اخبار سياسية

بعد تحرّك القضاء الإيطالي.. تفاصيل «سياحة قنص البشر» في سراييفو

تفاصيل البلاغ والإجراءات القضائية في ميلانو

فتح القضاء الإيطالي في ميلانو تحقيقاً رسمياً في جرائم قتل متعمدة ومتعددة ذات دوافع دنيئة ووحشية، عقب بلاغ قدمه الكاتب الإيطالي إيزيو جافازيني وتضمن وثائق تؤكد تورّط أشخاص بينهم إيطاليون في قتل مدنيين خلال ما تعرفه القضية برحلات القنّاصين السياحيين حول سراييفو في أواخر عام 1993 وبداية 1994.

جمّع جافازيني المواد المتاحة خلال الأشهر الماضية وقدم بلاغاً إلى نيابة ميلانو استناداً إلى معلومات من مصدر في البوسنة والهرسك يفيد بوجود ما لا يقل عن خمسة إيطاليين كانوا على التلال المحيطة بسراييفو بهدف إطلاق النار على المدنيين.

عُقد اجتماع في النيابة العامة بميلانو الاثنين الماضي ضم المدعي العام والمدعي المكلف بالتحقيق ومحققي وحدة العمليات الخاصة في الشرطة الإيطالية لمناقشة الوثائق المطلوبة ورسم الخطوات المقبلة، بما فيها الاستماع إلى الشهود وفق البلاغ.

وتُعد رحلات القنص في البوسنة خلال الحرب مع صربيا موضوعاً تناولته الصحافة منذ نحو ثلاثة عقود، وتُروى شهادات ووثائق عن الظاهرة عبر الزمن.

خلفيات وظلال القضية وتوثيقها الإعلامي

وظهرت مسألة القنّاصين السياح خلال محاكمة قائد جيش صرب البوسنة راتكو ملاديتش في لاهاي.

وقال الأميركي جون جوردان، وهو عامل إطفاء تطوع للدفاع عن سراييفو المحاصرة، إن القناصة لم يكونوا من السكان المحليين، وإن طريقة لباسهم وأسلحتهم أشارت إلى كونهم سياحاً ينوون القتل.

قرر جافازيني، بعد تواصله مع مصدره، جمع المواد المتاحة خلال الأشهر الماضية وتقديم بلاغ إلى نيابة ميلانو.

وورد في وثيقة من 17 صفحة أن الاستخبارات البوسنية أبلغت مكتب الاستخبارات العسكرية الإيطالية في سراييفو بوجود ما لا يقل عن خمسة أشخاص إيطاليين كانوا على التلال المحيطة بالمدينة ويهدفون إلى إطلاق النار على المدنيين.

وفي يوليو فتحت النيابة في ميلانو التحقيق رسمياً في جرائم قتل متعمدة ومتعددة مع وجود دوافع دنيئة ووحشية.

ويشير جافازيني إلى أن مصدره ذكر أن جزءاً من الاستخبارات البوسنية كان مطّلعاً على هذه الرحلات وأنه أُعطي معلومات للضباط الإيطاليين في سراييفو حين كانت هناك مؤشرات على أن مجموعات سياحية من القنّاصة تغادر من ترييستي.

وذكر أن هؤلاء كان من هم: رجل من تورينو ورجل من ميلانو وآخر من ترييستي، وكان ميلانياً يملك عيادة جراحات تجميل.

ولاحقاً أوقف جهاز الأمن العسكري الإيطالي الرحلات السياحية المرعبة عندما اكتشف ما يجري وفق ما أُبلغ به في حينه.

وقالت عمدة سراييفو السابقة بنجامينا كارتيش إنها قدمت في 2022 بلاغاً جنائياً ضد مجهولين متورطين في نشر الموت في سراييفو، ومطلع أغسطس الماضي قدمت بلاغاً للنيابة في ميلانو عبر سفارة إيطاليا في سراييفو وتؤكد استعدادها للإدلاء بشهادتها وتواصل المطالبة بالمحاسبة.

وأكّدت أن فريقاً من المحققين يعملون كي لا يبقى البلاغ حبرًا على ورق وأنها ستواصل جهودها حتى مثول المتورطين أمام القضاء.

سبق أن تناولت قضية قنّاصة عطلة نهاية الأسبوع في كتاب أوغاد سراييفو الذي صدر في 2014، وأشار فيه الكاتب الصحفي لوكا ليوني إلى وجود رحلات سياحية يشارك فيها أجانب من أوروبا ويدفعون لقاء عطلة نهاية أسبوع يطلقون خلالها النار على المدنيين.

قال ليوني إن الصحافيين وسكان سراييفو كانوا يعرفون القضية، وإن أجانب من أوروبا بينهم الإيطاليون كانوا يدفعون عند نقاط التفتيش التي يديرها المسلحون ليقضوا عطلة نهاية أسبوع يطلقون خلالها النار على المدنيين.

وتقع سراييفو محاطة بالجبال ما سهل حصارها واستهداف المدنيين.

وأشار ليوني إلى وجود \”حزمة سياحية كاملة\” لرحلات القنص، قائلاً إن ثرياً إيطالياً كان يسير مع مقاتل صربي يدعى \”سنايبر\” وكان يريد اختبار قتل إنسان خلال عطلة نهاية أسبوع مع ضمان الهروب من العقاب ضمن هذه الحزمة.

أسفرت الحرب عن مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص في البوسنة والهرسك بين 1992 و1996 بفعل القصف ونيران القنّاصين، وكانت القنّاصة أحد أبرز مظاهر الرعب في حياة السكان المحاصرين.

وكانت أشهر الحوادث تلك التي وردت في فيلم روميو وجولييت في سراييفو، حيث قتل قناص العاشقين بوشكو بركيتش وآدميرا إسميتش أثناء محاولتهما عبور جسر، وبقي جثمانهما في منطقة فاصلة لمدة أيام عدة فظلت رمزاً لوحشية الحرب.

وتشير وثائق الدعوى إلى أن وثائقي \”سفاري سراييفو\” الذي صدر في 2022 كان محورياً في القضية، وأن جافازيني قال إنه يملك كلمات مرور للوصول إلى نسخة محجوبة من الفيلم.

وأفاد البلاغ بأن الزبائن كانوا أثرياء جداً قادرين على تحمل تكلفة هذه المغامرة، وأن بعضهم كان قريباً من التيار اليميني المتطرف.

وذكرت الوثائق أن تغطية \”الصيد الشرعي\” استُخدمت كذرائع لنقل المجموعات إلى وجهاتها في بلغراد دون إثارة الشكوك.

وأفادت الاستخبارات البوسنية بأن جهاز الأمن الصربي كان وراء العملية وأن الرحلات جرى توفيرها عبر شركة طيران صربية متخصصة، كما أشارت إلى أن يوفيتسا ستانيشيتش المدان بجرائم حرب في البوسنة لعب دوراً محورياً في هذا النشاط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى