الاستثمارات بالمليارات إلى سوريا: واقع أم وهم؟

يرى معارضون أن الأرقام المعلنة من قبل السلطات حول تدفق استثمارات عربية وأجنبية إلى سوريا مبالغ فيها وغالباً ما تظل في خانة “إعلان نوايا” لا ترجمة عملية على الأرض بسبب غياب الاستقرار الأمني والسياسي ووجود عقبات قانونية وإدارية ولوجستية.
أعلن النظام عن مشاريع ضخمة منها إطلاق 12 مشروعاً بقيمة 14 مليار دولار، وذكرت تقارير أخرى أرقاماً متفاوتة تصل إلى نحو 16 مليار دولار خلال ستة أشهر، لكن كثيراً من الخبراء يربطون هذه الأرقام ببيانات سياسية تهدف لإظهار زخم دون أن تكون كل المشاريع قد انطلقت فعلياً.
حالة التنفيذ والقيود العملية
أشار محللون مثل حسن ديب وزياد البني إلى أن بعض الاستثمارات دخلت مرحلة التنفيذ الفعلية أو تجهيز البنية التحتية، بينما تبقى مشاريع أخرى في طور التفاوض أو تواجه عراقيل قانونية وإدارية ومنظومة ضوابط مالية تحول دون تحويل رؤوس الأموال بسرعة.
كشف خبير اقتصادي رفض الكشف عن اسمه أن اشتباه المستثمرين في انتشار أعمال عنف ومجازر ومحافظات غير مستقرة دفع كثيرين إلى الاكتفاء بتوقيع مذكرات تفاهم واختبار نوايا فقط، ما سمح بظهور صفقات ظاهرها استثماري وباطنها تفاخر إعلامي أكثر منه التزام حقيقي.
حالات محددة وشركات مثيرة للشك
ذكر النقاد أمثلة على عقود مع شركات ثبت أنها ضعيفة أو وهمية، من بينها شركة “اوباكو” الإيطالية المزعومة التي ورد أنها تأسست حديثاً وبهيكلية موظف واحد وبيانات مالية غير مقنعة، كما تبيّن أن شركة صينية مُنحت مساحة 850 ألف متر مربع في حمص غير موجودة عملياً بحسب تحقيقات التدقيق.
أشار مسؤول في المصرف المركزي عبد القادر الحصرية إلى أن العمل جارٍ على جرد الأرصدة المجمدة ومراجعتها قانونياً، وأن المصرف يطوّر أنظمة دفع وطنية استعداداً للانفتاح على القطاع الخاص، مع سياسة اقتصادية تبتعد عن الاقتراض التجاري من الأسواق العالمية.
ذكر زياد البني أن أصولاً سورية مجمّدة في بنوك سويسرية وبريطانية تقدرها تقارير رسمية بعشرات الملايين (حوالي 112 مليون دولار في سويسرا ونحو 205 مليون دولار في المملكة المتحدة) وأن الحكومة تسعى لاستعادتها لتمويل إصلاحات وقدّر بعض المسؤولين إمكانية استرداد مبالغ تصل إلى نحو 400 مليون دولار.
مشاريع حقيقية لكنها محدودة
أشار خبراء إلى وجود مشاريع يمكن اعتبارها واقعية مثل مشروع إعادة تأهيل قطاع الكهرباء بقيمة تقارب 146 مليون دولار بدعم من مؤسسات دولية، ومشروع معمل أسمنت بقيمة نحو 100 مليون دولار تم تدشينه بمشاركة مسؤولين سعوديين، إلا أن هذه المشاريع تبقى صغيرة مقارنة بالأرقام الضخمة المعلنة وتتطلب بيئة مؤسسية واضحة للتوسع.
ذكر أيضاً أن الحكومة وقعت مذكرات مع شركات طاقة لتوسيع الشبكة ورفع القدرة إلى نحو 5000 ميغاواط وتحدثت عن اتفاقات تستهدف جذب استثمارات في قطاع الطاقة بنحو سبعة مليارات دولار، بينما أعلنت تركيا عن نيتها تزويد سوريا بنحو ملياري متر مكعب غاز سنوياً، واتفق وفدان سوري وتركي على صفقات تجارية بقيمة مستهدفة خمسة مليارات دولار قصيرة الأجل.
طالب محللون مثل أيمن الدبس بإجراءات إصلاحية واضحة تشمل إعادة هيكلة القطاع العام والقطاع الخاص وتطبيق معايير دولية على شركات الدولة وتمهيد عملية خصخصة مدروسة أو شراكات تجعل الشركات قادرة على استيعاب الاستثمارات الخارجية، مؤكدين أن نجاح جذب رؤوس الأموال مرتبط بجودة البيئة الاستثمارية والشفافية.
ختم معارضون بأن الترويج الإعلامي المبالغ فيه وبيع وعود استثمارية دون شفافية يفاقم أزمة الثقة بين الحكومة والمواطن، وأن الحاجة قائمة لبيانات دقيقة وقابلة للتحقق وتفصيلات تنفيذية لكل مشروع قبل الاحتفاء بأرقام ضخمة قد لا تتطابق مع الواقع.