مصادرة أصول روسيا: ما هي الضربة التالية بعد تشديد العقوبات؟

فرضت الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أقوى حزمة عقوبات على روسيا أملاً في إنهاء الحرب الدائرة بين روسيا وأوكرانيا.
وإذا لم تفلح هذه الخطوة في ردع الكرملين، قد يلجأ الغرب إلى توجيه ضربة أخرى عبر مصادرة أصول البنك المركزي الروسي الموجودة في الدول الغربية.
ولكن ليست هذه الخطوة سهلة، إذ ستكون لها تداعيات قانونية وسياسية واقتصادية كبيرة، لذا أجل الاتحاد الأوروبي اتخاذ قرار بشأن استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة لتمويل دعم أوكرانيا حتى ديسمبر ليتيح وقتاً إضافياً لدراسة العواقب المحتملة.
حجم الأصول الروسية في الغرب وأين تُحتجز
تبلغ قيمة الأموال الروسية المجمدة لدى الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع وأستراليا نحو 280 مليار دولار في شكل أوراق مالية ونقد، وتدار معظمها عبر شركة المقاصة يوروكلير ومقرها بلجيكا.
كما جُمِّدت إضافياً أصول تقدر بنحو 58 مليار دولار تخص أشخاص روساً بارزين، وتضم منازل ويخوتاً وطائرات خاصة وفق تقديرات وزارة الخزانة الأمريكية.
وتشير تقديرات إلى أن الأصول الروسية المجمدة تتراوح بين 300 و330 مليار دولار، وفق معهد بروكينجز. وفي 2022 كانت غالبية هذه الأصول عبارة عن أوراق دين مقوّمة باليورو أو الدولار الأميركي، وتدير يوروكلير نحو 90% من الاحتياطيات المجمدة في الاتحاد الأوروبي، بينما تحتفظ فرنسا بنحو كبير من الباقي، وتملك الولايات المتحدة نحو 5 مليار دولار فقط.
الوضع القانوني لمصادرة أصول روسيا
حذرت فاليري أوربين رئيسة تنفيذية ليوروكلير من أن خطوة مصادرة هذه الأصول قد تكون محفوفة بالمخاطر، وتثير قلقاً من احتمال انتهاك الحصانة السيادية للدول بموجب القانون الدولي.
كما أبدت دول أعضاء مثل ألمانيا وبلجيكا ولوكسمبورغ، إضافة إلى البنك المركزي الأوروبي، مخاوفها من أن المصادرة قد تؤدي إلى دعاوى قانونية وافتئات على مكانة اليورو وتشكك في استقرار النظام المالي، وهو ما يجعلها خياراً صعب التطبيق بلا آليات حماية.
ولاقت فكرة استخدام أصول البنك المركزي الروسي رفضاً من بلجيكا، التي أشارت إلى مخاوف قانونية تتعلق بالأصول المجمدة على أراضيها وتقدرها بنحو 185 مليار يورو، ووصف رئيس الوزراء الخطة بأنها «مجازفة كبيرة» تتطلب تقاسم المخاطر وضمانات طويلة الأجل، واقتُرح البحث عن مصادر تمويل بديلة لأوكرانيا.
ويوجد خيار آخر يجري مناقشته وهو فرض الدول الأعضاء مصادرة الأصول السيادية كتعويض عن تدمير البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا.
وقالت بلومبرغ إن الخدمة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأعضاء درست ما إذا كانت هناك حاجة لإصدار قرارات قضائية كأساس قانوني للاستيلاء على الأصول المجمدة أم أن حساب الضرر سيكون كافياً.
هل تمت مصادرة أصول روسية بالفعل؟
نعم، صودرت أو جُمِّدت أصول روسية في الغرب وتُركّزت على عشرات اليخوت والفيلات والعقارات الخاصة بالأثرياء الروس، كما أن مثال اليخت تانغو المرتبط بأوليغارش روسي قد جرى ضبطه في إسبانيا بطلب أميركي.
وأعلنت المملكة المتحدة منذ بدء الحرب أن أصول روسية تبلغ قيمتها أكثر من 25 مليار جنيه إسترليني جُمِّدت، بما في ذلك أصول مالية وعقارية وسفن فاخرة، لكن لم تتحول إلى ملكية حكومية حتى الآن، مع السعي لاستخدام عوائد هذه الأصول لتمويل دعم أوكرانيا كما حدث عندما خصص نحو 70 مليون جنيه من فوائدها لشراء صواريخ لكييف.
وفي إطار آخر احتُجزت يخوت ضخمة في إيطاليا، منها واحد يعتقد أنه مرتبط ببوتين وآخر يصف بأنه الأكبر في العالم، وتُقدر قيمتهما بنحو 650 و550 مليون دولار على التوالي، بينما صادرت ألمانيا يخت Delbar المرتبط بملياردير أليشر عثمانوف وتبلغ قيمته نحو 600 مليون دولار. وتُقدَّر قيمة المصادرات بنحو 4 مليارات دولار، وفق بلومبرغ في نوفمبر 2022. كما قررت ألمانيا تأميم أصول غازبروم داخل أراضيها عبر شركة فرعية تحمل اسم سيكيورينغ إنرجي فور يوروب، في حين حصلت يونيبر على حكم تعويض يفوق 13 مليار يورو ضد غازبروم بسبب انقطاع الإمدادات منذ 2022، ولا تزال تسوية النزاع قيد التنفيذ.
ما الخطط المطروحة لاستخدام هذه الأموال؟
يدرس قادة الاتحاد الأوروبي خطة لتوفير قروض بقيمة 140 مليار يورو لأوكرانيا من أصول البنك المركزي الروسي المجمدة، وهو مسار حظي بتعزيز بعد أن أوقفت الولايات المتحدة دعمها المباشر لكييف، تاركة أوروبا تتحمل جزءاً من عبء المساعدة وفق ما نقلته تقارير بلومبرغ.
اقترحت إسبانيا إنشاء صندوق دفاع يهدف إلى منح تعويضات غير قابلة للاسترداد لتعزيز الدفاع الأوروبي ودعم أوكرانيا عبر استخدام أصول البنك المركزي الروسي المجمدة، وقالت مدريد إن نحو 200 مليار يورو من الأصول الروسية في أوروبا يمكن أن تُستخدم أيضاً لتمويل مشاريع عسكرية لصالح أوكرانيا.
استخدم الاتحاد الأوروبي العائدات الناتجة عن الأصول الروسية المجمدة لتغطية جزء من ميزانية أوكرانيا ضمن حزمة قروض قدرها 50 مليار دولار قدمها الحلفاء من مجموعة السبع. كما تدرس المفوضية الأوروبية خيارات إضافية لاستغلال هذه الأصول وسط مخاوف من تداعيات المساعدات الأميركية.
في 22 مارس 2024، اقترح رئيس الوزراء البلجيكي إصدار سندات مدعومة بأرباح الأصول الروسية المجمدة كآلية لتمويل الفوائد على هذه الأصول ثم الاستفادة منها بشكل أوسع. كما دعا المفوض الاقتصادي في الاتحاد الأوروبي، فالديز دومبروفسكيس، إلى خطوات أكثر جرأة مثل مصادرة الأصول المجمدة للبنك المركزي الروسي كتعويض لأوكرانيا، مؤكداً أن مبدأاً قوياً في القانون الدولي يجعل من المعتدي مسؤولاً عن الأضرار ويتطلب آليات لإلزام روسيا بدفع ثمن ما ارتكبه من أذى.
ولتهدئة المخاوف، اقترح الاتحاد الأوروبي عقد ديون مع يوروكلير بسعر فائدة 0% لضمان الوفاء بأي مطالب روسية مستقبلية، وصرحت رئيسة المفوضية أورسولا فون دير لاين بأن من الممكن توفير نحو 140 مليار يورو وتقديمها لأوكرانيا على شكل دفعات مع شروط محددة، بينما أبدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد استعدادها لاستخدام الأصول الروسية المجمدة بشرط أن يتحرك العالم بشكل موحّد في هذا الملف.
