قد يسجل رقماً قياسياً.. متى ينتهي الإغلاق الحكومي في واشنطن؟

بعد مرور سبع سنوات على أطول إغلاق حكومي في تاريخ الولايات المتحدة، توقفت الحكومة الفيدرالية عن العمل عند منتصف ليل الأول من أكتوبر، عقب فشل الكونغرس في إقرار قانون إنفاق يضمن استمرار التمويل. ولا يستبعد خبراء تحدثوا للشرق أن يتجاوز الإغلاق الحالي الرقم القياسي الذي حققه إغلاق عام 2019، مؤكدين أن الحزبين الجمهوري والديمقراطي يستعدان لمعركة تفاوض حول أولويات الإنفاق وإصلاحات الرعاية الصحية.
ما الاختلاف عن إغلاق 2019؟
منذ عام 1976 أُغلقت الحكومة الأميركية نحو عشرين مرة، وكانت الإغلاقات طويلة الأمد أمراً نادراً. لكن إغلاق 2018-2019 استمر 35 يوماً بسبب خلاف حول تمويل الجدار الحدودي. وفي تصريحات للشرق، قال أستاذ السياسة john وايت إن الإغلاق الحالي يختلف، خصوصاً مع خطوات اتخذها ترمب في ولايته الثانية مثل إقالة موظفين وإنهاء برامج أقرها الكونغرس، إضافة إلى حكم المحكمة العليا الذي يمنحه حصانة عن أفعال الرئاسة. ويرى وايت أن حتى لو وصل ترمب إلى اتفاق مع الديمقراطيين، فقد يُلغيه لاحقاً بلا عواقب، فالبقاء في الموقف المتصلّب من كلا الطرفين يجعل المسألة أكثر تعقيداً. كما يرى أن الديمقراطيين يريدون مزيداً من المواجهة بينما الجمهوريين يعتقدون أن لديهم اليد العليا وأن هذا يوعدهم بفوائد سياسية.
ويتفق أستاذ الشؤون الحكومية في جامعة كورنيل، ريتشارد بنسل، مع وايت في أن الإغلاق الحالي أكثر خطورة من السابق، ولكنه يتوقع أن تكون مدته محسوبة بحذر. يقول بنسل إن كل التوقعات في هذه الحالة محفوفة بالمخاطر، وهو يظن أن الإغلاق قد يستمر سبعة أيام على الأقل وربما أسبوعين آخرين، مع تزايد قوة ترمب داخل الحزب الجمهوري مما يجعل بعض أعضاء المجلس في حيرة من أمرهم حيال التصويت على أي تسوية دون رضا ترمب.
كما أن وجود ترمب كقوة متصاعدة داخل الحزب الجمهوري يجعل المعارضة أكثر صعوبة أمام الديمقراطيين في التفاوض، بحسب بنسل، حيث يمكن أن يواجه أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريون ضغوط من مؤيدين للرئيس في التصويت على أي اتفاق. ويضيف أن الناخبين الديمقراطيين قد يعاقبون أعضاء مجلس الشيوخ بدرجة أقل من العقاب الذي قد يواجهه ترمب من منشقين جمهوريين، ما يمنح الديمقراطيين قدرة مناورة أوسع في التفاوض.
ويتفق أستاذ العلوم السياسية في جامعة كورنيل، بول بينسل، مع وايت في أن الإغلاق الحالي أكثر خطورة، إلا أنه يختلف معه في التوقعات حول مدته، معتبراً أن المخاطر عالية وأن كل خيار يحمل احتمالاً، وإن كان يراهن على أن المدى الأقرب هو استمرار الإغلاق لبضعة أيام وربما أسابيع حتى الوصول إلى تسوية.
وتظهر قوة ترمب المتصاعدة كعامل خطورة إضافي، بحسب بنسل، فهو يعتبر أن موقفه القوي داخل الحزب يجعل من الصعب التوصل إلى تسوية دون تنازلات، بينما يرى آخرون أن الديمقراطيين لديهم مساحة للمناورة السياسية. وتؤكد هذه الديناميكية أن أي اتفاق لن يرضي الطرفين دائماً، وأن العامل الشخصي للمواجهة السياسية يثقل المشهد.
