السودان.. إدانة كوشيب تضع مساعدي البشير على رادار المحكمة الجنائية الدولية

أدانت المحكمة الجنائية الدولية علي محمد عبد الرحمن، الملقب بـ”علي كوشيب”، بـ27 تهمة تتعلق بجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت في دارفور بين أغسطس 2003 وأبريل 2004، وذلك بعد نحو 22 عاماً على وقوعها في أول محاكمات تتعلق بارتكاب جرائم كبرى في الإقليم السوداني.
وأكّدت المحكمة أن كوشيب كان فعلياً مشاركاً في جرائم قتل وشروع في قتل واغتصاب وتعذيب، وربطت دوره بحكومة السودان آنذاك وبعدد من كبار المسؤولين مثل أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين، الذين كانوا يتلقون التعليمات منه.
وتركّزت الجرائم في مناطق مكجر وديليج وكودوم وبنديسي بولاية وسط دارفور، حيث أشارت المحكمة إلى دوره في تجنيد عناصر الميليشيات وتوزيع العتاد على الجنجويد، وهي ميليشيا متهمة بدعم من نظام البشير، إضافة إلى تورطه في إصدار أوامر القتل.
وأفادت المحكمة بأن هارون كان يزور المنطقة قبل بعض عمليات القتل، وأشارت إلى أن كوشيب شارك في قتل عشرات المدنيين، من بينهم أطفال وقادة محليون في 2004، بالتعاون مع قوات الأمن السودانية بما فيها عناصر من الشرطة.
وأضافت أن الدائرة الابتدائية ستصدر العقوبة بحق كوشيب وفق جدول زمني محدد خلال الأسبوع الممتد من 17 إلى 21 نوفمبر المقبل، بعد الاعتماد على 1861 دليلاً وسمحت لـ1591 ضحية بالمشاركة في الإجراءات عبر فريق قانوني موحد يمثلهم أمام المحكمة.
مواقف وآثار الحكم المحلية والدولية
وتباينت ردود الفعل حول الإدانة بين من اعتبرها محكمةً سياسية تتغاضى عن متابعة مطلوبين من دول أخرى، وبين من رأى أنها خطوة عدالة للضحايا وربما فاتحة لمساءلة النظام السابق في السودان.
وقال الخبير القانوني هاني تاج السر إن المحكمة لم تذكر مسؤولين آخرين ضمن استعراضها، معتبراً أن الإدانة تخص كوشيب وحده بعد سماع 56 شاهداً من الاتهام و18 من الدفاع، وهي إدانة تتعلق بجرائم محددة تشمل التعذيب والاغتصاب والاضطهاد الممنهج.
ولفت إلى أن عدد الضحايا في القضايا التي أدين بها كوشيب بلغ 1593 شخصاً، معتبراً أن هذا الرقم كبير بالنسبة لمتهم واحد، وأضاف أن المتهم سلّم نفسه طواعية للمحكمة من بانجي إلى لاهاي وهو ما يراه صحيحاً من الناحية الإجرائية، مع اعتراض محامي كوشيب على الحكم ومشاهد مقاطع مصوّرة اعتمدت في الإدانة.
وأشار تاج السر إلى أن هيئة الدفاع عن كوشيب لم تكن موفَّقة، خاصة في نفي هوية المتهم أثناء المحاكمة، مع قوله إنه لا منطق في أن يسلم شخص نفسه ثم يدّعي لاحقاً أنه ليس هو المعني.
ودعا إلى ألا تكون المحكمة الدولية مهدِّدة للسودانيين، مؤكداً أن جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والإبادة لا تسقط بالتقادم، وأن الظرف الراهن في السودان يسمح للضحايا وذويهم بتقديم شكاوى أمام القضاء السوداني ضد أي مسؤول، مع وجود ضوابط دولية تحكم المحاكمة العادلة.
وأشار إلى أن المحكمة يمكن أن تحاكم شخصاً هارباً مثل قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو (حميدتي)، نظراً إلى عجز السلطات السودانية عن إخضاعه محلياً، وأن بقية المحاكمات يمكن أن تُجرى في مناطق مستقرة في السودان، بلا عوائق في تطبيق القانون داخله.
من جانبه، قال الخبير العسكري العميد المتقاعد جمال الشهيد إن كوشيب لم يكن سوى مساعد شرطة، وإن المسؤولية قد تمتد إلى آخرين أعلى مستوى، مؤكداً ضرورة إجراء مثل هذه المحاكمات داخل السودان، مع اتهامه الجنائية الدولية بمحاولة إرهاب السودانيين.
في المقابل، أوضح رئيس تحرير صحيفة السوداني عطاف محمد مختار أن التداعيات الداخلية لإدانة كوشيب قد تطال متهمين آخرين من بينهم البشير، لكنه استبعد تسليمه إلى لاهاي، مضيفاً أن الأنظمة العسكرية تبذل عادةً مساعٍ لعدم تسليم قادة كبار خشية امتداد المحاكمات إلى آخرين، وأشار إلى أن المحكمة قد تطالب بمثول قادة آخرين مثل نتنياهو وفق قوله.
عبّر ناشطو تنسيقية النازحين واللاجئين في دارفور عن ارتياحهم لإدانة كوشيب واعتبروها أنصفت الضحايا وفتحت باب العدالة الدولية، وهي خطوة مثّلت نجاحاً لم يكن متاحاً داخل القضاء السوداني سابقاً.
وأضافوا أن ما جرى في لاهاي يمثل خطوة أولى في مسار طويل لتحقيق العدالة لضحايا دارفور، وأن كوشيب يُعد من أبرز قادة الجنجويد المتورطين في جرائم الإبادة والجرائم ضد الإنسانية في مناطق مثل وادي صالح ومكجر وديليج وبنديسي، مع وجود آخرين مشاركين.
وشدّدوا على ضرورة استكمال مثول بقية المطلوبين لدى المحكمة، وعلى رأسهم عمر البشير وعدد من كبار مساعديه ورموز نظام المؤتمر الوطني، كما أكدوا أن مخيمات النازحين لا تحمل غضباً وإنما أمل في مصالحة قائمة على العدالة والكرامة.
إرادة وقدرة القضاء السوداني والجهود الدولية
وقال نزار عبد القادر من معهد جنيف لحقوق الإنسان إن الجرائم الدولية لا تسقط بالتقادم، وإن حقوق الضحايا تبقى محفوظة لدى العدالة الدولية، مع الإشارة إلى أن النظام القضائي السوداني يفتقر إلى الإرادة والقدرة لملاحقة مرتكبي جرائم دارفور كما وثقتها لجنة التحقيق الدولية التي كلفها الأمين العام للأمم المتحدة في 2004.
وأكد أن المحكمة الجنائية الدولية وفّرت جميع ضمانات المحاكمة العادلة بما في ذلك الادعاء العام وحق الدفاع وسماع الشهود والضحايا وأسرهم، مع الإشارة إلى أن أسماء مسؤوليين سابقين مطروحين للمحاسبة بحسب ما صرحت به قاضية الدائرة الابتدائية أثناء عرضها لخطة الطوارئ التي دعمت بها الحكومة السودانية الجنجويد لاستهداف قبائل الزغاوة والمسالم والفور.
ورحبت قوى سياسية سودانية وتحالفات مثل حزب الأمة القومي وتأسيس بإدانة كوشيب، معتبرة أنها انتصار للعدالة الدولية، فيما قال المفوض الأعلى لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة فولكر تورك إن الحكم الأول في لاهاي جاء في وقت يواجه فيه الإقليم فظائع مماثلة حالياً.