اقتصاد

بلومبرغ: المتحف الكبير رمز السياسة المصرية المتوازنة

تفتح مصر رسمياً أبواب كنزها الأثري، القيّمة بنحو مليار دولار، في الأول من نوفمبر، ليقف كبار الساسة في ظل تمثال الملك رمسيس الثاني.

يزيّن تمثال أعظم الفراعنة، البالغ طوله 11 متراً والمنحوت من الغرانيت الأحمر قبل نحو 3200 عام، القاعة الرئيسية الفسيحة في المتحف المصري الكبير، وهو مشروع يهدف إلى إنعاش قطاع السياحة الحيوي ويعكس المكانة العالمية المعاصرة لمصر.

بعد عقود من الإعداد، يأتي افتتاح المتحف في توقيت مثالي، بعد أيام قليلة من استقبال الرئيس عبد الفتاح السيسي لنظيره الأميركي دونالد ترمب وعدد من قادة العالم في منتجع شرم الشيخ على البحر الأحمر، حيث روّج ترمب لخطته للسلام في غزة وربما أشار إلى جوانبها في لقاء السيسي.

رمسيس الثاني رمزٌ مناسب، إذ ارتبط اسمه بأول معاهدة سلام دولية موثقة في التاريخ مع الحيثيين، الذين كانوا من أوائل سكان ما يُعرف اليوم بتركيا، وتُعرض نسخة من هذه المعاهدة في مقر الأمم المتحدة بنيويورك كرمزٍ للتفاهم المتبادل وإرساء نظامٍ عادل.

توازن دبلوماسي محفوف بالمخاطر

يُظهر هذا التوازن، كما يصفه مطلعون ومحللون، دولةً تسعى لتعظيم الاستفادة من موقعها الاستراتيجي وصلاتها التاريخية وثقلها الثقافي في سياق تزايد النفوذ الإقليمي للدول الخليجية الداعمة للعديد من اقتصادات المنطقة، مع مراعاة محدودية الموارد وتزايد السكان وتأثرها بتغيرات المناخ.

يظل العالم منقسمًا في سعيه إلى حضور أكثر وضوحاً للدول متوسطة القوة، وهو ما يجعل مصر حريصة على استخدام درع المرونة مع القوى الكبرى من دون التخلي عن مصالحها الأساسية، في حين قد تضطر الحكومات إلى اختيار جانب في حال استمرار المنافسة المحكومة بين الولايات المتحدة وآسيا.

السياسة المصرية المتوازنة

تؤكد مصر سعيها إلى بناء شراكات وتحالفات مع مختلف الأطراف مع الحفاظ على سيادتها الوطنية، بينما تتعزز علاقاتها مع الصين في إطار تعاوني حيوي يتجاوز المصالح الاقتصادية إلى مشاريع بنى تحتية وتطوير صناعي، وتستمر العلاقات الروسية في الدعائم الاستراتيجية، خصوصاً مع وجود تعاون روسي في مجالات الطاقة والتسليح وتبادل الخبرات، إضافة إلى التنسيق مع إيران وتواصل مع دول البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط.

تتمتع الصين بمكانة شريك اقتصادي رئيسي، وتدعم القاهرة حراكها في عدة مجالات دون فرض شروط مسبقة، وتتزايد الاستثمارات الصينية في مصر إلى جانب وجود مشاريع مصرية صينية مشتركة في مختلف القطاعات الحيوية.

أما مصر داخلياً، فترتقي التحديات السكانية والموارد المائية والزراعية إلى مقدمة الأولويات، في حين يعتمد اقتصادها على واردات غذائية واستيراد طاقي لتلبية احتياجات السكان وتخفيف أثر تراجع الغاز، وهو ما يجعلها أكثر تأثراً بالتقلبات العالمية وبأزمات أسعار المواد الأساسية.

دور مصر في الاستقرار الإقليمي

تعتبر القاهرة نفسها ركيزةً للاستقرار الإقليمي ومصدراً لدفع السلام العالمي، وتحرص على إقامة علاقات وثيقة مع جميع الأطراف مع الحفاظ على استقلالها وقراراتها الوطنية، وهو نهج يحظى بتقدير من قبل مجموعة من الدول الكبرى والدول الإقليمية على حد سواء.

تسعى مصر إلى تشكيل شراكات وتنسيق مع تكتلات مثل بريكس أو مجموعة العشرين، دون أن تتجاوز خطاً أحمر يحفظ سيادتها ومصالحها الحيوية في الأمن والمياه والغذاء.

إرث تاريخي وتطور العلاقات الدولية

يكمن ثبات السياسة المصرية في الحفاظ على مبدأ التوازن بين القوى الكبرى منذ حقبة جمال عبد الناصر، مروراً بفترة أنور السادات التي شهدت انتقالاً نحو واشنطن، وصولاً إلى التحولات الراهنة التي تفتح الباب أمام تفاهمات وتعاون مع روسيا والصين والقبول بوجود توجهات جديدة في الإقليم، مع صافٍ من الحفاظ على علاقات مع اليونان والسعودية والإمارات والجهات الأوروبية، جميعها ضمن إطار يحفظ السيادة ومصالح البلاد الاستراتيجية.

شراكات مع روسيا والصين والتبعات الإقليمية

شهدت الأشهر الأخيرة مشاركات مصر في القضايا الإقليمية والدولية من خلال ظهور شراكات مع روسيا والصين، بما في ذلك حضور مصر كعضو في تكتل اقتصادي عالمي وتزايد حجم التبادل التجاري مع روسيا والصين، مع وجود مشاريع روسية وبإحلال استثمارات صينية في مصر، ما يعزز موقع القاهرة كطرف فاعل في منظومة العلاقات الدولية في منطقة تشهد تحولات كبيرة.

على الصعيد الإقليمي، تزداد أهمية مصر كقوة وسيطة في النزاعات الإقليمية، وتلعب دوراً رئيسياً في قضايا مثل سد النهضة وتوازن الدول المجاورة، مع الحفاظ على أنشطة دبلوماسية نشطة وتبادل زيارات واتصالات رفيعة المستوى مع مختلف الدول لحفظ الاستقرار في المنطقة والمساهمة في تعزيز الأمن العالمي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى