5000 ياباني من السكان الأصليين لزيارة أراضيهم على متن سفينة إيتوبيريكا، لكنه أضاف أن الحرب الروسية على أوكرانيا وتوتر العلاقات أوقفت الزيارات، وأصبحوا ينقلون السكان إلى المياه القريبة من الجزر الشمالية ليظهروا من بعيد لأرضهم ومقابر أحبائهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى