اخبار سياسية

هل انخفض دعم إسرائيل في أوساط الجمهوريين الأميركيين؟

اقترب الرئيس الأميركي دونالد ترمب من خطوة جديدة نحو إنهاء الحرب على غزة عبر اتفاق تبادل للأسرى والمحتجزين مع حركة حماس، يأمل أن يمهّد الطريق إلى مفاوضات بشأن مستقبل القطاع الفلسطيني. وفي حين رحّبت إسرائيل بهذا الاتفاق، يرى خبراء أن الكلفة السياسية للحرب في غزة على حكومة بنيامين نتنياهو تزداد، بما في ذلك فقدان جزء من الشعبية الأمريكية حتى بين أنصار إسرائيل الأكثر تشدّداً في صفوف الجمهوريين.

وتمضي التطورات في واشنطن باتجاه وضع إسرائيل أمام أسئلة جديدة حول مدى الالتزام الأميركي التقليدي تجاه دعمها، خاصة مع تغير نبرة بعض السياسيين والمعلقين اليمينيين. فخلال الأشهر الأخيرة ظهر تحوّل في خطاب عدد من أبرز أنصار تيار MAGA الذين تبنّوا انتقادات لم يسبق لها مثيل لإدارة إسرائيل، سواء بتوصيفها بأنها ارتكبت “إبادة جماعية” في غزة أو بمحاولة جر الولايات المتحدة إلى مواجهة مع إيران، وهو اتهام ترفضه إسرائيل بشدة.

المؤثرون وعمق الانقسام داخل الحزام الجمهوري

تصدر التباين في المواقف النقاشات داخل تيار MAGA، حيث وجّه بعض أبرز مناصري ترمب انتقادات حادة لإسرائيل ووجدوا في سياساتها الخارجية ما يمكن أن يعرّي الالتزام الأميركي. ووصفت وسائل إعلام بعض الشخصيات بأنهم “مروّجون للحرب” يسعون لدفع ترمب إلى اتخاذ موقف عسكري يدعم إسرائيل، وهو ما أثار حفيظة آخرين داخل التيار نفسه الذين يدعون إلى وضع المصلحة الوطنية الأميركية أولاً وتجنب الانخراط في نزاعات جديدة في الشرق الأوسط.

ومن بين هؤلاء، أثار تاكر كارلسون جدلاً واسعاً باتهامه بعض المقربين من ترمب بالدفع إلى التصعيد العسكري نيابة عن إسرائيل، بينما أشار آخرون إلى دعم مالي من قِبل شخصيات رئيسية أثرت في حملة ترمب الانتخابية لعام 2024. وفي المقابل، نادى بعض هؤلاء المؤثرين بالتركيز على السياسة الأميركية الداخلية والتوقف عن جر الولايات المتحدة إلى صراعات خارجية، وهو موقف يعكس تحوّلاً حقيقياً في مزاج الجمهوريين تجاه إسرائيل مقارنة بما كان عليه في السابق.

وذهب خبراء إلى تفسير هذا التحول بأنه جزء من جدل أوسع داخل التيار المحافظ الأميركي، حيث ينتمي أبرز منتقدي إسرائيل إلى جناح MAGA، فيما يبقى داعمو تل أبيب من المحافظين الجدد في مواقع القوة. ويرى هؤلاء الخبراء أن سياسات نتنياهو في غزة لعبت دوراً في تحويل النقاش من مسألة “الوحدة الحزبية حول إسرائيل” إلى حديث أكثر تشكيكاً في مدى تماسك الدعم الأميركي لإسرائيل على نحو غير مسبوق منذ عقود.

وتباينت أدوات النقد أيضاً بين من يعتبرون الانتقاد مبرراً ومن يواجهونها بتهم “معاداة السامية”. فبينما يُطلق بعض المعلقين المحافظين خطاباً ينتقد سياسات إسرائيل، يواجهون اتهامات باستخدام لغة تحمل إيحاءات عنصرية. وفي المقابل يواجه آخرون الاتهام بأن لهجتهم قد تكرّس صورة غير دقيقة عن الواقع وتُسيّس النقاش السياسي بطريقة غير عادلة.

وتشير تحليلات أكاديمية إلى أن هذه الأصوات المعارضة لإسرائيل داخل المحافظين ليست متجانسة في خلفياتها الدينية أو الأيديولوجية، فبينما يعبر كارلسون عن موقف ديني محافظ، يعبر رواد آخرون عن طموحات أوسع تتعلق بمراقبة العلاقة الأميركية‑الإسرائيلية من منظور قومي أوسع. كما يلاحظ أن بعض هذه المواقف قد يطلق اتهامات بتعاطي أعضاء من التيار المحافظ مع أطروحات تُفسَّر بأنها تروّج لأفكار متعاطفة مع النازية في أحايين كثيرة.

أما جماعات الضغط المؤثرة المتخصصة في الشأن الإسرائيلي، فتبقى “أيباك” أبرزها. وتفيد تقارير بأن الإنفاق السياسي الذي توزعه أيباك وذراعها الانتخابية بلغ أرقام كبيرة في الدعايات الانتخابية، وهو ما ترفضه بعض الشخصيات الجمهورية وتؤكّد أن الضغط ليس مطلقاً ولا ينافس استقلالية صنع القرار الأميركي.

وفي سياق المقارنة مع جماعات ضغط أخرى مثل JStreet، يرى بعض المحللين أن أيباك ما تزال تتحكم في الصورة التقليدية لضغط المجموعات المؤيدة لإسرائيل في واشنطن، لكنها تواجه تعزيزاً لصعود أصوات ليبرالية وأخرى أكثر تشكيكاً في دعم مطلق من الحزبين في سياق الواقع السياسي الأميركي الراهن. وتؤكد التحليلات أن التحول في المزاج العام يمكن أن يغير من شكل علاقات الولايات المتحدة وإسرائيل في السنوات القادمة، حتى لو حافظت المصالح الاستراتيجية المشتركة على بعض خطوط التعاون بين البلدين.

وتُظهر استطلاعات الرأي أن التعاطف الأميركي مع إسرائيل بدأ يتراجع داخل القاعدة الجمهورية. فقد أظهر استطلاع جامعة كوينيبياك في مايو 2025 انخفاضاً في نسبة الجمهوريين المتعاطفين مع إسرائيل من نحو 78% في العام السابق إلى 64%، وهو تراجع يعكس تغيراً في المزاج داخل القاعدة الحزبية. كما أظهر مسح مركز الأبحاث Pew وجود ارتفاع في نسبة الجمهوريين الذين يتبنّون مواقف ناقدة لإسرائيل، مقارنة بالديمقراطيين الذين يبدون تعاطفاً أكبر مع الفلسطينيين، وهو ما يعكس تراجعاً في الإجماع التقليدي حول الدعم الإسرائيلي في الولايات المتحدة.

ويرى خبراء أن هذه الديناميكيات لن تبقى حبيسة النقاش الأميركي الداخلي، بل ستؤثر في السياسة الإسرائيلية أيضاً، فقد يشهد المستقبل حركات تغير في طريقة تعامل إسرائيل مع حلفائها في واشنطن وقد تتبدل حصة الأحزاب في تقديم الدعم المستمر وغير المشروط. كما من المتوقع أن تترسخ في الأجيال الشابة داخل الحزبين رؤية أقرب إلى الواقعية السياسية، حيث تكون المصالح الاستراتيجية المشتركة هي المحور الأكبر في صنع القرار، لا موالاة عمياء لأي طرف.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى