جافين نيوسوم: استراتيجية السخرية من ترامب تضعه في قلب سباق الرئاسة 2028

يتحول صيف 2025 إلى ساحة مواجهة علنية بين البيت الأبيض وكاليفورنيا بعدما نفذت وكالة الهجرة والجمارك ICE حملة مداهمات واسعة بأوامر من الرئيس دونالد ترمب طالت عشرات المهاجرين بينهم قصّر. تلت ذلك استنفار في لوس أنجلوس دفع حاكم الولاية الديمقراطي جافين نيوسوم إلى إعلان جلسة طارئة لمشرعي الولاية بهدف حماية البلدية من سياسات ترمب في مجالات مثل الإجهاض والسيارات الكهربائية والهجرة والمساعدات للكوارث. أثار ذلك جدلاً سياسياً واسعاً، وواجه ترمب هجوم نيوسوم الأخير بوصفه إياه بـ”نيو سكوم” في منشور علني، ما أشعل نزاعاً كان قد بدأ في سنوات سابقة وتفاقم ليشمل شوارع المدينة ثم المحاكم وقنوات التواصل.
مواجهة ترمب ونيوسوم المبكرة
استمرت الخلافات بين الطرفين مع مرور الأشهر، خصوصاً عندما شددت حملة ترمب لترحيل مهاجرين غير موثقين المعترضين في كاليفورنيا، مع تحذيرات من تبعات اقتصادية خطيرة بسبب وجود نحو 2.28 مليون مهاجر غير موثق يقيمون في الولاية، ما يشكّلون نحو 8% من القوة العاملة وفق دراسات حديثة. وفي الأثناء صعّدت لوس أنجلوس الاحتجاجات ضد الترحيلات، فيما اتهم نيوسوم الإجراءَ الأميركي بأنه غير قانوني واعتبره محاولة لعسكرة المدينة ذات الغالبية الديمقراطية. ورداً على ذلك رفع نيوسوم دعوى قضائية عاجلة لدى محكمة فدرالية لمنع تنفيذ الاعتقالات غير الموثقة دون سبب مقبول، وبعدها أوقفت محكمتان فدراليتان تنفيذ هذه الاعتقالات في المدينة.
صراع الولايات والديمقراطية وخريطة الانتخابات
حين بلغت الاحتجاجات ذروتها، هدد ترمب بتفعيل قانون التمرد الذي يعود لعام 1807، وهو يجيز للرئيس إرسال قوات مسلحة لفرض النظام داخل الولايات في حالات الطوارئ. يرى بعض المحللين أن هذا التهديد يعكس رغبة في تركيز السلطة الاتحادية على حساب صلاحيات الولايات، فيما يرى آخرون أن الحزب الجمهوري بدأ يميل إلى استخدام هذه الأدوات في مواجهة الولايات الديمقراطية. أبدى بعض الجمهوريين دعمهم لتفعيل القانون إذا ثبت أن نشر الحرس الوطني والقوات المرتبطة به لم يكن كافياً، بينما قال باحثون إن دعم ترمب يعكس محاولة لإعادة صياغة السلطة السياسية على نحو أقوى في الفيدرالية. ومع ذلك، يؤكد خبراء أن النزاع ينتقل من قاعات المحاكم إلى ساحة الرأي العام وتغطية الإعلام التي باتت تشكل لاعباً رئيسياً في المعادلة.
نيوسوم.. حرب “إكس” وأساليب الإعلام
في منتصف أغسطس، بدأ الحساب الرسمي لحاكم كاليفورنيا على منصة إكس بمحاكاة أسلوب خطاب ترمب في نشر التغريدات، مع أحرف كبيرة وتوقيع بالأحرف الأولى في نهاية كل منشور. يرى محللون أن هذه الخطوة أكسبت نيوسوم سلاحاً إعلامياً قوياً يجعل الإعلام المؤيد لترمب في موقف محرج، إذ لا يستطيعون مهاجمته دون الإشارة إلى أسلوبه الشبيه بأسلوب ترمب. لكنها قوبلت أيضاً بانتقادات واسعة من وسائل محافظة واعتبرت بمثابة استعراض شخصي. وفي المقابل عبّر ترمب عن انزعاجه من الأسلوب، ثم كتب أن نيوسوم يتراجع شعبيته. وفي الاستطلاعات أظهر تباين في التقييمات: فبينما منح استبيان جامعة كاليفورنيا في يونيو تقييماً إيجابياً لنيوسوم بلغت نسبته نحو 56%، أظهر استبيان لاحق أن نسبة المعارضة كانت قادمة من قاعدته من الديمقراطيين، مع تزايد الاهتمام في أوساط الديمقراطيين بترشيحه للانتخابات الرئاسية لعام 2028. يرى بعض المحللين أن استخدام نيوسوم لهذا الأسلوب كسبه زخماً إعلامياً بين الديمقراطيين، إلا أن الخشية تظل من أن يفسد الأمر مصداقيته إذا بدا كما لو أنه عرض مسرحي.
