تشيني وبوش الابن: علاقة مثيرة للجدل حول قرارات الحرب الأمريكية في العراق وأفغانستان

توفي ديك تشيني عن عمر ناهز 84 عامًا، وهو شخصية مثيرة للجدل في واشنطن لعقود، لعب دورًا محوريًا في دفع السياسة الأميركية خلال فترات حاسمة.
حول منصب نائب الرئيس إلى محور قوة، وقاد الحملات العسكرية الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر، بما في ذلك قضايا التعذيب، في حين واجه تحديات صحية كبرى، إذ تعرض لأول نوبة قلبية في سن الـ37، وواجه 8 نوبات قلبية أخرى بين 2000 و2010، وخضع لعملية زراعة قلب عام 2012.
وتميز ديك تشيني بقدرة على الإدارة في أوقات الغموض، وهدوئه الظاهر يخفي صرامته، وقدرته على السيطرة في المواقف الصعبة، وفق تقارير إعلامية.
كان يفضّل العمل خلف الكواليس، ويؤمن أن دوره الحفاظ على الدولة قد يتقدم على الرأي العام، حيث يرى أن الخطر لا ينتظر البيروقراطية، وظل وصفه الأكثر تكراراً في دوائر صنع القرار الأميركي أنه ليس رجل الكلام بل رجل القرارات.
رحلة ديك تشيني السياسية
شغل تشيني مناصب عدة، منها نائب الرئيس الأميركي لولايتين بين 2001 و2009، ووزير الدفاع، وعضو الكونغرس الأميركي، وحصل على دراسات متقدمة في العلوم السياسية، وعُرف بحنكته السياسية وبقدرته على الإدارة خلف الكواليس.
في عام 1969 انتقل ديك تشيني إلى واشنطن العاصمة للعمل في الكونغرس، وبعدها التقى رامسفيلد، الذي صار له دور محوري في مسيرته السياسية.
ورافق رامسفيلد صعود تشيني السريع، وصار تشيني بمثابة اليد اليمنى له عندما شغل الأخير منصب مستشار البيت الأبيض في 1970.
وبعد استقالة نيكسون في 1974، عاد تشيني في نوفمبر 1975 إلى البيت الأبيض مرة كمساعد لرامسفيلد في عهد الرئيس جيرالد فورد.
ولم يمض سوى ست سنوات منذ وصوله إلى واشنطن كمتدرب، ولكنه أصبح في سن 34 أصغر رئيس موظفي البيت الأبيض في التاريخ.
وتشير مذكرات صنّاع القرار إلى أن تشيني كان متطرفاً في سرية الحكومة وسيادة الرئيس، وحاول دون جدوى إقناع فورد بالتصدي لتقييد سلطات التنفيذ والرقابة التشريعية.
تحولات مفاجئة
شهدت مسيرة تشيني المهنية تحولات مفاجئة في 1989 حين أُفشِل ترشيح السيناتور جون جي تاور لمنصب الدفاع بسبب فضائح وشكوك حول نزاهته، فاختار الرئيس جورج بوش الأب تشيني كخيار بديل لهذا المنصب.
ورغم أن تشيني كان قد حصل على إعفاءات من الخدمة خلال الحرب فيتنام، قال حين وصوله إلى البنتاجون كوزير للدفاع: كانت لدي أولويات أخرى في الستينيات غير الخدمة العسكرية.
حرب الخليج وانهيار الاتحاد السوفييتي
في 1989 قام تشيني بترقية كولين باول من الجيش ليصبح رئيساً للأركان المشتركة، على حساب ضباط علميين أعلى رتبة، ليصبح باول أول أميركي من أصل إفريقي يتولى هذا المنصب.
وأثبت تشيني ورئيسه جورج بوش الأب قوتهما كفريق في نزاع غزو بنما وحرب الخليج، وكان تشيني معارضاً للشيوعية ومشككاً في سياسات التسوية مع الزعيم السوفييتي ميخائيل غورباتشوف، مستخلصاً دروساً حول الاستخبارات وتغيير الأنظمة المعادية.
وأضاف أحد المستشارين أن تشيني ظل هادئاً أثناء حرب الخليج، ثم دعم قرار بوش الأب بعدم الإطاحة بنظام صدام حسين.
الترشح للرئاسة
بعد أن هزم الرئيس الديمقراطي، بيل كلينتون، جورج بوش الأب في انتخابات الرئاسة عام 1992، ترك تشيني الحياة السياسية، وذهب إلى القطاع الخاص.
وحاول تشيني الترشح في الحزب الجمهوري عام 1995، لكنه شعر بعدم قدرته على تحمل السباق الانتخابي، وقال لاحقاً إنه لم يرد الانخراط في ما يفرضه المرشحون من خطاب عاطفي غير واقعي للفوز بالانتخابات.
وفي أوائل عام 2000، طلب جورج دبليو بوش منه قيادة البحث عن مرشح لمنصب نائب رئيس، وقدم تشيني ما لا يقل عن 11 مرشحاً، لكن بوش لم يقابل أحداً منهم قبل أن يختار تشيني نفسه.
هجمات 11 سبتمبر والرئاسة المشتركة
بعد مسيرة طويلة كمستشار في الظل جاءت لحظة حاسمة في هجمات 11 سبتمبر 2001، حين أُدخل إلى ملجأ تحت الأرض وتولى القيادة، وأصدر تفويضاً بإسقاط أي طائرة مدنية مخطوفة حتى لو كانت ممتلئة بالأميركيين.
وتولى تشيني الدور الاستراتيجي الرئيسي في نشر القوات في أفغانستان، ولاحقاً العراق، وكرر في مقابلة مع كاتب سيرته أنه ليس موظفاً فحسب بل نائب رئيس منتخب تماماً كما يريده الناس.
واتسع نطاق صلاحياته إلى الحد الذي قيل إنه يعمل في «رئاسة مشتركة» مع بوش، وذكر زملاؤه أن بوش جعل تشيني المقرر النهائي، وهو وصف أكده تشيني نفسه في 2006.
تبرير التعذيب في العراق وأفغانستان
أشرف تشيني عبر وكلائه على قرار الرئيس بسحب حقوق المعتقلين في العراق وأفغانستان بموجب اتفاقيات جنيف، ودافع عن ما أُطلق عليه «الاستجواب القوي» رغم اعتباره من قبل بعض الحلفاء تعذيباً.
وفي عام 2001 شنت واشنطن حرباً على أفغانستان، وفي 2003 قاد تشيني حملة لتبرير غزو العراق مستنداً إلى مزاعم وجود أسلحة دمار شامل وعلاقات مع الإرهاب، رغم تجاوز بعض تقديرات الاستخبارات.
وأوضَح تشيني في 2007 في مقابلة أن هذه الأساليب كانت ضرورية لوقف هجمات إضافية، وأن جماعات مثل القاعدة قد تحصل على أسلحة دمار شامل بمساعدة خارجية.
ادعاءات كاذبة
وبمرور السنوات تبين أن تشيني كان مخطئاً، فلم تكن لدى العراق برامج نشطة لإنتاج أسلحة دمار شامل، وأظهرت التحليلات بعد الحرب عدم وجود روابط عملية مع القاعدة في أفغانستان.
واستمرت الحرب في العراق حتى2011 وأسفرت عن سقوط آلاف الجنود الأميركيين وبقاء القوات الأميركية لعقد إضافي في مواجهة تنظيمات مثل داعش، كما انتهت حرب أفغانستان بانسحاب في 2021 وسيطرة طالبان على البلاد.
وانتقد ديك آرمّي، زعيم الأغلبية الجمهورية عام 2008، تشيني بسبب زعم خاطئ حول أسلحة العراق النووية، قائلاً: العراق لم يصنع رأساً نووياً وأن صدام ليس له علاقة بهجمات 11 سبتمبر.
كان تشيني يصف نفسه بأنه مناهض للسياسة التقليدية ولا يتأثر بآراء الجمهور، وعندما سُئِل في برنامج Good Morning America عام 2008 عن أن ثلثي الجمهور يعارضون الحرب، قال: لا يمكنك التراجع عن المسار بسبب تقلبات استقاء الرأي.
حمّى الإرهاب
وبحلول نهاية ولايته انخفضت شعبيته إلى نطاق منخفض تاريخياً، وتحدث أصدقاءه عن صرامته ومثابرته في قيادة الولايات المتحدة بعد هجمات 11 سبتمبر، وأحياناً إلى حد الإفراط.
وأوضح مارك فايفل أن تشيني كان صلباً وعنيداً في حماية أميركا، وأنه فعل ما يراه صحيحاً رغم أنه أثار صدامات مع حلفاء في مكاتب الأمن القومي.
وعبر برنت سكوكروفت عن الخيبة تجاه تشيني قائلاً: «لا أَعُدّ أعرفه كما كنت عليه»، بينما قال فورد وباول إنه كان أصيب بما سماه «حمّى الإرهاب والعراق»، ورد تشيني في مقابلة مع CNN بأنّه لم يتغير كثيراً.
العميل الماهر وفقدان النفوذ
وصف بارْتون جيلمان تشيني بأنه تفاوض قبل قبول ترشيح بوش لنائب الرئيس على شراكة تاريخية داخل البيت الأبيض، معظّماً دور «العميل الماهر» كقائد غير معلن وراء الكواليس.
وبحلول تلك الفترة، كان تشيني فعلياً قائداً غير معلن للانتقال، يؤمن بأن الاشخاص هم السياسة ويراقب ترشيحات الوزراء ويؤثر في السياسة من وراء الستار.
تلاشى تأثير تشيني على القانون والسياسة بنهاية حكمه وبداية خروج بوش من السلطة، وتحدث مساعدو الرئيس عن وجود مشكلات سياسية خطيرة عند إصراره المستمر، فيما أصبح بوش أكثر حذراً من تصوير تشيني كالسيد وراء الستار في الإدارة.
إطلاق النار على صديق وصدام مع ترمب
وفي فبراير 2006 أطلق تشيني النار بالخطأ على صديق له يبلغ من العمر 78 عامًا خلال رحلة صيد، وأصيب في وجهه، واحتفظت الحادثة بسرية ليوم كامل، وتعد من أسوأ فترات تشيني.
ورغم ذلك ظل رمزاً للسياسة، واستعاد احترامه بعد انشقاقه عن قادة الجمهوريين لإدانة محاولة ترامب قلب نتائج الانتخابات واقتحام الكابيتول في 2021.
وفي 2022 وصف تشيني ترامب بأنه أكبر تهديد للجمهورية بعد محاولته سرقة الانتخابات بالعنف والكذب، وفي 2024 أعلن تأييده للديمقراطية كاميلا هاريس، مؤكداً وضع مصلحة البلاد والدستور فوق الولاء الحزبي.




