بعد فوز تاريخي بمنصب عمدة نيويورك.. ما التحديات التي تنتظر ممداني؟

فاز زهران ممداني بعمدة نيويورك ليصبح أول مهاجر من أسرة مسلمة يشغل هذا المنصب، وأول اشتراكي ديمقراطي يقنع سكان المدينة المتنوعين بأجندته السياسية.
وجد ممداني نفسه بعد الفوز أمام اختبار صعب لتنفيذ وعوده التي شملت تحسين السكن وتوفير الغذاء وتطوير النقل العام، لكن التمويل اللازم لخططه سيبقى عائقاً كبيراً أمام تحويل أقواله إلى واقع، وهو ما أشار إليه محللون في حديثهم للشرق بنبرة حذرة وسط مواجهة محتملة مع البيت الأبيض.
بدأت المواجهة مع التهديدات الشفهية من الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي وصف ممداني بأنه “شيوعي مجنون” وهدد بإجراءات مثل إرسال الحرس الوطني أو تقليص التمويل الفيدرالي عن المدينة إذا فاز بالنقطة الانتخابية، وهو ما أضاف عامل توتر سياسي واقتصادي إضافي إلى المشهد في نيويورك.
أجندة اشتراكية طموحة.. هل تصمد؟
في مطلع العام، برز ممداني خلال ظهور مصوّر له على شاطئ بروكلين بعد إعلان ترشحه، وهو يطرح من بين أبرز ملامح برنامجه فكرة «تجميد الإيجارات» في حال أصبح عمدة للمدينة، وهو وعد يعكس سعيه إلى معالجة أزمة الكلفة المعيشية المرتفعة في نيويورك.
يثير هذا الإجراء مخاوف من جانب الخبراء، فالمتوسط الإيجاري في المدينة يبلغ آلاف الدولارات ويضغط على غالبية الأسر، بينما يرى بعض المحللين أن التجميد قد يحفز المطورين على التأجيل أو التقطيب في مشاريع البناء الجديدة، وبالتالي قد يبطئ حركة القطاع الخاص الذي يهيمن على نيويورك في مجالات مثل المال والتكنولوجيا والخدمات الرقمية.
ولتعويض ذلك التباطؤ، يُطرح خيار الاعتماد على مزيد من المساكن العامة، وهو مسار يرى فيه بعض الأكاديميين كلفاً مالية تفوق قدرة المدينة على التمويل، في حين يقترح ممداني ربط هذه السلسلة من الإسكان بتوفير منتجات من المنتجين والمزارعين مع إعفاءات ضريبية على بضائعهم كسبيل لتقليل الأسعار في المخازن المملوكة للمدينة.
النقل العام المجاني.. فكرة أم عبء مالي؟
تشمل وعود ممداني توفير حافلات نقل جماعي سريعة ومجانية، وهي فكرة تم تمريرها جزئياً خلال مسيرته في مجلس ولاية نيويورك قبل التطلع لتعميمها في المدينة، لكنها تواجه اعتراضات من الناشطين الذين يحذرون من أثر سلبي محتمل على جودة الخدمة وتردّدها وضرورة تغطية الفجوة الإيرادية التي ستنشأ عن فقدان الإيرادات من التذاكر.
يتوقع المحللون أن تكون هناك نتائج ملموسة في تقليل تكاليف النقل في مدينة تبلغ عدد سكّانها نحو 8.5 ملايين نسمة، لكن تنفيذ البرنامج سيواجه صعوبات تنظيمية ومالية، خصوصاً مع هيمنة القطاع الخاص وتحديداً في القطاعات التي تقرر فيها المدينة تقديم خدمات حيوية تشارك في تمويلها الحكومة الفيدرالية والمحليات.
بقالات المدينة.. مشروع رمزي أم حل واقعي؟
إلى جانب الحافلات والإيجارات المستقرة، اقترح ممداني إطلاق سلسلة من البقالات المملوكة للدستور المحلي، وهو مدى إثارة للجدل بين مناصري السوق الحر ومستهلكين يلاحظون ارتفاع الأسعار في أحيان كثيرة، وفق تقييمات اقتصادية محلية.
يعتقد بعض الأكاديميين أن هذه الخطة قد لا تحدث فرقاً كبيراً في خفض تكلفة الغذاء، نظراً لارتفاع نفقات الأسر في نيويورك وتجاوز الإنفاق المتوسط الوطني. كما يرى آخرون أن إنشاء متاجر حكومية يحتاج إلى برنامج تمويل مستدام وسياسات تدعم ربط المستهلكين بالمزارعين وإعفاءات ضريبية لبضائعهم للوصول إلى أسعار مخفضة.
تحديات سياسية.. وعود ممداني وتهديدات ترمب
في خطاب انتخابي، دافع ممداني عن قابلية تنفيذ برنامجه مُشيراً إلى أن أحلامه يمكن أن تتحول إلى واقع بجهود واقعية، لكنه سيواجه تمويلاً ضخماً يفرض نوعاً من الحلول الصعبة، خاصة في مسألة رفع تكاليف المعيشة المنخفضة من خلال ضرائب محتملة على الأثرياء.
يطالب بعض الأكاديميين بأن تكون صلاحيات العمدة محدودة بموجب دستور الولاية، ما يعني أن الحكم بسياسة الضرائب قد يحتاج إلى موافقة تشريعية من الهيئة التشريعية في ألباني والحاكم، وهو ما يجعل الطريق إلى تمويل البرامج خلفية صعبة وتتطلب توافقاً سياسياً واسعاً بين المدينة والولاية.
في ألباني، تنتظر حاكمة الولاية وهي الديمقراطية كاثي هوكول، معركة سياسية مع معسكر اليسار داخل الحزب الديمقراطي، ما يجعل من غير المرجّح أن تتخذ خطوات كبيرة تُشعر ممداني بأنها خطوة نحو تقويض موقعها في معترك الانتخابات المقبلة. وبناءً على ذلك يرى بعض المحللين أن فرص ممداني في الحصول على دعم أوسع قد تتطلب تقديم برامج قابلة للتحقق من الناحية المالية وتبني سياسات تضمن استدامة التمويل من مصادر متعددة.
هل يملك ترمب صلاحيات وقف التمويل؟
تؤكد تحليلات قانونية أن ترمب قد يسعى إلى اتخاذ خطوات تقيد وصول نيويورك إلى التمويل الفيدرالي، لكن المسألة القانونية تظل معقدة، فالصلاحيات الفيدرالية تقيدها قوانين الكونغرس وقرارات المحاكم، كما أن قطع التمويل أو فرض شروط جديدة غالباً ما يواجه تحديات قضائية على مستوى الولايات والحكومات المحلية.
يشير خبراء إلى أن الكونغرس هو من يملك سلطة إقرار أو إلغاء التمويل الحكومي، وأن أي خطوة لخفض أو إيقاف المخصصات تتطلب قانوناً جديداً يوقعه الرئيس، وهو ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً من مجرد تهديد سياسي. كما أن قضايا المحكمة العليا السابقة حول “إكراه الولايات” توضح أن حجب التمويل كعقوبة قد يواجه أعراف دستورية صعبة.
ويؤكد بعض المحللين أن ترمب قد يتجنب التصعيد المباشر في نيويورك بنفسه، لكن الاحتمال يظل قائماً بأن تواجه المدينة ضغوط في التمويل وتحديداً في قطاع النقل والغذاء، وهو ما قد يمثل امتحاناً حقيقياً للمشهد السياسي في الولاية والمدينة.
وفي المقابل، يرى بعض الخبراء أن ممداني قد يحصل على دعم قوي من سكان المدينة إذا قدّم خططاً عملية وممولة بشكل مستدام، بينما قد تتعثر جهوده في إقناع الحاكم ومجلسها بتمرير تشريعات تسمح بمزيد من الضرائب على أصحاب الدخول الأعلى، وهو أحد أهم العوائق أمام تحقيق طموحاته.
النظرة العامة والسيناريوهات المحتملة
تشير استطلاعات الرأي إلى أن ترامب يواجه تقييماً سلبياً في نيويورك، وهو ما قد يعزز موقع ممداني الشعبي داخل المدينة إذا استمر في تقديم سياسات واقعية وتفاهمات مع الجهات الحاكمة. غير أن الخلاصة أن التصعيد من قبل الرئيس أو وصوله إلى وسائل الضغط الفيدرالية سيظل محدوداً نسبياً، خصوصاً في حال لم تصطدم الإجراءات بالشبكات القضائية القادرة على احتواء أي خطوة قد تُعرض على المحاكم.
يظل الطريق أمام عمدة نيويورك المنتخب صعباً، لكن مع وجود دعم محلي قوي وبرامج مالية مدروسة وتوافق سياسي في ولاية ألباني، قد يجد طريقاً إلى تنفيذ جزء من وعوده مع مرور الوقت، فيما تظل المعركة مع البيت الأبيض جزءاً من المشهد السياسي العام الذي يحدد مسار المدينة في السنوات القادمة.




