زهران ممداني: اشتراكي يعيد تعريف هوية نيويورك

يعزز صعود زهران ممداني في استطلاعات الرأي تقدّمه كمرشح ديمقراطي يحمل برنامجا تقدميّا يسعى لإعادة توزيع الثروة وتوسيع الخدمات العامة ووضع سقف للإيجارات.
أظهر استطلاع جامعة كوينيبياك حديثاً أن ممداني، البالغ من العمر 38 عاماً، يحصل على 43% من أصوات الناخبين المحتملين، مقابل 33% لكومو و14% لسليوا، فيما قال 6% إنهم لم يحسموا موقفهم ورفض 3% الإجابة.
وقالت ماري سنو، نائبة مدير استطلاع الجامعة، إن المرشحين عرضوا برامجهم وبداية التصويت المبكر قد بدأت. يتقدم ممداني بفارق يقرب من عشرة نقاط عن كومو، بينما سليوا في مركز متأخر، لكن نسبة الناخبين غير الحاسمين ارتفعت قليلاً منذ بداية الشهر ما يشير إلى احتمال تغيّر في اللحظات الأخيرة.
قلب الولايات المتحدة
تنعكس فيها تناقضات الولايات المتحدة بين الثراء الفاحش والفقر المدقع، وبين الرأسمالية والطموحات الاجتماعية.
وتضم نيويورك مقرات كبرى لشركات عالمية ومركز الأمم المتحدة، وفي الوقت نفسه يعيش فيها ملايين العمال والمهاجرين الذين يكافحون لتأمين أبسط احتياجاتهم.
أشار البروفيسور تيد بيلت، أستاذ السياسات في جامعة جورج تاون، إلى أن عندما يعمل أشخاص في وظيفتين فقط كي يعيشوا، بينما يعيش آخرون في ثراء فاحش، يصبح صوت جديد يطالب بتوازن اقتصادي وهذا يفسر صعود ممداني.
تبدو المدينة كعالم مضغوط داخل نحو 300 ميل مربع، ففي مانهاتن ينبض قلب المال والثقافة بناطحات السحاب وسنترال بارك والأمم المتحدة، بينما تقود بروكلين التحول من منطقة صناعية إلى موطن للفنانين وشركات التكنولوجيا وتتصاعد الإيجارات بلا حدود.
أما كوينز، التي فاز فيها ممداني بمقعد في المجلس البلدي، فهي منطقة متنوعة لغاتها تتحدث فيها أكثر من 180 لغة.
وتحمل البرونكس إرث موسيقى الهيب هوب وتواجه تهميشاً اقتصادياً، بينما تميل ستاتن آيلاند المحافظة إلى الجمهوريين.
ويقع التوازن في المدينة بين وجود مكاتب زجاجية فاخرة وشقق ضيقة يعيش فيها مهاجرون وطبقة عاملة تكافح من أجل البقاء.
وتشير مجلة فوربس إلى أن نيويورك تضم 123 ملياريراً و384 ألف مليونير، وتسيطر أعلى 5% من السكان على نحو 40% من الدخل، في حين يعمل كثيرون بثلاث وظائف لتغطية النفقات.
تحولات فكرية داخل الحزب الديمقراطي
يرى البروفيسور بيلت أن ممداني يؤمن بأن الدولة يجب أن تلعب دوراً أكبر في إعادة توزيع الثروة، خلافاً للتيار الوسطي الذي يمثله الرئيسان السابقان بيل كلينتون وباراك أوباما.
ويشير إلى أن ممداني ليس خارج الحزب، بل يمثل تحولاً داخلياً في الحزب الديمقراطي نفسه.
تشير مؤسسة روبن هود في تقريرها لعام 2023 إلى أن واحداً من كل أربعة من سكان نيويورك يعيش في فقر مدقع بعد احتساب كلفة المعيشة، إذ تبلغ كلفة حضانة طفل واحد نحو 26 ألف دولار سنوياً، وهو رقم يقارب خط الفقر الفيدرالي لأسرة كاملة.
ويزيد المشهد تعقيداً أن 37% من سكان نيويورك وُلدوا خارج الولايات المتحدة، ما يجعل المدينة مهد المهاجرين الذين يطاردون أحلامهم بينما يكافحون تكاليف الحياة المرتفعة.
إحياء الاشتراكية الديمقراطية
أعاد هذا المزيج بين الطموح والاحتياج الحياة إلى فكرة الاشتراكية الديمقراطية التي تبدو اليوم أقرب إلى نموذج دولة الرفاه الأوروبية: اقتصاد رأسمالي مع ضرائب وضوابط وخدمات عامة قوية.
ترجع جذور الفكر إلى المفكر مايكل هارينجتون، مؤلف كتاب أميركا الأخرى، الذي كشف عن تفشي الفقر وسط الازدهار وطرح فكرة لتأسيس حركات اشتراكية ديمقراطية في أميركا.
وظلت الحركة هامشية حتى أحياها بيرني ساندرز خلال حملاته الرئاسية في 2016 و2020، فارتفع عدد أعضائها وبرزت أسماء مثل ألكساندريا أوكاسيو-كورتيز وجوليا سالازار كقادة للديمقراطيين التقدميين.
برنامج ممداني وتحدياته القانونية
يطرح ممداني وعوداً طموحة تتضمن رفع الضرائب بنسبة 2% على من يتجاوز دخله مليون دولار سنوياً وتوجيه العائدات إلى رعاية الأطفال والبنية التحتية للنقل وتوسيع الخدمات الاجتماعية، إلى جانب تجميد الإيجارات.
لكن تطبيق هذه الوعود يواجه عائقاً قانونياً يعود إلى أن صلاحيات الضرائب تخص حكومة الولاية وليست بلدية المدينة، ما يجعل تنفيذها مرتبطاً بموافقة الحاكم في ألباني.
في المقابل، يحذر خصوم ممداني من أن رفع الضرائب قد يدفع الأثرياء إلى مغادرة المدينة، إلا أن دراسات اقتصادية تشير إلى أن هذا الاحتمال ضعيف، لأن ثروة النخبة في نيويورك مرتبطة بنظامها المالي وفرصها الفريدة.
تظل نيويورك مدينة تقوم على توازن دقيق بين المال والسياسة؛ فهي تعتمد على ضرائب الأثرياء لتمويل خدماتها، لكنها أيضاً موطن الطبقة العاملة والمهاجرين الذين يشكلون نسيجها الحقيقي.
ويرى بيلت أن ممداني يمثل صوت الناس المتعبين اقتصادياً الذين يقولون إن المدينة يجب أن تخدم الجميع، لا أن تكون نادياً للأثرياء فقط. أما ممداني نفسه، فيقول في أحد خطاباته: يمكننا أن نوفر الكرامة للجميع إذا جعلناها أولوية.
وفي النهاية، تبقى نيويورك المدينة التي تأسست على موجات الهجرة والمصانع والمرافئ وتعيد التفكير في نفسها.




