اقتصاد

مليارات الاستثمارات إلى سوريا: واقع أم وهم؟

أعاد إعلان الحكومة عن استثمارات عربية وأجنبية في سوريا فتح جدل حول مصداقية الأرقام وإمكانية تحويلها إلى مشاريع فعلية في ظل واقع أمني وسياسي واقتصادي لا يزال هشاً.

أوجه الانقسام

اعتقد بعض الاقتصاديين أن جزءاً من الاستثمارات، لا سيما السعودية والقطرية، بدأ فعلياً بمرحلة تجهيز البنية التحتية وجذب الكفاءات السورية، بينما رأى آخرون أن كثيراً من الأرقام تمثل نوايا ومذكرات تفاهم لم تُترجم بعد إلى تنفيذ بسبب عوائق قانونية وإدارية ومخاوف المخاطر الأمنية.

قال مسؤولون في المصرف المركزي إن العمل جارٍ على جرد الأرصدة المجمدة ومراجعتها قانونياً وتطوير أنظمة دفع وطنية لاستيعاب دخول القطاع الخاص وتوسيع الخدمات المالية، في حين يؤكد خبراء أن سياسة الحكومة الجديدة تميل للابتعاد عن القروض التجارية والأسواق المالية العالمية.

الأصول المجمدة وإمكانيات الاسترداد

أشار خبراء إلى أن ملايين الدولارات السورية لا تزال مجمدة في بنوك دولية منذ أكثر من عقد، وذكر تقرير أن الأرصدة في سويسرا تقارب 112 مليون دولار وفي المملكة المتحدة نحو 205 مليون دولار، مع إعلان حكومي عن محاولة استعادة ما يصل إلى 400 مليون دولار لإعادة تشغيل الإصلاحات الاقتصادية.

شركات وهمية ومخاوف الشفافية

انتقد معارضون الإعلان عن عقود مع شركات تبين لاحقاً ضعفها أو عدم وجودها على أرض الواقع، فمثلاً ذُكرت شركة إيطالية اقترن اسمها بعقد بقيمة مليارات لصنع أبراج ولم يظهر سجلها التجاري سوى تأسيس حديث وعدد موظفين ضئيل وحالة مالية متواضعة، كما نُسبت مذكرات لمسؤولين مع شركات صينية لم يُعثر على وجود فعلي لها، الأمر الذي أثار تساؤلات عن غياب الشفافية ومخاطر التضليل الإعلامي.

مشروعات حقيقية لكن محدودة

لا ينكر بعض الخبراء وجود مشاريع استثمارية حقيقية متواضعة نسبياً، منها مشروع إعادة تأهيل قطاع الكهرباء الممول بعشرات الملايين من دولارات البنك الدولي ومشروع معمل أسمنت سعودي بقيمة نحو 100 مليون دولار، لكنهم يشددون على أن هذه المشاريع رغم أهميتها لا تكفي لتبرير الأرقام الضخمة المعلنة دون تنفيذ إضافي كبير ومستمر.

عوامل تباطؤ التنفيذ

أوضح محللون أن بطء دخول الاستثمارات يعود إلى مخاوف المخاطر الأمنية في مناطق عدة وتجارب العنف التي أثّرت على ثقة المستثمرين، إضافة الى إشكالات تنظيمية وقانونية ولوجستية حول إدخال الأموال وتوظيف العمالة واستقدام خطوط الإنتاج، مما يجعل الشركات تتروى وتعتبر التوقيع إعلان نية قبل البدء الفعلي.

إصلاحات مطلوبة لامتصاص الاستثمارات

دعا خبراء إلى مسار إصلاحي يبدأ بإعادة هيكلة القطاع العام والخاص وإعداد استراتيجية وطنية للخصخصة والشراكة، يتضمن فريق عمل قانوني واقتصادي وتقني لتحديد شركات قابلة للتطوير وأخرى يمكن دمجها أو بيع حصص فيها، مع إعادة تأهيل شركات القطاع العام وفق معايير دولية لتستطيع جذب شراكات حقيقية بدلاً من بيع كامل القطاع بلا رؤية.

يُجمع المراقبون أن تحوّل التصريحات إلى استثمارات ملموسة يتطلب توفير مناخ استثماري شفاف ومستقر ومعالجات أمنية وقانونية واستراتيجية واضحة لإعادة هيكلة الأعمال العامة والخاصة، بينما يبقى تمييز الاستثمارات الحقيقية عن الإعلانات والمذكرات مطلباً أساسياً لاستعادة ثقة المواطنين والمستثمرين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى