إعمار غزة رهينة الضمانات والتمويل

الإطار السياسي والإشرافي وخطة ترامب لإعادة الإعمار
توقفت الحرب في غزة بعد عامين من القتل والدمار، وحضر الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى المنطقة ووقّع وثيقة وقف الحرب خلال قمة شرم الشيخ للسلام في مصر، ليبدأ مسار إعادة الإعمار.
تتطلب المرحلة الأولى تثبيت الاستقرار وتوفير الضمانات وجذب التمويل اللازم، إلى جانب بناء آليات إشراف ومتابعة دولية تتولى تنظيم العمل.
أعلنت مصر تنظيم مؤتمر التعافي المبكر وإعادة الإعمار والتنمية في نوفمبر، بناءً على خطة ترامب لإنهاء الحرب، ودعا الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى دعم الرئيس الأميركي وجهوده.
استضافت مقاطعة يوركشاير بشمال شرقي إنجلترا مؤتمراً دولياً نظمته الحكومة البريطانية، وأشار بيان وزارة الخارجية إلى أن إعادة إعمار غزة ستكلف عشرات المليارات وتستلزم تمويلاً ومشاركة فعالة وخبرة من القطاع الخاص.
ذكر رئيس الوزراء الفلسطيني محمد مصطفى أن حكومته أعدت برنامجاً للتعافي يمتد ستة أشهر بتكلفة تقارب 30 مليار دولار، ويركز في مرحلته الأولى على إزالة الحطام وإعادة تأهيل البنية التحتية ودعم العائلات المتضررة.
تبقى مرحلة الإعمار طويلة وتواجه تحديات وأسئلة بلا إجابة، في وقت كان التركيز فيه على إنهاء الحرب قبل مناقشة آليات التمويل والضمانات.
التكاليف والضمانات والتمويل الدولي
قدّر البنك الدولي والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة في فبراير كلفة إعادة الإعمار بنحو 53 مليار دولار في القطاع المدمر.
بلغت الأضرار التي لحقت المباني نحو 57% من الكلفة الكلية، وتضرر أكثر من 292 ألف منزل ومنشأة سكنية، وتُقدَّر الأضرار في البنية التحتية الحيوية بنحو 15% من الكلفة الكلية، في حين خرجت 95% من المستشفيات ومرافق الرعاية الصحية عن الخدمة.
شملت تقديرات الأمم المتحدة الأضرار في عام الحرب الأول نحو 53 مليار دولار، فيما رفع رئيس الوزراء الفلسطيني الرقم إلى نحو 80 مليار دولار وفق تصريحات لاحقة.
يرى أنيس أن حجم التمويل يتطلب ثلاث ضمانات رئيسية، هي استمرار وقف إطلاق النار، وضمان السير قدماً في برنامج الإعمار، وتوفير التمويل اللازم لإعادة الإعمار.
تطرّقت تصريحات ترمب إلى الشرط الأول، مؤكداً أن الاتفاق الذي يعتبره أهم إنجازاته سيصمد طويلاً.
أعلن ترمب أن حرب غزة انتهت والآن تبدأ إعادة الإعمار، وأشار إلى أن غزة ستكون معجزة عظيمة خلال العقود المقبلة، وهو ما يعكس رؤية طويلة الأمد لإعادة الإعمار في المنطقة.
تظل الضمانة الثالثة، أي تأمين التمويل، بلا إجابة واضحة، رغم إشارات من الإدارة الأميركية بأن الموارد ستأتي من دول الخليج، وأن جزءاً منها قد يأتي من الإسرائيليين.
أوضح نائب الرئيس الأميركي أن معظم الموارد ستأتي من دول الخليج، مضيفاً أن بعض التمويل قد يأتي من الإسرائيليين، في حين أكد ترمب أن غزة ستعاد بناؤها تدريجياً وأن ثروات المنطقة ستجلب أموالاً كبيرة للمساعدة في الإعمار.
إسرائيل والموارد والضمانات الإجرائية
تبقى إسرائيل موافقة على المرحلة الأولية، لكنها لا تضمن الالتزام ببقية البنود أو عدم شن حرب جديدة، خاصة في ظل حكومة يمينية متطرفة وتلميحات إلى احتمال استئناف الحرب إذا لم تُلبَّ شروطها.
أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر في مقابلة أن إسرائيل ملتزمة بخطة ترامب وليست لديها نية لتجديد الحرب.
تشير تحليلات إلى أن إغضاب الوزراء اليمينيين قد يكون خياراً يضغط على نتنياهو للبقاء في مسار الخطة وتجنب تفجير الانسجام السياسي مع ترمب.
تبقى إسرائيل بحاجة إلى انسحاب الجيش من القطاع وتخليصه من وجود عسكري يعرّض من يجري إعادة الإعمار للخطر، كما يلزم فتح المعابر للسماح بحرية دخول السلع والأشخاص والمعدات، وليس فقط المواد الغذائية والمساعدات.
تضمن خطة ترامب ألا تحتل إسرائيل القطاع أو تُضمه، وأن تُنسّق انسحاباً تدريجياً مع نقل المهام تدريجياً إلى قوة حفظ سلام دولية لإتاحة الإطار لإعادة الإعمار حتى انتهاء الإصلاح الفلسطيني.
تغفل الخطة عن الموارد الرئيسية للقطاع، خصوصاً حقل غزة مارين للغاز الذي تقدر احتياطياته بنحو تريليون قدم مكعب، وتحتاج إلى اتفاق واضح مع إسرائيل بشأنه، خصوصاً بعد تأجيل التوقيع النهائي.
أما في الشهر نفسه، منحت وزارة الطاقة الإسرائيلية تراخيص لستة منشآت وشركات دولية للتنقيب عن الغاز في مناطق بحرية تابعة للسلطة الفلسطينية وفق تقارير متخصصة.
انعكاسات إقليمية ودولية وتعزيز التعاون الإقليمي
تظهر الحرب كحدث فريد من نوعه من حيث التكلفة، ما يعزز ضرورة التعاون بين دول المنطقة لوقف الحرب والبدء بإعادة الإعمار، مع تقديم مصر دوراً سياسياً واقتصادياً مباشراً وتنسيق واضح بين دول المنطقة.
تبرز تركيا كلاعب رئيسي في عملية الإعمار، ويؤكد خبراء أن الشركات التركية تمتلك قدرات كثيفة في البناء وتستطيع التحرك بسرعة في مجالات البناء والمستشفيات والطرق وآبار المياه والإسكان.
أكد أردوغان أن إعادة الإعمار ستتطلب سنوات طويلة وأن تركيا ستتولى مهام رئيسية في هذه المرحلة، وتستطيع شركاتها تقديم دعم سريع في مجالات متعددة.
تشير تصريحات إلى أن الشركات التركية يمكنها التحرك بسرعة لتقديم الدعم لغزة، خصوصاً في بناء المستشفيات والطرق والآبار والإسكان، مستندة إلى سجلها في مشاريع كبيرة حول العالم.
من المتوقع أن تقود الشركات المصرية دوراً ريادياً في الإعمار بفضل القرب الجغرافي والعلاقات القديمة، مع وجود فرص كبيرة في قطاع المقاولات والأسمنت ومواد البناء واللوجستيات.
يؤكد خبراء الاقتصاد أن قطاع المقاولات والأسمنت سيكون من أبرز مجالات المساهمة المصرية نظراً لحجم الطلب المحلي والإقليمي وتوافر المواد الأولية في سيناء ومناطق قريبة، ما يقلل تكلفة النقل ويسرع التنفيذ.
تتوقع الشركات المصرية توسّعاً في قطاعات أخرى كالاتصالات والكهرباء والأغذية والسيراميك واللوجستيات، بما يفتح فرص استثمارية جديدة أمامها في إطار إعادة الإعمار.
ترى مصادر من الدول العربية أن التعاون في إنتاج المواد الأساسية مثل الحديد والصلب يمكن أن يتعزز بين مصر والسعودية لتوفير احتياجات غزة الضخمة من المواد الإنشائية، خاصة أن غزة فقدت نحو 70% إلى 80% من منشآاتها الأساسية.