وثيقة سرية أميركية تصنف الفنتانيل “سلاحاً كيميائياً” بغرض تبرير ضربات في الكاريبي

تشير المذكرة السرية الصادرة عن مكتب المستشار القانوني في وزارة العدل الأمريكية إلى الأساس القانوني الذي اعتمدته إدارة الرئيس دونالد ترامب لشن عمليات عسكرية مستمرة في البحر الكاريبي، وهي وثيقة مطوَّلة أُعدت خلال الصيف الماضي لتبرير هذه الضربات.
وتبرز الإشارة إلى الفنتانيل كتهديد محتمل بسلاح كيميائي كواحدة من النقاط الأساسية، حيث صيغت المذكرة لتوضح الأسس القانونية لاستخدام القوة ضد شبكات تهريب المخدرات.
وتذكر الوثيقة أن الفنتانيل استُخدم فعلاً كأداة سلاح في الماضي، إذ استخدمته السلطات الروسية عام 2002 في مسرح موسكو لتخدير رهائن خلال أزمة الرهائن، مما أودى بحياة كثيرين.
لكن متحدثاً باسم وزارة العدل شدد على أن الأساس القانوني للضربات لا يقوم على احتمال استخدام منظمات المخدرات أسلحة كيميائية، مؤكداً أن الرأي القانوني يوضح صراحة أنه لا يعتمد حجة منع الانتشار.
والمبرر الرئيسي يتمثل في اعتبار ترمب شبكات تهريب المخدرات “منظمات إرهابية أجنبية”، وهو ما يجعلها أهدافاً عسكرية مشروعة وفق المذكرة.
وتؤكد الإدارة الأمريكية أن هذه الجماعات تستخدم تجارة المخدرات لتمويل نشاطات مميتة ومزعزعة للاستقرار ضد الولايات المتحدة وحلفائها، بحسب نواب وآخرين مطلعين على المذكرة.
وتشير المذكرة إلى أن فنزويلا، التي تعتبر قاعدة لإحدى الجماعات المصنّفة إرهابية، كانت نقطة عبور رئيسية للكوكايين الكولومبي، مع الإقرار بأنه لا توجد أدلة على إنتاج أو تهريب الفنتانيل هناك؛ إذ يُصنَّع الفنتانيل أساساً في المكسيك ويُهرب براً بحسب خبراء.
وقال براين فينوكاين، المستشار القانوني السابق في وزارة الخارجية في عهد الرئيس أوباما، إن التحذير المتعلق بالفنتانيل “مبالغ فيه”.
وتستعيد الوثيقة رأياً قانونياً أصدرته وزارة العدل في 2018 لتبرير ضربات أميركية ضد النظام السوري بعد استخدامه غازات كيميائية ضد المدنيين.
وعن واقع الأعمال العسكرية، ذكرت تقارير أن الولايات المتحدة نفذت نحو 20 ضربة عسكرية معلنة في منطقة البحر الكاريبي والمحيط الهادئ ضد قوارب تزعم أنها تحمل المخدرات، ما أودى بحياة ما لا يقل عن 79 شخصاً، لكنها لم تكشف عن أدلة علنية تدعم الرواية بشأن مهام تلك القوارب منذ بدء الهجمات في 2 سبتمبر الماضي.
وقال وزير الدفاع الأميركي، هيغسيث، في منشور على مواقع التواصل الاجتماعي، إن هذه الحملة تقضي على إرهابيي المخدرات من نصف الكرة الغربي وتؤمن وطننا من السموم.
وبحسب نواب تحدّثوا إليهم أَشخاص مطّلعون، تتضمن المذكرة عدة مسوِّغات قانونية. ويقول السناتور آندي كيم، الديمقراطي عن نيوجيرسي، إن الكثير منها يعتمد على حجة مالية بأن المخدرات توفِّر موارد للجماعات المصنَّفة.
وتشير المذكرة إلى أن تصنيف شبكات تهريب المخدرات كـ“تنظيم إرهابي أجنبي” يُستخدم عادة لفرض عقوبات، لكن الإدارة تحاول الآن استخدامه لتبرير عمل عسكري مميت.
وتزعم الوثيقة أيضاً مبدأ “الدفاع الجماعي عن النفس” بحجة أن منظمات المخدرات تخوض مواجهات مسلحة مع سلطات دول حليفة في أميركا اللاتينية، ما يعني أن تقديم دعم عسكري لتلك الدول أمر مشروع.
كما تدّعي الوثيقة أن الولايات المتحدة تخوض “نزاعاً مسلحاً غير دولي” مع الكارتلات، وهو مصطلح قانوني يشير إلى نزاع داخل حدود دولة واحدة.
وبناء عليه، تقول المذكرة إن عناصر القوات الأمريكية العاملين في هذه العملية يتصرفون بما يتماشى مع القانون، وبالتالي لا يمكن ملاحقتهم قضائياً في المستقبل، وهو ما كشفت عنه صحيفة واشنطن بوست سابقاً.
وتستند المذكرة إلى صلاحيات الرئيس كقائد أعلى للقوات المسلحة بموجب المادة الثانية من الدستور، وإلى القانون الذي يسمح باستخدام القوة لمدة 60 يوماً قبل الحاجة لموافقة الكونغرس لاستمرار العمليات.
انتقادات واسعة
يقول منتقدون، خاصة الديمقراطيون وخبراء قانون الحروب، إن الحجج القانونية الواردة في المذكرة مليئة بالمشكلات؛ فبعضهم يرى أن استهداف قوارب يُشتبـه في حملها مخدرات أمر غير قانوني، لأن هؤلاء الأشخاص، سواء كانوا مدنيين أم مهربين، لا يشكلون تهديداً وشيكاً ولا يشاركون في أعمال قتالية.
ويقول خبراء إن الكارتلات لا تستهدف الأميركيين بالمخدرات عمداً لأنها لا تكسب من قتل زبائنها.
ويعلق المحامي العسكري السابق جيفري كورن، مدير مركز قانون وسياسات الحرب في جامعة تكساس التقنية، بأن ليس تأثير المادة فحسب هو ما يجعل الفعل هجوماً مسلحاً.
وبحسب نواب قرأوا الوثيقة، تُصنّف المذكرة مهربي المخدرات كـ“مقاتلين أعداء”، لكنها في الوقت نفسه تدفع بأن الولايات المتحدة لا تخوض “أعمالاً قتالية” معهم، وهو ما يعني، وفق المذكرة، أنه لا حاجة لموافقة الكونغرس.
حتى بعض الجمهوريين أعربوا عن شكوكهم. قال النائب دون بايكون من لجنة القوات المسلحة: “للرئيس الحق في اتخاذ إجراءات أولية، لكنه يجب أن يطلب تفويض الكونغرس لاستمرار الضربات”.




