اخبار سياسية

أزمات صحية وحملات ترويجية لتخزين المواد الأساسية.. أوروبا تستعد لمواجهة حرب هجينة

تنطلق حملات توعية مكثفة في الدول الأوروبية لإعداد مواطنيها لمواجهة انقطاع محتمل للماء والكهرباء والإنترنت لمدة 72 ساعة في حالات الطوارئ، في إطار مخاوف من هجمات روسية هجينة قد تستهدف بنية القارة التحتية.

تدفع هذه الجهود إلى تغيير طريقة التفكير وبناء ثقافة الاستعداد والمرونة، مع إطلاق برامج توعية عبر وسائل الإعلام المحلية والمنصات الرقمية لتوعية الناس بالخطوات العملية التي تتيح لهم التحضير والتصرف عند حدوث أزمة.

أعلنت الهيئة الوطنية لمكافحة الإرهاب والأمن في هولندا عن حملة Think Ahead عبر التلفزيون والراديو والمنصات الإلكترونية، بهدف رفع الوعي وتعزيز الاستعداد لمواجهة انقطاعات في المياه والكهرباء والإنترنت خلال حالات الطوارئ.

وتتزامن هذه الإجراءات مع جهود فرنسية لإعداد النظام الصحي لمواجهة سيناريوهات طارئة تشمل معالجة آلاف الجنود العائدين من ساحات القتال، ضمن تدابير احترازية تُنفَّذ بتنسيق بين وزارة الصحة والدفاع.

طلبت وزارة الصحة الفرنسية من المستشفيات أن تستعد لتعبئة كبيرة بحلول مارس 2026، تشمل علاج 10 إلى 15 ألف جندي خلال فترة بين 10 و180 يوماً، وتندرج هذه الاستعدادات ضمن خطة أوسع لمواجهة الأوبئة والأزمات البيئية والمخاطر الأمنية، وتشمل تجهيز مراكز طبية قرب المحطات والمطارات والموانئ لتسهيل إعادة نقل الجنود الأجانب.

وأكدت وزيرة الصحة كاثرين فوتران أن الاستعداد المبكر يشبه التخزين الاستراتيجي ويهدف إلى تعزيز صمود النظام الصحي أمام الأزمات الطارئة، مستشهدة بتجربة جائحة كورونا كمثال على أهمية التخطيط المسبق.

وفي رسالة موجهة إلى السلطات الصحية الإقليمية، طلبت فرنسا من المستشفيات أن تكون جاهزة لاحتمال تعبئة كبيرة بحلول مارس 2026، مع البناء على وعي بقيود أوقات الحرب وأن تكون مستعدة لعلاج الجنود الفرنسيين والأجانب في حال حدوث نزاع واسع.

وشهدت أوروبا انتشاراً واسعاً للمقاطع التوعوية على مواقع التواصل الاجتماعي والقنوات التلفزيونية بهدف توعية المواطنين بخطورة انقطاع الخدمات الأساسية وحثهم على الاستعداد عبر تجهيز حقائب الطوارئ وخطط عائلية والتواصل مع الجيران وتخزين المواد الغذائية والمياه الأساسية.

وأوضحت الهيئة الهولندية أن الحكومة والجهات المختصة ستتجه إلى المناطق الأكثر احتياجاً خلال الأزمات، لكنها لا تستطيع التواجد في كل مكان في اللحظة نفسها، محذّرة من أن معظم الناس سيحتاجون للاعتماد على أنفسهم خلال أول 72 ساعة من الأزمة.

وتأتي هذه الحملات في سياق مخاوف من حرب هجينة مدعومة بوسائل الإعلام والالكترونية والهجمات على البنية التحتية، وتبرز فرنسا التي أطلقت حملة استعدوا لتوعية السكان حول كيفية التعامل مع الانقطاعات وخطط الطوارئ العائلية والمواد الأساسية.

وأشارت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى أن الدول الواقعة على أطراف الاتحاد وبجوار روسيا وأوروبا الشرقية أصبحت أكثر عرضة لهجمات هجينة، بما في ذلك تخريب البنى التحتية والكابلات البحرية وتدخلات عسكرية، رغم نفى روسيا لمسؤوليتها عن العديد من الحوادث.

وأكدت فون دير لاين أن هذا يُعد سمة من سمات الحرب الهجينة حيث تكون الحوادث في منطقة رمادية يصعب نفيها أو إثباتها، فيما تؤكد تقارير صحافية غربية أن موجة الهجمات مستمرة وتستهدف بشكل خاص دول البلطيق وألمانيا وبريطانيا وأوروبا الشرقية.

وتدرك الدول الأوروبية أن الوقت قد حان لتعزيز الأمن الإقليمي والدفاعي، مع تعهد حلف الناتو بزيادة الإنفاق الدفاعي وتعبئة قطاع الدفاع في أوروبا لمواجهة ما يوصف بأنه تهديد دائم تمثله روسيا، ويعتبر المحللون أن حملات الاستعداد المدني لم تعد مجرد إجراءات احترازية بل جزءاً أساسياً من استراتيجية أوروبا لصمود سكانها خلال أول 72 ساعة قبل تدخل السلطات.

خارطة طريق الاستعداد الدفاعي 2030

وأطلقت المفوضية الأوروبية خطة دفاعية طموحة تهدف إلى تعزيز قدرات الاتحاد الأوروبي العسكرية بحلول عام 2030، رداً على الحرب الروسية في أوكرانيا والتزامات الولايات المتحدة تجاه الأمن القاري، وتؤكد الخطة أن الاستعداد العسكري لم يعد خياراً بل ضرورة لضمان استقلالية وأمن أوروبا مستقبلاً.

وتحدد الخطة أهدافاً واضحة لتعزيز القدرات العسكرية الأوروبية، بما في ذلك سد الثغرات في الدفاع الجوي والصاروخي والتنقل والذكاء الاصطناعي والأمن السيبراني والمدفعية والطائرات المسيرة والعمليات البحرية والحرب الهجينة، مع السعي إلى رفع نسبة المشتريات الدفاعية المشتركة إلى 40% بحلول نهاية 2027 وتحقيق 55% من الشراء من شركات الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا بحلول 2028 و60% بحلول 2030، في إطار تعزيز التكامل وتقليل الانقسامات بين الدول الأعضاء.

وتتضمن الخطة تعبئة تصل إلى نحو 800 مليار يورو تشمل برامج مثل SAFE لإقراض الأسلحة بقيمة 150 مليار يورو، والصندوق الأوروبي للدفاع والبرنامج الأوروبي الصناعي الدفاعي، إضافة إلى الميزانية الأوروبية متعددة السنوات القادمة، مع تأكيد أن الدول ستظل تحتفظ بسيادتها الدفاعية وتنسيقها الوثيق مع حلف الناتو لتجنب ازدواجية الهياكل الدفاعية، مع مراعاة التهديدات العالمية من الشرق الأوسط وإفريقيا لضمان جاهزية أوروبا للمعارك القادمة في عالم تشهد فيه تدخلات من دول استبدادية وتغير في أولويات الحلفاء.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى