بعد انسحاب الولايات المتحدة.. الناتو يعرض قدراته في رومانيا

مناورات خريف داتشيان وتعزيز الجناح الشرقي
نفّذ حلف الناتو مناورات عسكرية واسعة في رومانيا لسد الفراغ الناتج عن سحب الولايات المتحدة، حيث تجمّع نحو 5 آلاف جندي من قوات الحلف في جبالها الوعرة وسط الغابات لمحاربة عدو خيالي وفق تقارير صحفية.
شهدت المناورات هبوط مروحيتين فرنسيتين من طراز Puma من الغيم وحلقتا على ارتفاع منخفض فوق التلال، فيما تحرّكت الدبابات ومدافع الهاوتزر وتوافدت الطائرات المقاتلة والطائرات المسيرة إلى السماء.
نقلت المجلة عن الجنرال الروماني دورين توما، قائد الفرقة المتعددة الجنسيات التابعة للناتو في منطقة الجنوب الشرقي، قوله: إن الهدف الرئيسي من السيناريو هو الردع، والرسالة ليست سرية: روسيا بقيادة الرئيس فلاديمير بوتين.
أشارت المجلة إلى أن التدريبات كانت جزءاً من مناورات سنوية تعرف باسم “خريف داتشيان”، لكن نسخة هذا العام حملت عبئاً إضافياً كجزء من سباق الناتو لتعزيز الجناح الشرقي لأوروبا.
تأتي هذه المناورات بعد أسابيع قليلة من إعلان واشنطن أنها ستعيد نشر لواء مشاة يضم نحو 800 جندي من رومانيا إلى قاعدته الأساسية في كنتاكي، بينما سيبقى نحو ألف جندي أميركي في البلاد بموجب اتفاق دفاعي ثنائي مع بوخارست، وتوقع مسؤولون دفاعيون أوروبيون أن يظل التأثير عسكرياً محدوداً، مع تحذير من احتمال أن يختبر موسكو عزم الحلف.
تضم رومانيا قواعد للناتو، ومنذ الغزو الروسي لأوكرانيا في 2022 استضافت هناك مجموعة قتالية متعددة الجنسيات بقيادة فرنسا وتضم إسبانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ.
إعادة الانتشار الأميركي وتأثيره
قلل الولايات المتحدة من تداعيات القرار بإعادة نشر لواء مشاة يضم نحو 800 جندي إلى قاعدته الأساسية في كنتاكي، مع إبقاء نحو 1000 جندي في البلاد بموجب اتفاق دفاعي ثنائي مع بوخارست.
قلل الأمين العام لحلف الناتو مارك روته وكبار المسؤولين الرومانيين وإدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب من تداعيات القرار.
قال وزير الدولة الروماني لشؤون الدفاع سورين مولدوفا إنه يتعين على الولايات المتحدة “إلغاء” الانسحاب.
أشار ضابط عسكري روماني رفيع المستوى لإذاعة بوليتكو إلى أن خفض القوات الأميركية ليس متوقعاً أن يحدث تغيراً عسكرياً كبيراً، مضيفاً أن المسألة تبقى رمزياً وتثير قلقاً من احتمال أن يحاول بوتين اختبار العزم.
سقط خلال الأسبوع حطام طائرة روسية مسيرة كانت تستهدف أوكرانيا على الأراضي الرومانية، وهو أحدث حادث ضمن سلسلة حوادث مماثلة.
حراك عسكري ونشر فرنسي واسع
أشارت بولتيكو إلى أن المناورات تهدف إلى إثبات أن حلفاء الناتو مستعدون للعمل معاً لتعزيز الجناح الشرقي ونشر الدروس المستفادة من الحرب في أوكرانيا.
سارعت باريس إلى إرسال قوات ومعدات عسكرية إلى رومانيا في إطار المهلة التي حددها الناتو وهي 10 أيام، وبموجب متطلبات الحلف يجب أن تكون فرنسا قادرة على نشر فرقة جاهزة للحرب على الجناح الشرقي في غضون 30 يوماً بحلول عام 2027.
قال اللواء ماكسيم دو تران، قائد فرقة المدرعات الفرنسية التي شاركت في المناورات، إنهم للمرة الأولى قرروا استخدام سفينة، حيث استغرقوا يومين للوصول إلى اليونان، ثم يومين أو ثلاثة أيام لعبور بلغاريا، بينما استخدمت القوات الأخرى رحلات عبر 5 طائرات و11 قطاراً ونحو 15 قافلة.
أوضح دو تران أنه بينما كان التنقل عبر الجو والبر والبحر سلساً نسبياً، كان النقل بالقطار أكثر صعوبة قليلاً في زمن السلم لعدم وجود أولوية لعبور الحدود هناك.
ومن المتوقع أن تكشف المفوضية الأوروبية الأسبوع المقبل عن مقترح لتسهيل حركة الأفراد العسكريين والأسلحة.
نُشرت في الموقع معدات من جميع أنحاء التحالف، تشمل مقاتلات Eurofighter الألمانية وطائرات F-16 رومانية وأنظمة صواريخ مدفعية عالية الحركة HIMARS ومدافع هاوتزر Caesar وأنظمة دفاع جوي من طراز Mistral وكثير من الطائرات المسيرة، كما اختبرت السلطات الرومانية للمرة الأولى طائرات Bayraktar TB2 التركية الصنع ضمن المناورات، إضافة إلى طائرات مسيرة أخرى لتوفير معلومات الاستهداف وطائرات مسيرة انتحارية ونماذج FPV المستخدمة في أوكرانيا.
سد الفجوة وتقييم الشراكات المستقبلية
حرص مسؤولو الناتو على تأكيد أن الولايات المتحدة لم تغادر البلاد، حيث قدمت القوات الأميركية الدعم الجوي للمناورات.
تبين أن الانسحاب يعني أن رومانيا ستحتاج إلى حلفاء أوروبيين لتكثيف جهودها، وفقاً لأوانا لونجيسكو، المتحدثة السابقة باسم الناتو والباحثة في المعهد الملكي للخدمات المتحدة، التي أوضحت أن هذه خطوة تمثل فرصة لفرنسا والدول الأوروبية الأخرى للنظر في كيفية المساهمة بمزيد من التواجد وتكثيف الجهود.
ذكرّت لونجيسكو أن باريس وبوخارست عمّقتا العلاقات العسكرية خلال السنوات الثلاث الماضية، مع زيارة وزيرة القوات المسلحة الفرنسية كاثرين فوترين رومانيا في إحدى رحلاتها الأخيرة، ولم تعلن باريس حتى الآن عن خطط فعلية لتعزيز وجودها في البلاد.
يمثّل هذا التحول مرحلة حاسمة لبوخارست التي اعتمدت دفاعها تاريخياً على الدعم الأميركي، مع استثمار كبير في أنظمة دفاع جوي من طراز باتريوت ومقاتلات F-35 ودبابات أبرامز وأولوية مستمرة للشراكة عبر الأطلسي، وتؤكد لونجيسكو أن رومانيا كانت تركز على الشراكة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة وأن الانسحاب يمثل أيضاً فرصة لتنويع عمليات النشر والتدريب والقدرات.