حرب الخرائط وسياسة “الرد بالمثل”
في أغسطس أرسل ستة من أعضاء المجلس التشريعي الديمقراطيين إلى ولاية تكساس في محاولة لكسر النصاب وتغيير خريطة الولايات بشكل يفضي إلى ميزة جمهورية في انتخابات 2026، وهو ما لاقى رفضاً قانونياً في كاليفورنيا التي تعتمد هيئة مستقلة لرسم الخرائط. في الوقت نفسه تعهد نيوسوم بالرد بالمثل عبر إعادة رسم خريطة كاليفورنيا الانتخابية بما يضعف حظوظ الجمهوريين في الكونغرس. لكن عقبة قانونية ظهرت عندما أظهرت القوانين أن كاليفورنيا تعتمد على لجنة رسم خرائط مستقلة لا يمكن تجاوزها بسهولة، وبالتالي أصبح إجراء إعادة ترسيم الدوائر مؤقتاً رهناً باستفتاء عام على مستوى الولاية. فيما أطلق نيوسوم مشروعاً باسم “قانون الاستجابة لتزييف الانتخابات” يتيح إجراء استفتاء في الرابع من نوفمبر للسماح للهيئة التشريعية بإعادة رسم الدوائر حتى عام 2030 خلال فترة العجز عن تعيين المفوضية المستقلة. يرى ستانفورد شرام أن هذه المعركة أضافت بعداً وطنياً للمواجهة وأعادت إلى نيوسوم دوراً قيادياً في الهجوم الديمقراطي على ترامب، ولكن يرى البعض أن الاستفادة السياسية قد تكون محدودة إذا بدا الأمر كعرض مسرحي يضعف من مصداقيته في أذهان الناخبين. وعلى غرار شعار ترامب، رفع نيوسوم أيضاً شعار “لنجعل الخرائط عظيمة مجدداً” كجزء من حملته لإعادة رسم دوائر كاليفورنيا. يرى توماس بوين أن هذه الخطوة كسبت دعم قواعد الحزب الديمقراطي في مسألة إعادة التقسيم، كما دعمها أوباما بشكل رمزي قبل أن يصوت الناخبون على الاستفتاء، وهو دعم يعزز النظرة بأن الديمقراطيين يريدون تغيير التوازن السياسي في الولاية.
نيوسوم.. حظوظ انتخابات 2028
أظهر استطلاع حديث تصدر جافين نيوسوم قائمة المرشحين الديمقراطيين لانتخابات 2028 بحصوله على نحو 25% من الأصوات، متفوقاً على بيت بوتيجيج وكامالا هاريس. يرى مورون أن النجاح يعود إلى قوة حضور الحملة الإلكترونية التي تتعامل مع خصوم ترامب بسخرية وتغذية معسكر ديمقراطي ينشد قيادات أكثر حدة في مواجهة الرئيس. مع ذلك، يحذر بعض المحللين من أن استقراء النتائج مبكر جداً وأن تغير الديناميكيات مع اقتراب الانتخابات قد يعيد التوازن. يرى بوين أن نيوسوم قد عزز مكانته في صف الديمقراطيين الذين يتطلعون لخوض السباق الرئاسي، مع وجود معيار انتخابي يريد الفوز على جي دي فانس واستعادة البيت الأبيض.
نيوسوم.. من عسر القراءة إلى حكم كاليفورنيا الذهبية
ولد جافين نيوسوم عام 1967 ونشأ في عائلة مكونة من خمسة أفراد في سان فرانسيكيو، وواجه في صغره صعوبات مع عسر القراءة قبل أن يتغلب عليها عبر أساليب تعلم بديلة. درس السياسة في جامعة سانتا كلارا وبدأ حياته المهنية في الأعمال، فأسس مطعماً ثم توسع إلى سلسلة مطاعم وشركة لإنتاج النبيذ الفاخر. دخل عالم السياسة عندما فاز بمنصب عمدة لوس أنجلوس في 2003، وفتح باباً لسياسة يسارية تقدمية من خلال السماح بتصاريح زواج المثليين في تلك الفترة. انتخب نائباً لحاكم كاليفورنيا عام 2010 وظل في المنصب حتى توليه رئاسة الولاية في 2019، إضافة إلى مشاركة إعلامية عبر برنامجه التلفزيوني The Gavin Newsom Show وبداية 2025 بإطلاق بودكاست بعنوان This is Gavin Newsom.