الحل الأسرع.. انشقاق ديمقراطي
وفي الساعات الأخيرة قبل دخول الإغلاق حيّز التنفيذ، ومرة أخرى عند إعادة التصويت، انشق ثلاثة أعضاء من مجلس الشيوخ عن الموقف الديمقراطي وصوتوا لصالح تمديد قصير للتمويل لا يتجاوز سبعة أسابيع. اثنان من المنشقين الديمقراطيين يمثلان ولايتي نيفادا وبنسلفانيا المتأرجحتين، أما الثالث فهو السيناتور المستقل أنجوس كينغ من مين، الذي يحظى بدعم الديمقراطيين ويمثل وجود أبناءه في السباق الانتخابي. ويحتاج إنهاء الإغلاق إلى انشقاق ثمانية ديمقراطيين على الأقل، وفق بنسل. كما أن السيناتور الراند بول من كنتاكي عارض القانون مطالباً بخفض أعمق في الإنفاق. إذا انشق هؤلاء الديمقراطيون الثمانية عن بقية زملائهم فسيؤدي ذلك فوراً إلى إنهاء الإغلاق، لكن بيك يقلل من احتمال حدوثه ويؤكد أن الخلاف الأساسي لا يزال حول إعانات الرعاية الصحية التي ستنتهي بنهاية العام، وهي جزء أساسي من تشريع أوباما كير والديمقراطيين يرون أنها ورقة سياسية لإشعال الإغلاق كأداة ضغط في مواجهة إدارة ترمب.
الحل المعتاد.. تسوية
خلال ولايته الأولى، كان الخلاف حول طلب ترمب تمويل الجدار الحدودي بقيمة خمسة مليارات دولار، وهو ما أدى إلى إغلاق استمر 35 يوماً. وفي 25 يناير 2019 توصل الرئيس إلى اتفاق مؤقت لإعادة فتح الحكومة لمدة ثلاثة أسابيع بينما تستمر المحادثات بشأن الجدار. وعادةً ما ينتهي الإغلاق بتمديد مؤقت لتمويل الحكومة “CR” حتى تتوصل الأطراف إلى اتفاق طويل الأجل. يعتقد بنسل أن السيناريو الأقرب هذه المرة هو تسوية مؤقتة يتفق عليها الحزبان لتمويل الحكومة لعدة أسابيع ريثما يتم التوصل إلى اتفاق أكثر دواماً، بينما يرى روزيل أن الثقة بين الجانبين تراجعت بشكل كبير مما يجعل التسوية أقرب إلى صعوبة.
الحل الأصعب.. تراجع
في وقت مبكر من الثلاثاء، هدد ترامب من المكتب البيضاوي بإجراء تسريح جماعي للعاملين الفيدراليين إذا حدث الإغلاق، قائلاً إن الديمقراطيين يريدون إغلاقه لذا يجب أن يتأثر الأميركيون بذلك. وتبادل الاتهامات بين البيت الأبيض والديمقراطيين حول من يعطل العمل أدى إلى استمرار التوتر، بينما قال قادة الديمقراطيين إن الإغلاق بدأ مع الجمهوريين بسبب فشلهم في حماية نظام الرعاية الصحية. ويرى بعض المحللين أن الاستمرار في اللوم وتبادل الاتهامات قد يؤدي إلى تراجع أحد الطرفين، بينما يرى آخرون أن العودة عن المواقف قد تكون صعبة لكلا الطرفين في ظل استمرار الإغلاق.
لعبة اللوم والانتخابات النصفية
مع وصول الأزمة إلى طريق مسدود وقبل تنفيذ الإغلاق رسمياً، أظهرت استطلاعات أن ترامب والجمهوريين يتحملون اللوم الأكبر. وبعد الإغلاق، أظهر استطلاع أن 30% من المشاركين يحمّلون الديمقراطيين المسؤولية عن الإغلاق، و47% يحمّلون ترامب والجمهوريين المسؤولية الأساسية، بينما قال 23% إنهم غير متأكدين. هذا اللوم قد يؤثر في الانتخابات النصفية المقبلة وفقاً للخبراء، فالجمهوريون الذين يسيطرون على السلطتين يواجهون ضغطاً شعبياً متزايداً، ما يجعل احتمال التراجع أو الاستسلام أمراً مطروحاً في ظل استمرار الخلافات. يرون أن العوامل السياسية ستحدد نهاية الإغلاق، وأن الديمقراطيين قد يحاولون تصوير التراجع كفائدة لهم في قضايا الرعاية الصحية، بينما قد يرى الجمهوريون أن التنازلات في هذه المرحلة ستؤثر سلباً عليهم في الانتخابات القادمة.