الشرق الأوسط أمام تحول كهربائي شامل: أبرز السيناريوهات المطروحة

تشهد المنطقة تحوّلاً هيكلياً في معادلة الطاقة، إذ لم تعد الدول المصدّرة للنفط فحسب بل أصبحت أيضاً من أسرع مناطق العالم نمواً في استهلاك الكهرباء وفق تقرير دولي حديث.
تضاعف الطلب الإقليمي على الكهرباء ثلاث مرات منذ عام 2000، ويتوقع أن يضيف نحو 50% إلى الطلب خلال العقد حتى 2035، مدفوعاً بالنمو السكاني والتوسع الصناعي وارتفاع الاعتماد على التبريد وت desalination الماء المحلى. وتظهر هذه التحولات فرصة لإعادة تشكيل مزيج الطاقة في الخليج ومصر والمغرب، لكنها تحذر من أن بطء التحول في البنية التحتية قد يرفع كلفة الكهرباء ويؤثر في تنافسية الاقتصادات.
تواجه المنطقة تحدياً وجودياً مناخياً، فدرجات الحرارة ترتفع بمعدل يفوق المتوسط العالمي، وتصل في دول الخليج إلى عتبة 40 درجة مئوية لأشهر طويلة، ما يجعل أجهزة التكييف شريان حياة يومياً وتستهلك جزءاً كبيراً من الطلب حتى يمثل ما يساوي أو يفوق ما تستهلكه دول صناعية كاملة.
الركائز الأساسية للتحول: الطاقة الشمسية والهيدrogen والأطر النووية
ولا تقتصر الأزمة على الحرارة فقط، فالمناخ القاسي يجعل ندرة المياه مشكلة عالمية، وتبقى المنطقة معتمدة بشكل شبه كامل على تحلية مياه البحر التي تستهلك كميات ضخمة من الكهرباء.
في عام 2024 بلغ إنتاج المياه المحلاة نحو 12 مليار متر مكعب، ويتوقع أن يتضاعف ثلاث مرات بحلول 2035، وتراوح مساهمة التبريد والتحلية معاً نحو 40% من نمو الطلب المستقبلي على الكهرباء، مما يجعلها عنصراً رئيسياً لبقاء المنطقة في قطاع الكهرباء.
تشير الرؤية إلى أن الطاقة الشمسية الكهروضوئية تقود التحول الكبير نحو توليد الكهرباء، مع توقع أن ترتفع قدراتها إلى نحو 200 جيغاوات بحلول 2035 لتصبح رابع أكبر مصدر للكهرباء بعد الغاز والنووي والمياه. وتتصدر السعودية ومصر والجزائر نحو 75% من القدرات المتجددة الجديدة، بينما تقود الإمارات مشروعات التخزين والربط الذكي لتكون نقطة وصل كهربائية بين آسيا وأوروبا. كما يشير التطور إلى ظهور جيل جديد من التحول يعتمد أيضاً على الهيدروجين الأخضر، حيث قد تصبح السعودية وعُمان ومصر من أكبر ثلاث منتجين عالميين بنحو 16 مليون طن سنوياً بحلول 2035.
ليس الهدف مجرد خفض الانبعاثات، بل إعادة بناء اقتصادات المنطقة على أسس جديدة تجعلها مزودة للطاقة النظيفة كما كانت في الماضي مصدِّرةً للطاقة.
ثلاثة سيناريوهات للمستقبل حتى 2035 وتفاوت أثرها
يطرح تحليل الوكالة ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل الكهرباء حتى 2035 تختلف في سرعة التحول والتزام الإصلاحات. سيناريو السياسات المعلنة (STEPS) يتوقع زيادة الطلب بنحو 50% مع بقاء الغاز كركيزة رئيسية وتراجع استخدام النفط إلى 5% من المزيج. وفي إطار هذا المسار، يتوقع أن يتم تحويل كميات من النفط المخصصة لتوليد الكهرباء إلى صادرات أو استخدامات ذات قيمة أعلى في دول نفطية كبرى. سيناريو التعهدات المعلنة (APS) يفترض نجاح الدول في زيادة حصة الطاقة المتجددة إلى 25% من الإنتاج، ورفع الطاقة النووية إلى 19 جيغاوات، مع تقليل كثافة الانبعاثات إلى النصف. أما سيناريو التأخر في التحول فيظهر كلفة عالية بإبقاء الاعتماد على النفط والغاز، وقد يؤدي إلى خسائر تتجاوز 80 مليار دولار من عائدات التصدير وارتفاع فاتورة الواردات بنحو 20 مليار دولار سنوياً، وهو ما يضغط على الموازنات العامة ويهدد الاستدامة المالية في دول كالسعودية ومصر والعراق.
وتبرز السعودية والإمارات ومصر كنماذج مميزة في مشهد التحول: السعودية تعتمد على الغاز كعمود فقري وتوسع حضور الطاقة المتجددة والنووية، وتُمثّل الإمارات نموذجاً في دمج الطاقة الشمسية والنووية بتكلفة تنافسية، بينما تواجه مصر تحدّي فائض الإنتاج وتستهدف تطوير أسواق تصدير الكهرباء عبر الربط الإقليمي وتكامل الشبكات.
