هل اعترف ماكرون بأن رفع سن التقاعد كان خطأً في مغامرته السياسية؟

أبدى الرئيس إيمانويل ماكرون موافقته الضمنية على خطوة رئيس الوزراء المعين حديثاً، سيباستيان لوكورنو، بتجميد القانون غير الشعبي الذي رفع سن التقاعد من 62 إلى 64 عاماً، حتى ما بعد الانتخابات الرئاسية المقررة في 2027.
ووصفت وسائل إعلام مثل بوليتيكو ذلك بأنه اعتراف ضمني بخطأ سياسي يهدف إلى منح حكومة لوكورنو الضعيفة فرصة للبقاء في السلطة.
وألمح الحزب الاشتراكي، الذي يملك 69 نائباً في الجمعية الوطنية، إلى أنه لن يسعى لإسقاط لوكورنو وحكومته بعد هذا الإعلان، وهو ما جاء خلال أول خطاب للوكرونو أمام البرلمان يوم الثلاثاء.
ومع ذلك، سيواصل الحزب تهديده بتقديم مذكرة حجب ثقة حتى ترى أن الكلمات تُترجم إلى أفعال، وفق ما قاله زعيم الحزب الاشتراكي في البرلمان، بوريس فالود.
فوضى سياسية وتقلبات في الأسواق
استمرت حكومة لوكورنو الأولى 14 ساعة فقط، ما أدى إلى دخول فرنسا دوامة من الفوضى السياسية وأثار قلق الأسواق المالية بشأن قدرة ثاني أكبر اقتصاد في منطقة اليورو على تنفيذ خفض للإنفاق يصل إلى مليارات اليوروات الحد من العجز المتوقع أن يصل إلى 5.4% من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام.
منح موقف الحزب الاشتراكي الحكومة هامشاً للتحرك، بينما لا تزال المعارضة من اليمين واليسار المتطرف تهدد بتقديم مذكرتي حجب ثقة ستُعرضان للتصويت الخميس، في وقت تحاول الحكومة تمرير ميزانية تهدف إلى تقليص العجز دون إشعال الانقسامات داخل ائتلافها الهش.
وبينما يُنظر إلى هذا التشريع كسياسة محورية في فترة ولاية ماكرون الثانية، وصف لوكورنو تجميد القانون بأنه فرصة لإعادة النظر في قضية إصلاح التقاعد، وأخبر النواب: “مناقشة مسألة التقاعد ليست مجرد معادلة مالية، بل هي جزء أساسي من عقدنا الاجتماعي، وهذا العقد يحتاج أيضاً إلى تحديث”.
وأكد رئيس الوزراء الفرنسي أن التجميد يجب أن يقابله توفير في النفقات العامة للسيطرة على الإنفاق المفرط، وقدَّر أن التجميد سيكلف الدولة الفرنسية 400 مليون يورو في 2026.
كما قدمت حكومته الثلاثاء مشروع ميزانية يهدف إلى خفض العجز إلى أقل من 5% من الناتج المحلي العام المقبل، متضمناً 31 مليار يورو من تخفيضات الإنفاق ورفع الضرائب.
استجابت الأسواق المالية لإعلان لوكورنو بارتياح، إذ انخفضت تكاليف الاقتراض الحكومية لعشر سنوات إلى 3.40%، وهو أدنى مستوى لها منذ أكثر من شهر، وتقلصت الفوارق مع العائد الألماني المماثل إلى 0.80 نقطة مئوية، وهو الأدنى خلال ثلاثة أسابيع. وتراجع مؤشر CAC40 بنسبة 0.2%، لكنه ظل من بين أفضل الأسواق أداءً في أوروبا الثلاثاء.
انقسامات داخل البرلمان
لكن تجميد إصلاح التقاعد قد يثير انقسامات داخل ائتلاف الحكومة الهش، خصوصاً مع المحافظين الحريصين على التكاليف. قال برونو ريتايو، رئيس الجمهوريين، إن “تعليق إصلاح التقاعد وصمت رئيس الوزراء بشأن الهجرة يثبت أن هذه الحكومة رهينة لدى الاشتراكيين”.
ولا يزال فريق لوكورنو يواجه خطر حجب الثقة بينما يبدأ النواب العمل الدقيقة لتمرير الميزانية. وإذا انهارت الحكومة في الأيام أو الأسابيع المقبلة، ستكون هذه الحكومة الرابعة التي تسقط خلال أقل من عام، مما يزيد بشكل كبير احتمال أن يضطر ماكرون إلى حل البرلمان لكسر الجمود.
ومن المقرر أن تُعرض مذكرتا حجب الثقة، إحداهما قدمها نواب من اليسار المتطرف واليسار والخضر، والأخرى من اليمين المتطرف، على التصويت الخميس. ويبدو أنها من غير المرجح أن تنجح إلا إذا خالف عدد كبير من النواب الاشتراكيين حزبهم.
وخلال اجتماع مجلس الوزراء صباح الثلاثاء، قبل خطاب لوكورنو، قال ماكرون للوزراء: “تصويتات حجب الثقة هي بمثابة تصويتات لحل الجمعية الوطنية”.
لكن مستشاراً لماكرون، طلب عدم الكشف عن هويته، قال إن انهيار الحكومة لن يؤدي بالضرورة إلى انتخابات جديدة، وأضاف أن ماكرون لن يتحدث علناً عن الأزمة خلال الأيام المقبلة، مشيراً إلى أن الرئيس يحمل القوى السياسية التي لعبت على زعزعة استقرار سيباستيان لوكورنو المسؤولية، وهو دعم من ائتلاف هش من الوسط والمحافظين.