رصاصة الغرب الأخيرة: إعادة فرض العقوبات على إيران تعيد الغرب إلى مربع صفر

الموقف الأوروبي من آلية إعادة فرض العقوبات
تسعى فرنسا وبريطانيا وألمانيا، المعروفة باسم الترويكا الأوروبية، إلى أن تفرض إيران الرضوخ لمطالبها من خلال تهديد بإعادة فرض عقوبات الأمم المتحدة، بهدف دفع طهران إلى السماح لمفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالعودة بسرعة إلى المواقع النووية وتخفيف التوترات واستئناف المحادثات مع الولايات المتحدة حول الأنشطة النووية الإيرانية.
ومع أن الجهد الدبلوماسي كثف خلال أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك، قالت الترويكا إن إيران لم تقدم سوى ما يحد من الضغوط وأبقى خيار إعادة فرض العقوبات قابلاً للتفعيل عند انتهـاء مهلة الثلاثين يوماً التي تسبق وجود الإجراء، مع بدء ساعات العمل الرسمية في وقت محدد من الأحد.
ردود الفعل داخل إيران والسيناريوهات المطروحة
في الساعات الأخيرة من المفاوضات، قال نائب إيراني محافظ شرط عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المحادثات: إن آلية إعادة فرض العقوبات تقف كالرصاصة الأخيرة في يد الغرب، وبمجرد إطلاقها سيبقى له الغرب أدنى نفوذ بعد أن يفرغ التهديد.
ومن جهة أخرى، يرى دبلوماسيون غربيون أن الولايات المتحدة والترويكا الأوروبية يملكان خياراً بتقديم رفع جزئي أو كامل لبعض العقوبات كجزء من تفاهم محتمل، لكن رفع العقوبات نفسه مسار معقد ولا يُتوقع أن يفضي بسرعة إلى تنازلات كما تريد الترويكا الأوروبية في وقائع اللحظة الراهنة.
موقف الولايات المتحدة والتوازن بين الضغط والالتزام
اعتبر باحثون في قضية التهديد النووي أن الولايات المتحدة استخدمت ورقتها الرابحة عبر قصف مواقع رئيسية في إيران، وبالرغم من الضرر الذي لحق بالبرنامج النووي، لا يزال البرنامج قائماً كما أن إيران ليست مستعدة للانصياع للشروط الأمريكية بشكل فوري. ومع ذلك، يرى هؤلاء أن واشنطن ما تزال بحاجة إلى اتفاق مستدام، لذا فهناك عودة إلى نقطة البداية في عدد من النواحي.
تنص متطلبات إعادة فرض العقوبات على إيران على تعليق جميع أنشطة تخصيب اليورانيوم، وحظر واردات قد تسهم في تلك الأنشطة أو في تطوير أنظمة نقل الأسلحة النووية مثل الصواريخ الباليستية، إضافة إلى إعادة فرض حظر الأسلحة والعقوبات الموجهة تجاه عشرات الأفراد والكيانات. كما أن الاتفاق النووي الموقع عام 2015 كان يحد من الأنشطة النووية الإيرانية مقابل تخفيض العقوبات، ثم انسحاب الولايات المتحدة في 2018 وإعادة فرضها، وهو ما دفـع إيران إلى توسيع تخصيب اليورانيوم.
ردود إيران وتوقعاتها المستقبلية
أعلنت إيران أنها سترد دبلوماسياً إذا ما عُدت آلية إعادة فرض العقوبات إلى العمل، وقد تقلل تعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية وتطالب بإيضاحات حول مخزونها العالي من اليورانيوم عالي التخصيب. وتحدث مسؤولون إيرانيون عن تشديد القيود على إجراءات التفتيش إذا ما عادت العقوبات، وهو ما يعكس استياءً من تقارير الوكالة.
بعد الهجمات الإسرائيلية الجوية على إيران، أقر البرلمان الإيراني تشريعاً يعلق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ويشترط موافقة المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني على عمليات التفتيش، بينما أُعلن هذا الشهر عن اتفاق كان من المفترض أن يمهِّد لاستئناف كامل لعمليات التفتيش، لكن لم يتحقق تقدم ملحوظ منذ ذلك الحين.
أعلن دبلوماسيون من الترويكا الأوروبية أنهم سيعيدون اعتماد استراتيجيتهم على مزيج من الضغط والحوار، كما كانوا يفعلون منذ عام 2003، رغم أن البيئة الدولية حالياً أكثر انقساماً بسبب الحرب في أوكرانيا، ما يجعل الدفع صوب اتفاق أمراً أصعب.
أبعاد الاستراتيجية ومخاطرها
بينما يحاول المجتمع الدولي إجبار إيران على الشفافية والتعاون، تواجه القوى الكبرى انقسامات حادة بعد أحداث أوكرانيا، ما يجعل خطوات الضغط أقوى تعقيداً. حاولت روسيا والصين الخميس الماضي تفادي إعادة فرض العقوبات في مجلس الأمن لكنها فشلت، وهو ما يعكس صعوبة خفض التوترات الكبرى مع إيران.
يؤكد بعض المحللين أن تعاون إيران مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية محدود بالفعل، وربما يتراجع أكثر، لكنهم لا يعتقدون أن الصين أو روسيا ستقبلان أن تتسرع إيران في امتلاك سلاح نووي، وفي حال حدث مثل هذا السيناريو فلن تقبله إسرائيل أيضاً. ويشدد مراقبون على أن المواجهة الدبلوماسية قد تدخل مرحلة طويلة من الغموض والتأرجح بين التصعيد والتفاوض، في ظل غياب وجود مفتشي الوكالة على الأرض وتزايد الشكوك حول نوايا إيران وإقدامها على خطوات جديدة قد تُعيد إشعال التوترات الإقليمية والدولية.