من ماجا إلى ميجا: اليمين الأميركي يخطّط لترويج أجندته عبر الأطلسي

تعاون مع قوى يمينية في أوروبا
نفذت مؤسسة التراث، المحرك الفكري وراء وثيقة من 922 صفحة أصبحت دليل السياسات الأساسي لإدارة ترامب خلال ولايته الثانية، تعاوناً مع حركات قومية يمينية متطرفة في أوروبا لتصدير استراتيجيتها في مواجهة السياسات التقدمية، وفقاً لتقرير نشرته بوليتيكو. وتعد هذه الوثيقة جزءاً من ما يعرف بمشروع 2025 الذي أرسته المؤسسة كخارطة طريق لسياسات حظر وتغييرات جذرية في النظامين السياسي والإعلامي.
وقد عقدت المؤسسة مؤتمراً في روما في أواخر أكتوبر داخل مقر سابق كان مملوكاً لرئيس الوزراء الإيطالي الراحل سيلفيو برلسكوني، وركز المؤتمر على أزمة الديموغرافيا في أوروبا وفكرة أن انخفاض معدلات المواليد يشكل تهديداً للحضارة الغربية. وشارك في المؤتمر روبرت سيفيرينو، نائب رئيس المؤسسة لشؤون السياسات الداخلية ونائب رئيس المشاريع المرتبطة بإلغاء الإجهاض في الولايات المتحدة، إلى جانب إيوجينيا روطشيلا، وزيرة الأسرة الإيطالية المعارضة للإجهاض، ونائبة رئيس مجلس الشيوخ وأعضاء من مراكز أبحاث يمينية إيطالية.
كما شارك سيفيرينو ورئيس المؤسسة كيفن روبرتس في مؤتمرات ولقاءات عقدتها مجموعات يمينية متطرفة مثل Patriots for Europe، التي تضم أحزاباً مثل التجمع الوطني الفرنسي بقيادة مارين لوبان والرابطة الإيطالية، تحت شعار «لنجعل أوروبا عظيمة مجدداً» MEGA. وذكر سيفيرينو أن الاجتماعات التي جرت مع أحزاب اليمين الأوروبي هدفت إلى تبادل الأفكار، لكن الرسالة كانت أقوى من مجرد مجاملات.
بالنسبة للمسؤولين الأوروبيين، مثل هؤلاء المحاورين يمثلون وسيلة للوصول إلى أشخاص مقربين من ترامب. أما بالنسبة للمؤسسة، فهذه الاجتماعات تعني توسيع نفوذها خارج واشنطن وتحقيق أهدافها الأيديولوجية التي باتت أقرب إلى نهج MAGA بقيادة روبرتس. وصرح مايك جونزاليس، باحث في المؤسسة، بأنه يلتقي بالأحزاب المحافظة لتبادل الخبرات في التصدي لتحديات مشتركة، مشيراً إلى أن محاوريه مهتمون بسياسات الإجهاض ونظريات النوع والدفاع والصين، وأن أجزاء من مشروع 2025، مثل قسم وقف تمويل هيئات البث العامة، يمكن نقله بسهولة إلى أوروبا.
يؤكد النص أن المؤسسة كانت ناشطة في أوروبا لسنوات، لكن الطلب على تعاونها ازداد منذ عودة ترامب إلى المنصب، حيث يرى قادة اليمين الأوروبي أن في إمكانهم الاستفادة من نموذج المؤسسة لتحقيق مقاربات أقوى في مجالات كثيرة من بينها السياسات الاجتماعية والهوية الوطنية والسيادة.
هذه ليست المرة الأولى التي يحاول فيها تيار «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» حشد اليمين الأوروبي. ففي 2019 حاول ستيف بانون توحيد الأحزاب القومية الشعبوية تحت مظلة مركز أبحاث يحمل اسم «الحركة»، لكنه لم ينجح بسبب غياب الدعم من قبل تلك الأحزاب نفسها. ويشكك بعض المراقبين في أن المحاولة الجديدة ستؤدي إلى نتائج مختلفة، مع تأكيد بعض المحللين أن لليمين الأوروبي موارده وسياساته الخاصة التي لا تحتاج كثيراً إلى دعم مراكز مثل التراث، وأن مهمة المؤسسة في وضع تشريعات دقيقة تبقى محدودة في سياق القوانين والمعاهدات الأوروبية.
محاولة ثانية لأوسع تأثير في أوروبا
ومع ذلك يظل الهدف واضحاً لدى المؤسسة وحلفائها: توسيع تأثير «مشروع 2025» في أوروبا عبر تعزيز روابط مع قوى يمينية متطرفة، وتوظيف قضايا مثل الهجرة وسيادة الدولة والبيئة والسيطرة على التنظيم الرقمي كأجندة مشتركة تقودها قوى يمينية تقودها أوروبا، وتستخدم نقد السياسات التقدمية كوسيلة للدفع بتشريعات ومسارات سياسية تقود إلى تقليص السياسات الأوروبية الكبرى وتبنّي نمط أقرب إلى المصالح الأميركية وشركات التكنولوجيا. وفي وقت سابق من العام استضافت المؤسسة مقترحات من مركزين بحثيين يمينيين متطرفين هما MCC في المجر وOrdo Iuris في بولندا لإعادة هيكلة الاتحاد الأوروبي وتقويض مفوضية الاتحاد الأوروبي ومحكمة العدل الأوروبية. وتستمر أنشطة المؤسسة في أوروبا رغم جدل داخلي داخل الولايات المتحدة بعد انحياز رئيس المؤسسة كيفن روبرتس إلى جانب مذيع في مواجهة انتقادات بسبب تسجيله مقابلة مع ناشط يميني، وهو ما أثار تمرداً داخلياً ثم قدم اعتذاراً لاحقاً.
ويرى كينيث هار من منظمة Corporate Europe Observatory غير الربحية أن تنفيذ أجندة «مشروع 2025» بسرعة داخل الولايات المتحدة منح مؤسسة التراث مصداقية أكبر في أوروبا، مضيفاً أن المؤسسة لم تعد مركزاً بحثياً أميركياً فحسب بل أصبحت تمثل تحالفاً لـ«لنجعل أميركا عظيمة مجدداً» وتتصدى سياسياً كأنها سياسة خارجية تم تنفيذها بالنيابة عن الرئيس. ويرى الباحثون أن للمؤسسة سبباً مباشراً لتركيزها على أوروبا، حيث تعتبر القارة موضوعاً للمانحين والنشطاء في الولايات المتحدة الذين يقلقون من تأثيرات «أسلمة» القارة والسياسات اليسارية فيها.
وصرح جونزاليس لبوليتيكو بأن «لدينا مصلحة وجودية في أن تكون أوروبا ذات سيادة وقوية وحرة»، وهو تعبير يوضح الهدف الذي يسعى إليه دعم ترابط القوة السياسية لهذه الحملة خارج الولايات المتحدة. وفي سياق أوروبا، استمرت المؤسسة في تعزيز حضورها عبر هيئات بحثية يمينية متطرفة ومراكز فكرية في القارة، وهو ما يمثل، وفق بعض المراقبين، مشروعاً منظماً لتشكيل السياسة الأوروبية بما ينسجم مع مصالح وأولويات جماعات اليمين المتطرف ونظرائهم في واشنطن.




