الحرب الخفية: كيف تعيد إسرائيل تشكيل الضفة الغربية بعيداً عن الأنظار؟

يتسع انشغال العالم بالحرب في غزة بينما تشن إسرائيل هجوماً موازياً في الضفة الغربية بما فيها القدس الشرقية، ما يترك آثاراً عميقة وآفاق توسعية على الأرض الفلسطينية.
تسعى إسرائيل من خلال مشاريع على الأرض إلى ربط الحدثين بسلسلة من الإجراءات التي تعمق السيطرة: إقرار بناء المستوطنات في منطقة E-1 يملأ آخر المساحات المفتوحة في الضفة ويقطع التواصل الجغرافي بين شمال الضفة وجنوبها، مانعاً قيام دولة فلسطينية متواصلة.
أقرّت إسرائيل منذ اندلاع الحرب أكبر عملية مصادرة أراضٍ في الضفة منذ اتفاق أوسلو؛ وفقاً لبيانات من مصادر فلسطينية، هُجّر أكثر من 60 تجمعاً بين 2022 و2025 واستولى المستوطنون على نحو 14 في المئة من الضفة، أي أكثر من 780 كيلومتراً مربعاً.
تشيّد المستوطنون بؤراً استيطانية بتمويل حكومي وغيره وتتحول لاحقاً إلى قواعد للهجمات والاعتداءات التي تجعل الحياة في المناطق الريفية الفلسطينية شبه مستحيلة، مع إحراق خيام وسرقة ماشية وطرد السكان في وضح النهار، غالباً بحماية الجيش أو بتغاضيه.
أعلن وزراء في الحكومة الإسرائيلية عن نياتهم بشكل صريح، فوصفت وزيرة الاستيطان المرحلة بأنها “معجزة” للتوسع، بينما قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن الهدف هو إزالة “خطر” الدولة الفلسطينية بفرض السيادة على كل “يهودا والسامرة”.
كثّفت إسرائيل القيود على حركة الفلسطينيين بشكل غير مسبوق، فبلغ عدد الحواجز العسكرية في الضفة 849 حاجزاً مع مطلع 2025، وهي حواجز تفصل المدن وتعيق الوصول إلى المستشفيات والمدارس وأماكن العمل.
وثّقت منظمة الصحة العالمية 791 اعتداءً على البنية الصحية الفلسطينية في الضفة منذ أكتوبر 2023، وهو جانب من سياسة السيطرة الاقتصادية والأمنية المتزايدة.
تصدر الغاية السياسية مشروع «كانتنة» الضفة، حيث يسعى لإعداد خمس “مجالس إقليمية” منفصلة للفلسطينيين بما ينسجم مع رؤية سموتريتش لوجود فلسطيني مجزّأ تحت سيطرة إسرائيلية كاملة، فيما يتحرك المستوطنون بحماية منظومة قانونية وإدارية خاصة.
تشمل الحملة الاقتصادية ثلاث أبعاد: منع الفلسطينيين من دخول إسرائيل، وحجز عائدات الضرائب الفلسطينية التي تتجاوز 1.8 مليار دولار، وقطع أسواق الضفة عن الفلسطينيين داخل إسرائيل.
تدفع هذه الإجراءات الاقتصاد الفلسطيني إلى الانهيار؛ فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 22 في المئة خلال العام الأول من الحرب وخسر أكثر من 200 ألف فلسطيني وظائفهم في غزة والضفة، كما أثر حجز العائدات على قدرة السلطة الفلسطينية على دفع الرواتب.
استهدفت الإجراءات أيضاً المنظمات الإنسانية والمجتمع المدني؛ فدخلت تشريعات تسمح لإسرائيل “بإلغاء تسجيل” أي منظمة تعتبرها معادية، وهو وصف فضفاض يهدد عمل أكثر من عشرين منظمة دولية تمثل مصدراً رئيسياً للدعم المدني.
حُرِم الفلسطينيون داخل الخط الأخضر من التسوق في أسواق الضفة، كما مُنعت إسرائيل أبناءهم من الدراسة في الجامعات الفلسطينية بالضفة، وهو ما يعكس هدفاً أوسع لتدمير مؤسسات السلطة بشكل غير مباشر.
وفي ظل استمرار الحديث الدولي عن حل الدولتين، أعلنت بلجيكا وفرنسا وبريطانيا وكندا وأستراليا ومالطا وغيرها من الدول انضمامها إلى 147 دولة أخرى للاعتراف بدولة فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وهو مجرد خطوة رمزية إذا لم تقترن بمحاجبة فعلية.
يظهر من استطلاع حديث أن 68 في المئة من الإسرائيليين يؤيدون ضم الضفة بينما يعارض 71 في المئة قيام دولة فلسطينية، ما يعكس تحولات في المزاج المحلي نحو سياسات التوسع والفصل.
استمر هذا المسار في تحويل إسرائيل القديمة إلى واقع فصل عنصري، وتترك حرب غزة آثاراً عميقة إقليمياً ودولياً، فيما تترسخ الحرب غير المعلنة في الضفة كأداة بيروقراطية هيكلية لتصفية القضية الفلسطينية مع غياب محاسبة دولية.
يؤكد الكاتب أن هذه الحرب الصامتة في الضفة هي جزء من مخطط أوسع يهدف إلى تقويض سلطة الفلسطينيين وتآكل مؤسساتهم، بينما تتعاظم فرص النجاح لهذا المشروع مع غياب المحاسبة الدولية.