تسعى الخطة إلى منح أوكرانيا قروضاً جديدة بنحو 140 مليار يورو على شكل شرائح، مع ربط ذلك بموافقة روسيا على تعويض أوكرانيا عن الأضرار، مع تنسيق الجهود مع الحلفاء في مجموعة السبع بما في ذلك الولايات المتحدة، حيث توجد أموال محفوظة في بعض الحالات.
موقف روسيا وتداعيات محتملة للمصادرة الكلية
قد ترد روسيا بتأميم وبيع أصول مملوكة لأجانب بسرعة كآلية خصخصة جديدة، حسب تقارير بلومبرغ، بعد أن وقع بوتين مرسوماً يتيح تسريع بيع الأصول الحكومية وتسجيل الملكية بسرعة، وتكليف Promsvyazbank بمتابعة هذه الصفقات ضمن إطار يتماشى مع العقوبات المفروضة.
وصف المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف الخطة بأنها «مصادرة غير قانونية للممتلكات الروسية» محذرًا من أن استمرار هذه الإجراءات قد يعرّض النظام المالي العالمي للخطر، بينما لم تقم روسيا حتى الآن بتأميم أصول الشركات العالمية لكنها اتخذت خطوات بوضع بعض الشركات تحت إدارة مؤقتة قبل بيعها بأسعار مخفضة، وفق تقارير بلومبرغ.
التداعيات المحتملة لمصادرة كل الأصول
في حال تمت مصادرة كل الأصول الحكومية الروسية في الغرب، ستنشأ منازعات قانونية دولية واسعة، إذ ستفتح المرافعات أمام محاكم وطنية ودولية وتستمر سنوات وتكبد الدول المطالبة تعويضات كبيرة.
كما قد تقوّض المصادرة ثقة المستثمرين في الديون السيادية الأوروبية وتزيد تكاليف الاقتراض في منطقة اليورو إن لم تتم بشكل منسّق مع الدول الكبرى، ما يعرّض الاستقرار النقدي للخطر، وفق دراسات برلمانية. وتفقد الغرب ورقة تفاوضية مهمة في أي مفاوضات مستقبلية وتصبح سابقة خطيرة في القانون الدولي يمكن أن تفتح باباً لممارسات مماثلة مستقبلاً، حتى بأثر رجعي.
سيناريوهات بديلة لمصادرة الأصول الروسية
تطرح سيناريوهات بديلة مثل دفع التعويضات عبر لجنة المنازعات الدولية والمحاكم الدولية واستخدام أصول البنك المركزي الروسي كضمان لسداد التعويضات في إطار اتفاق سلام مستقبلي، أو وضع أصول البنك في حسابات إيداع مستقلة، إضافة إلى خيار استثمار الفوائد المتراكمة على الأصول المجمدة كحل وسط يوجه 3–5 مليارات يورو سنوياً لصندوق دعم أوكرانيا دون المساس بالأصل الرئيسي للأموال.
ويعتمد هذا النهج على مبدأ «الاستخدام دون التملك» ليوفر دعماً إنسانياً وسياسياً مع تقليل المخاطر القانونية، مع التنسيق بين الاتحاد الأوروبي ومجموعة السبع والحلفاء لضمان تنفيذ آمن وموحد لهذا المسار، بما يحفظ في الوقت ذاته حقوق الدول السيادية ومواردها.
ختاماً، يظل ملف الأصول الروسية المجمدة واحداً من أبرز أوراق الضغط في النزاع الحالي، حيث تسعى أوروبا والولايات المتحدة إلى استثمار هذه الموارد لدعم أوكرانيا مع تجنب المخاطر القانونية والسياسية والاقتصادية الكبيرة المرتبطة بالمصادرة الكلية لهذه الأصول، وهو مسار يعكس التحديات القانونية والتنظيمية المعقدة في استغلال الموارد السيادية في النزاع الدولي.