الاستثمار والتخطيط على رأس الأولويات
تقدّر الوكالة حاجة المنطقة إلى استثمارات تفوق 60 مليار دولار سنوياً حتى عام 2035، منها نحو 25 ملياراً لتطوير الشبكات والتخزين و20 ملياراً لمشروعات الطاقة المتجددة والنووية. وتؤكد أن العقد الحالي سيكون حاسماً في تحديد موقع الشرق الأوسط على خريطة الطاقة العالمية إما كمركز للطاقة النظيفة أو سوقاً يستهلك الوقود الأحفوري بتكاليف متزايدة.
تزداد أهمية الاستثمارات في البطاريات وتخزين الطاقة، مع تقدم مناطق الخليج في مشروعات بطاريات كبيرة وربط شبكات، مثل بطاريات بيشة التي توفر طاقة بمقدار 500 ميغاواط في ساعتين ومشروعات تخزين إماراتية تربط محطة شمسية ضخمة بقدرة 5.2 جيغاوات وتخزين يصل إلى 19 جيغاواط ساعة. وتتوقع الوكالة أن تبلغ القدرة الإجمالية للبطاريات في المنطقة نحو 7 جيغاواط في سيناريو STEPS و30 جيغاواط في سيناريو APS بحلول 2035، مع انخفاض ملحوظ في تكلفة البطاريات مقارنة بعقد مضى، وهو ما يعزز مرونة النظام ويمكّن من تأجيل توسيع شبكات النقل المكلفة.
الربط الكهربائي والتكامل الإقليمي كعنصر محوري
تتصدر المنطقة جهود التكامل عبر مبادرات مثل السوق العربية المشتركة للكهرباء بهدف سوق عربية موحدة حتى 2038. ويقدّر أن هذا التكامل يمكن أن يوفر بين 107 و196 مليار دولار في تكاليف الأنظمة حتى 2035 من خلال التنسيق في التخطيط والاستثمار. وتعمل الهيئة الخليجية للربط على توسيع الشبكة لتشمل عمان والعراق والأردن ومصر، مع رفع القدرة إلى 3.5 جيغاواط، وتُبرز مشاريع ربط تشمل الخليج-العراق بمقدار 600 ميغاواط، والخليج-الكويت بقوة 3000 ميغاواط، ومصر-الأردن 2000 ميغاواط، ومصر-ليبيا 1000 ميغاواط، والربط بالمملكة العربية السعودية مع عمان 1000 ميغاواط، إضافة إلى مشاريع ربط أخرى حتى 2035.
التحديات التقنية والسياسية والاقتصادية
ورغم التقدم، فإن الشبكات تواجه تحديات بنيوية مثل اختلاف الترددات بين الدول (60 هرتز في السعودية مقابل 50 في الدول الأخرى)، وارتفاع تكاليف البنية التحتية، والفجوات التنظيمية التي تربك المستثمرين. وتبرز مخاطر الأمن السيبراني مع التحول الرقمي للشبكات، ما يستلزم تعزيز الجاهزية والحماية. وتوضح الوكالة أن الشبكات المتهالكة في العراق ومصر والكويت تحتاج استثمارات تقارب 25 مليار دولار سنوياً حتى 2035 لتفادي أزمات الانقطاع خلال موجات الحر. كما تبرز خطة مصر لتصدير الكهرباء إلى العراق وسوريا ولبنان كخطوة طموحة تثير أسئلة عن مدى واقعية تنفيذها في ظل مستويات الطلب والاعتماد على التبادل عبر الحدود. وتظهر تحديات التخزين والمرونة التشغيلية نقصاً في قدرات التخزين وتفاوتاً في الكفاءة التشغيلية، وهي أمور تدفع لاستثمار أنظمة تخزين البطاريات ومحطات التحويل الذكية لضمان استقرار الإمدادات عند فترات الذروة.
فرص البطاريات والمرونة والفرص الرقميّة
بلغت استثمارات قطاع الكهرباء 44 مليار دولار في 2024، ومن المتوقع أن ترتفع إلى نحو 60 مليار دولار سنوياً حتى 2035. وتؤكد الأطر التخطيطية أن التحول إلى الطاقة الشمسية لا يتطلب أكثر من نحو 115 مليار دولار يمكن استردادها خلال عامين من عائدات النفط. وتتصدر المنطقة مشروعات تخزين الطاقة بالبطاريات وتبرز في ذلك مشاريع ضخمة في السعودية والإمارات كحواضن رئيسية للمرونة والاستقرار، مع توقع وصول إجمالي قدرات البطاريات في السيناريوهات المختلفة إلى مستويات عالية بحلول 2035، ما يجعل البطاريات ركيزة أساسية في بناء منظومة طاقة أكثر استدامة وموثوقية وتقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري وتؤجل توسعات الشبكات الطويلة التكاليف.
خياران تاريخيان أمام الشرق الأوسط
يختتم التقرير بأن الشرق الأوسط يقف أمام مفترق تاريخي، إما أن يحوّل نفسه إلى مركز عالمي للطاقة النظيفة، وإما أن يبقى أسيراً لطلب متزايد وتكاليف مرتفعة للوقود الأحفوري. بين الالتزامات المناخية وضغوط التنمية، يظل المسار الانتقالي خياراً استراتيجياً يحدد مكان المنطقة على خريطة الطاقة العالمية في العقد القادم.